القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة, قاضٍ جهل الحق وعمل بغيره وقاضٍ علم الحق ولم يعمل به أما ثالثهما فقاضٍ علم الحق وعمل به , الصنفان الأولان من القضاة تزخر بهما بلدي الحبيب اليمن رغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الجانب من قبل أولي الأمر لتحريرهم من الفساد إلا أنها لم تسمنهم ولم تغنهم أجورهم المرتفعة جدا من جشع وطمع , فالدولة أعطت للقاضي راتباً شهرياً يفوق أي وزير أو مدير، ومميزات أخرى مغرية وحتى حصانة لكي تصل بهذا الإجراء إلى وجود قضاء قوي يحكم بين الناس فيما يختلفون ويقضون على مشاكلهم وهمومهم.
ورغم أنهم ضمنياً وليس واقعياً أصبح لهم هيئة مستقلة تحت ما يسمى (مجلس القضاء الأعلى) حتى رئيسها مستقل تماماً عن أي جهة ولا يوجد عليه رئاسة عليا حتى من رئيس الجمهورية كخطوة سباقة لليمن في هذه الإجراءات الإدارية, ولكننا في يمننا الحبيب تعودنا على الإجراءات الإدارية دون التنفيذية, تعودنا على الديمقراطية كمسمى دون إن تكون واقعاً ملموساً وشاملاً, تعودنا على إيجاد مؤسسة كبرى لمكافحة الفساد دون أن تكافح الفساد بل إن الفساد اشتد عوده وتأجج لهيبه, تعودنا على التصريحات من الحكومة والمسؤولين بحياة ومستقبل أفضل وكل يوم يزداد حالنا بؤساً وتعاسة وسوءاً.
تعودنا على أن القضاء أصبح مستقلاً ويستطيع أن يحرر الشعب من كل المخالفين والمتجاوزين للحدود ولكن هذا ليس ملموساً إلا بشكل بسيط جداً في المشاكل الصغرى بين المواطنين البسطاء أنفسهم ويتلاشى تدريجياً كلما ارتفعنا في سلم فئات المجتمع الطبقية والمالية والاجتماعية والسياسية, نجد القضاء حاضراً عندما يكون أصحاب الخلاف أناس من عامة الشعب لا يربطه بالدولة أو بالمشيخة إلا انتماؤه الوطني (وهذا شيء طيب وليس سلبي) ولكنه يتلاشى عندما يكون الجاني أو الفاسد أو السارق أو القاتل (أبن فلان العلاني), نجد أن ممرات المحاكم كلها تعج بأشخاص وأناس تعرفهم من سيماهم أنهم من عامة الشعب وممن يُظن أنه من موظفي هذه المحكمة بسبب تردده الدائم والمستمر إلى هذه المحكمة.
ولو فتشت جنبات المحكمة لتعجبت وتأكدت بأن رؤوس الأموال في اليمن ورؤوس الوزارات ورؤوس المناصب لا يقترفون أخطاء وأنهم من ملائكة الله في الأرض حيث أنهم لا يعرفون للمحكمة سبيلاً وكأن المحاكم وضعت لتقتص للحكومة والتجار من الشعب الظالم , لم نسمع أو نقرأ على مر أكثر من 6 حكومات متعاقبة خلال 20 سنة مضت أن هناك وزيراً من الوزراء أو نائباً من النواب أو قائداً من القواد أو مسؤولاً كبيراً ذا جاه وسلطان أو رجل أعمال كبير أو شخصية اجتماعية مرموقة أو شيخاً من مشائخ اليمن قد أقام القضاء عليه الحجة أو زج به في السجن أو اقتص للمظلوم من ظلمه أو أوقفه في حبس إحتياطي حتى تتم محاكمته أو أٌصدر في حقه قرارات بالسجن أو الإعدام أو سحب الأموال وتجميدها أو أو... رغم أن مشاكل اليمن وفساد اليمن وهموم اليمن واضطرابات اليمن وسوء أحوال اليمن وتدهور اقتصاد اليمن هم أسبابها , رغم أن معظم المظلومين من المواطنين ممن أٌغتصب حقه من قبلهم بدلا من أن يكون هذا المسؤول حامي عرين حقوق هذا المواطن ورغم أن هؤلاء المشايخ والأعيان يستخدمون سلطة القبيلة الممنوحة لهم (حسرة وندامة) وسلطة الحصانة وسلطة المكانة وسلطة الدولة الممنوحة من قبل الدولة للوزراء والأعيان والمشايخ لقتل من يقتلون ونهب أراضي من يشتهون وانتهاك حرمات من ينتهكون حتى أن المواطن اليمني عندما يشتري مثلا أرضاً يخسر مبالغ طائلة لتسويرها خوفاً من تسلط هؤلاء عليه ويبني غرفة للحراسة وتأجير عدد من الأشخاص لحراستها ليلاً ونهاراً والسبب غياب القضاء بعد أن غاب القانون وتلاشى عن الأنظار.
