بقلم: توم فين ترجمة/ أخبار اليوم
في الوقت الذي يدخل الربيع العربي شهره التاسع بترنح، لا يزال معظم الاهتمام العالمي مستقر على شمال أفريقيا، حيث استسلم العقيد معمر القذافي بسرعة لميليشيا المقاتلين المدعومين من الغرب.
وآخرون أسرتهم الأحداث الجارية في بلاد الشام حيث يواصل الرئيس السوري المعزول بشار الأسد محاولة سحق حركة الاحتجاج دافعا بلاده إلى مستنقع دموي أعمق.
وفي خضم فوضى عارمة، أصبحت الانتفاضة في اليمن منسية تماما. قبل عدة أشهر قليلة فقط ظهرت اليمن لتكون ثالث دولة عربية، بعد تونس ومصر، تطيح برئيسها هذا العام، لكن المأزق السياسي المتطاحن والتعتيم الإعلامي الواضح في البلاد يظهر أن اليمن قد تراجعت مرة أخرى إلى العتمة.
السقوط السريع للرئيس المصري حسني مبارك في فبراير كان المنعش الأول للثورة في اليمن حيث تدفق عشرات الآلاف من المعارضين الشباب إلى شوارع صنعاء المليئة بالقاذورات لوضع حد لحكم رئيسهم الماكر علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد طيلة 33 عاما.
في الأسابيع التي تلت ذلك، قُتل المئات وجُرح الآلاف عندما تحركت قوات صالح بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص في محاولة للسيطرة على التمرد في وقت مبكر.
وحشية النظام خلقت موجة من الانشقاقات لكبار قادة الجيش ومسئولي الحزب حتى شخصيات بارزة في قبيلة صالح قفزت من السفينة معلنين دعمهم للمعارضة وتركوا النظام يترنح على حافة الانهيار.
لكن بعد مرور ستة أشهر، أصبحت اليمن عالقة في مأزق مشئوم بين رئيس متعذر إزالته على ما يبدو ومعارضة ممزقة لا تزال تصارع من أجل تشكيل حكومة انتقالية.
عندما غادر صالح إلى السعودية في مطلع يونيو لتلقي العلاج من جروح أصيب بها في انفجار مشتبه به وقع في مسجد بدار الرئاسة، افترض الكثيرون بأنها علامة على نهاية الزعيم القوي.
وقيل إن أمراء سعوديين ودبلوماسيين أمريكيين، الذين كانوا بهدوء يدفعون صالح نحو الباب، سيضمنون قضاء صالح بقية حياته في شقة مريحة في العاصمة السعودية الرياض لكي تتمكن اليمن من المضي قدما في بحثها عن مخارج من الأزمة السياسية المستعرة.
لكن لم يحدث ذلك. فبدلا من التوقيع على استقالته بموجب اتفاق ترعاه الدول الخليجية، اختار صالح، أستاذ في الدهاء السياسي، التشبث بالسلطة من على سريره بالمستشفى السعودي وتسليم مؤقت لمقاليد السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي.
لكن هادي، الذي يعتبره كثيرون في اليمن بأنه شخصية مشلولة سياسيا، يوصل بشكل واضح العمل من مكتبه في البرلمان، بينما نجل صالح، أحمد علي، احتل مقر الإقامة في دار الرئاسة للسيطرة على سلطة والده.
مراوغات صالح تركت المحتجين اليمنيين الثابتين مترنحين، مما ضخم من مخاوف متنامية بأن كل جهودهم قد ذهبت سدى.
في ظل غياب رئيس وشلل حكومي واضح، قامت الجماعات المتباينة، التي تناهض صالح، بمهمة شاقة في تشكيل مجلس وطني شامل لتوحيد حركتهم الوليدة وقيادة البلاد خلال مرحلة انتقالية سياسية.
وهذه ليست مهمة سهلة. فالجماعات تتكون من المعارضة الرسمية وهي أحزاب اللقاء المشترك التي يهيمن عليها إلى حد كبير حزب الإصلاح الإسلامي، ومن ثم هناك حركة شبابية غير متحزبة تدعم الديمقراطية وهم أوائل من نزل إلى الشوارع في فبراير. وكذلك هناك الانفصاليون من الجنوب، مصدر النفط في البلاد، والمتمردون الحوثيون الشيعة من محافظة صعدة شمال البلاد.
كلا من الانفصاليين والحوثيين يريدون ضمانات لحكمهم الذاتي أو على أقل تقدير أن يضمنوا أنهم لن يواجهوا نفس التمييز والتهميش بشكل جديد كما عانوا في الماضي.
في الحقيقة أن جميع هذه الجماعات استطاعت أن تتوحد تحت شعار معارضة واسعة ضد صالح وهو الانجاز الرائع حقا وسوف يكون مصدر قلق كبير لصالح الذي يحكم البلاد منذ عقود عن طريق فرق تسد وإبقاء البلاد في حالة شبه فوضوية.
لكن مع بقاء الرئيس خارج المشهد في الوقت الراهن وبالتالي لا يوجد عدو مشترك للاحتشاد ضده، فالشقوق بدأت تبرز في هذا التحالف الهش.
في الأسبوع الماضي، استقال 23 من الساسة رفيعي المستوى من المجلس الوطني الذي شكلته أحزاب اللقاء المشترك، زاعمين بأن المجلس لم يمثل إلى حد ما "الاحتياجات والتطلعات" الموجودة في الجنوب.
وبينما يبدو أن هناك إدراك عام بينهم جميعا بأن لا أحد منهم يمكنه حكم اليمن، هناك خطر حقيقي جدا في أن كل شيء يمكن أن ينهار إذا لم يقدموا قريبا خطة لتشكيل حكومة شاملة في المستقبل.
أي إعادة ظهور لصالح مفاجئ ربما يساعد في تعزيز المعارضة التي تتمزق ببطء لكنها يمكن ببساطة أن تكون شرارة لحرب أهلية.
عندما غادر صالح إلى الرياض في يونيو، اندلعت معارك في شوارع صنعاء حيث اشتبك الحرس الجمهوري الموالي لصالح ورجال القبائل المتمردون الموالون لصادق الأحمر بقذائف الهاون في منطقة مزدحمة بالسكان شرق صنعاء.
ومع سقوط طرابلس بأيدي المتمردين الليبيين في الأسبوع الماضي، بدأت الانتفاضة تغلي مرة أخرى في اليمن. يوم الجمعة نزل أكثر من 200 شاب وشابة إلى الشوارع في مدينة تعز في مسيرة ليلية احتفالا بسقوط نظام القذافي. لكن تم تفريق المظاهرة بعنف في غضون دقائق. وسادت حالة من الفوضى والارتباك عندما قامت قوات الحرس الجمهوري التي يقودها أحمد علي، نجل الرئيس صالح، بفتح خراطيم المياه وإطلاق الرصاص المطاطي عليهم.
على دوي إطلاق النار صاح طه الشامي، أحد قادة الاحتجاج في تعز، عبر التلفون: "بذهاب الرئيس صالح، ثورتنا دخلت مرحلة جديدة. الأمور لم تنته بعد، في الواقع هذه فقط هي البداية. راقبونا".
مجلة نيوزويك الأمريكية
الربيع العربي الهش في اليمن 3589