ليتهم أحرقوا أنفسهم قبل أن تحرقوا تاريخهم..
لو أن أجدادنا الأوائل في ممالك سبأ وحمير وأوسان وقتبان ووو.. علموا أن آخرة تماثيلهم ومحتويات قبورهم كراتين "مغفرة " وترحيل فوق طائرة أو قارب لأحرقوا أنفسهم كما كان يفعل الإغريقيون مع موتاهم.
زمان كان يقال من حيرف ذكر دين أبوه، ويبدو أن هذا المثال دخل التاريخ من باب الآثار، فالوضع العكر الذي تعيشه البلاد هو أنسب فرصة للصيد، خصوصاً في ظل تجمد الحالة المعيشية الاقتصادية، ولعل هذا ما يفسر استئناف نبش الآثار في مناطق أثرية لتهريبها وبيعها، فالوضع المتدهور مناسب لتهريب اليمن بأكملها إلى الخارج وليس الآثار فقط، وعلى رأي الشاعر:
إذا تدهورت الأوضاع × تعرضت الآثار للنهب والضياع
ولعل من المشاهد العالقة بالذهن أن الشباب المصريين شكلوا درعاً للمتحف حتى لا تتعرض مقتنياته للنهب والضياع، أما في بلادنا فقط يتطور الأمر إلى حد النزاع والصراع المسلح بين المتنافسين على آثار وتاريخ بلد بأكمله في وقت ما أحد فيه بيداوي أحد.
ويبدو والله اعلم أن تجار الآثار في الخارج يستثمرون الوضع الذي تمر به دول مثل اليمن لتهريب ما خف وزنه وغلا ثمنه من الآثار وبأقل الأثمان.
والحاصل أن الجيل القادم سينمو فلا يجد شيئاً من تلك الرسوم الموجودة في كتب التاريخ لا في متاحفنا ولا في مناطقنا الأثرية، فقد تفنن أصحاب النفوذ والمصالح والشخصيات الاعتبارية في استجلاب الآلات الحديثة التي تساعد على استخراج الآثار، والعجيب أنه لا يوجد حامي لهذه الآثار، يعني أي واحد ع تروح تشتكي له سيحميها من كل الناس عدا نفسه.
وبالتالي عليه العوض ومنه العوض في تاريخ اليمن وآثاره فالدولارات تعمي الأبصار، ومن جهل بعض الناس وضعاف النفوس أنهم يعتقدون أن مناطق الآثار هي رزق مثلها مثل الحقول الزراعية وكأنهم زرعوا تمثال سبأ أو حميّر أو بلقيس أو أو.. ومن حقهم أن يحصدوه، مع العلم أن الجهل وصل إلى درجة أن الليل كان يتحول في المناطق الأثرية إلى تظاهرة نهبية أثرية لا تسمع فيها سوى صوت المدكات والمفارس والكريكات والحفارات وكل واحد يريد أن يظفر بما يقدر عليه حتى لو اضطر إلى حفر خمسة آلاف قدم تحت الأرض، وبسبب الحفر العشوائي كانوا يحطمون القطعة الأثرية وهي مازالت مدفونة، ناس يحفر أول ما يشوف رأس ثور يمسك في قرونه ويترك بقية جسد الثور لمن يحفر بعده، وآخرون يخرجوا بعين سبأ، وآخر بأذن حميّر، وآخر بأنف إحدى الأميرات.. فأي جهل بعد هذا؟
وعلى رأي أم كلثوم : أروح لمين؟ وأشكي لمين؟.. حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يدمر ويعبث وينهب تاريخ بلده وآثاره لكسب ثروة لو دامت له ما دامت لعياله، فليس أسوأ من المال الذي يأت عبر نبش القبور وحرق التاريخ وتدمير مستقبل جيل بأكمله، فهذه الآثار عندما تحفظ في متاحف ويأتون لها الزوار من كل مكان تدر مصدر دخل عظيم لشعب فقير وتوجد الآلاف من فرص العمل، فكيف بمن ينهب آثار بلده ويهربها للخارج ليعرضوها في متاحفهم ويستفيدوا منها في دراساتهم وسياحتهم.
أتساءل ما هو شعور ناهب الآثار حين يكبر ابنه ويسافر، فيجد آثار بلده في متحف في إيطاليا أو فرنسا ويسأله هل سرقوها منا؟ هل سيقول له لا يا ولدي أنا سرقتها؟!.
اللهم صلي وسلم وبارك على محمد
Ghurab77@gimil.com
أحمد غراب
ليتهم أحرقوا أنفسهم 2634