أعطوني أيها القضاة أسماً واحداً لوزير أو نائب أو شيخ قبيلة مرموق يسكن السجن قضائكم وحكمكم سبب لسجنه , لم ولن نجد هذا أبداً في قواميسكم، وسلطتكم سلطتموها فقط على المستضعفين في الأرض كما تسلط فرعون على بني إسرائيل,هل بيدكم حيلة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات!! هل تستطيعون ذات لحظة وتتجرأ قواكم الدينية الممنوحة لكم من الله أن تصدروا قرارات لمحاكمة أي مسؤول في الدولة تحت عنوان ( من أين لك هذا؟) أم أن الأمر في مهنتكم لا يتجاوز محاكمة ( شارب الخمر والزاني والقاتل) رغم أنها قضايا يجب القضاء فيها ولكن يجب الارتقاء بمهنيتكم فسلطة القضاء فوق أي سلطة أخرى مهما تكن صفتها حتى سلطة رئاسة الجمهورية.
وعليكم يا طلاب خير البشر أجمع.. يا من تحكمون باسم الله في الأرض أن تأخذوا دورات تدريبية عند القضاة في أميركا أو أوروبا والذي وللأسف الشديد أن أقولها شتان بينكم وبينهم,أكيد بعد هذا سيقول لسان حالكم ( ما باليد حيلة ) فنحن تحكمنا الأعراف والقبيلة والقانون لا محل له في يمن الحكمة والإيمان,أقول لك بل باليد حيلة إن أردت أن تكون هناك حيلة وقوة وسلطة, كن قوياً بقراراتك وإجراءاتك ولا تخف في الله لومة لائم, استخدم كل الوسائل الحديثة لمحاكمة كل ظالم فاسد مخرب من خلال إصدار القرارات الملزمة له مهما يكون صفتها وانشرها في الجرائد الرسمية والأهلية والإعلام المرئي والمسموع.. هل لديكم الجرأة في هذا أم أن الموضوع إبراء للذمة والله المنتقم (دعاء العجايز والعاجزين).
طالبوا الآن أن تصبح وزارة الداخلية والإعلام مكاتب تحت إدارة القضاء وليست وزارات تحت تسلط أصحاب القوى والفساد أو على الأقل أعملوا على إصدار قرار بتشكيل لواء عسكري تحت إدارتكم ترهبون به أعداء الله من الفاسدين وأيضا أصدروا قناة تلفزيونية خاصة بكم وصحفاً ومجلات تنشر يومياً واعطوا المجلات الأهلية فرصة للتخاطب معكم وإعطائهم كافة المستندات لعرضها على صحفهم ليشكل ضغطاً رهيباً على كل فاسد أو من تخول له نفسه بالفساد.. أليس هذا كله مخ عملكم!! أليس هذه القوة القضائية الربانية التي أعطاكم الله إياها؟ أليست هذه الإجراءات اللازم إتباعها لتصبحوا من الصنف الثالث من القضاة الذين ليسوا من حطب جهنم؟ أليست سلطتكم أقوى وأشد وأقوى من بقية السلطات حتى سلطة الرئيس؟ أما إن كنتم مجرد مكتب من مكاتب الفساد في هذا البلد الطيب أهلة فلن أقول إلا حسبنا الله على تكالب القوى الوطنية علينا فلا ناصف لنا ولا حامي لنا.. لا سلطة تشريعية ولا تنفيذية ولا قضائية.. فالكل يبحث عما ينهشه من أجسادنا التي أصبحت عرضة للجميع.
يوسف الحاضري
استقلالية القضاء..قضاء على الفساد 1993