قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنـزع الرحمة إلا من شقي"، في هذا الحديث يضعنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أمام حقيقة مهمة في علاقة الرحمة بالشقاوة والهلاك، فمن تحلى بالرحمة ورحم نفسه وغيره ينجو ويسعد، ومن نزعت منه الرحمة لنفسه ولغيره يشقى ويهلك.
إن الإنسان الذي يرحم نفسه يتتبع بها مواطن الرحمة، حتى لو كان فيها مشقة على النفس، فإن المريض يرحم نفسه بتناول الدواء المر، ويشفق على ذاته فيمتنع عن محبوبه من الطعام إذا منعه الطبيب، وهكذا فإن رحمة الإنسان لنفسه تقتضي أن يقودها إلى مواضع الرحمة، فيراه الله حيث ينزل الرحمات حتى تتصيبه الرحمة.
إن الإنسان الذي يريد لنفسه العافية، يحذر من المجاهرة بمعصية الله تعالى، ففي الحديث المتفق عليه " كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه"، فكيف بمن يتبجح على التلفاز بأن قتل أو سيقتل إلى آخر قطرة، أو الذي يجاهر بالظلم، ويتباهى بالمعصية، ويفتخر باقتراف الإثم، فهذا لا يرحم نفسه.
إن الذي يرحم نفسه يتحرك بها في مرضاة الله، ولا يدخلها النار بسوء صنيعه، فمن يظلم نفسه يهلكها ومن يعين الظالم يجعل نفسه من كلاب النار، فإن أعوان الظلمة كلاب جهنم يعوون فيها كما تعوي الكلاب، والجزاء من جنس العمل، فقد كرم الله الإنسان، ولكن الإنسان هو الذي لا يكرم نفسه، بل يهينها، فهل يرضى عاقل أن يكون في الآخرة في هذا المصير البائس المهين؟!.
إن الإنسان المحب لنفسه، الرحيم بها، الشفيق عليها، المهتم بأمرها، والحريص على ما ينفعها، يطير بها إلى مرضاة الله عز وجل، حيث المكانة الرفيعة، والمنـزلة العظيمة، والدرجة العالية، والمجد العريض، فيطمح ببصره نحو أسمى آفاق الجنة، وأعلى درجات الفردوس، هناك مع سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله"، فيراه الناس جميعاً وهو في تلك المنـزلة، بجوار حمزة بن عبد المطلب، وكما قالت إحداهن في الإعلام الرسمي: والله لا نعمل بهم أكثر مما عملت هند بنت عتبة، فاعترفت أن من في الساحات في مقام الحمزة.
إن الناس جميعا يموتون، فالموت على كل الرقاب، ولكن هناك طائفة من الناس يشتركون مع الناس في الموت، وينفردون دونهم بالمجد وجوار حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
إن الذي يرحم نفسه يقف بها مع الخير، مع الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، حتى يكون من أهل المعروف في الآخرة، ولا يقف مع أهل المنكر في الدنيا حتى لا يكون معهم في الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة و إن أهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة"، فالقتل من أعظم المنكرات، والقذف للمحصنات من الكبائر، والكذب والزور والبهتان من الآثام المغلظة، فإذا جاء العبد يوم القيامة، فسيعرف مع من كان في الدنيا، وسيراه كل من في المحشر، أهو من أهل المعروف أم من أهل المنكر، فمن يرحم نفسه سيقف من الآن مع المعروف وأهله، ومن جبن فسيعرف موقفه هناك، والله تعالى يقول: "وإياي فارهبون"، فما هو موقف من خاف من المخلوق ونسي الخوف من الخالق.
إن الذي يقتل النفس المحرمة لا يرحم نفسه لا في الدنيا ولا في الآخرة، أما الدنيا فإن الله تعالى يقول:{ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}، فهل يظن أنه إذا لبس بدلة من وحدة عسكرية معينة أنه سيعجز الله ويغلب الله، فلا يُمكن أولياء الدم منه، أم يظن أن سلاحه الذي في يده أقوى من الله، لقد وعد الله أولياء الدم بالنصر، وكلام الله لا ينـزل الأرض أبداً، { ومن أصدق من الله قيلا} { ومن أصدق من الله حديثا}.. وإن غدا لناظره قريب.
وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " 13989 - يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: يا رب! هذا قتلني فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك فيقول: فإنها لي و يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: أي رب! إن هذا قتلني، فيقول الله : لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان! فيقول: إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه"، وقد رأينا الجنود وضباطهم يرفعون المصاحف على رؤوسهم وهذا خير إذا عملوا بما فيها، إنهم يستطيعون أن يضحكوا على الخلق كلهم، فيقولون ما لا يفعلون، ولكنهم لا يستطيعون أن يضحكوا على الله الذي لا يقبل أن يتخذ الناس آياته هزواً، فليعملوا بما فيها فإن فيها: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}.
ملاحظة:
قال الله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، كان وزير خارجية تصريف الأعمال يتنقل في الدول ليفسد على الثورة، واليوم لا يقبله أحد، ويستقبلون وفد الثورة بكل ترحاب، والمناضلة/ توكل اتهمها النظام وأذنابه بكل القبائح، فرفع الله شأنها، فهاهي اليوم تقابل قادة السياسة وصناعها في العالم، إن وعد الله لآتٍ، بهلاك الظالمين وأعوانهم، {وما للظالمين من أنصار}.