وفق آخر تقديرات وإحصائيات يقدر عدد سكان اليمن تقريباً (30 مليون نسمة) يسكنون مساحة تقدر بأكثر من 500 ألف كيلومتر مربع موزعة مابين جبلية ( الأكثر انتشاراً) وساحلية وصحراوية (جانب من صحراء الربع الخالي).
المشاهد لهذه الإحصائية المبسطة السريعة أن اليمن تعاني من انفجار سكاني رهيب وكبير, ولأن مسئولينا الكرام أصحاب القرار يتعاملون مع هذه المعضلة بطرق فنية في التخاطب مع الآخرين واستخدام هذه الورقة الرابحة لتعليل أسباب إخفاقاتهم تارة ولجلب المساعدات الخارجية تارة ولإسكات الشعب المنزعج من تردي أحوالهم الاقتصادية تارة أخرى, ثلاثون مليون نسمة عدد غير هين ولا بسيط، بل أنه كبير وكبير جداً إذا ما قارناه بحال وفساد الحكومة وسوء إدارتها لهذه المعضلة, عدد كبير ومضجر ومزعج لأصحاب القرار في اليمن إذا ما رأوا ضرورة توفير الخدمات اللازمة لهم وتوفير فرص العمل وتوفير الحياة الكريمة لهم,ولأن هذا كله خارج عن نطاق تفكيرهم والشيء الوحيد الذي يستفيدون منه هو ورقة لعرض إخفاقاتهم وسبب من الأسباب التي تجلب الدعم الخارجي, غير أن المبكي في هذا الجانب، بل المضحك الناتج من شر بلية هذا الموضوع أننا نبحث عن دعم لتجاوز هذه الأزمة من دول تعداد سكانها أضعاف مضاعفة مما نحن فيه.. فمثلا الصين تعداد سكانها تقريبا (مليار وستمائة مليون ويمن ) -أقصد بلفظة "يمن" في آخر العدد الهائل لسكان الصين بالكسور التي بعد الستمائة مليون- وبكل سخف وغباء نعرض عليهم مشكلة الانفجار السكاني الحاصل عندنا في وقت أن نسبة تعدادنا السكاني إلى نسبة تعدادهم حوالي (1:60) فرد, في تضارب واضح وفاضح بين عرضنا وطلبنا، بل الأدهى من هذا أن هذه الدولة الكبيرة بسكانها وكثافتها التي تعادل سدس سكان العالم تملك اقتصاداً رهيباً جداً يأتي ضمن الخمس الدول الأولى من حيث اقتصادها، رغم أن بها مناطق جبلية كثيرة ومناطق ساحلية وشريطها الساحلي مقارب نوعاً ما لما تمتلكه اليمن وغير ذلك من التضارب الكبير بين هذا وذاك.
دول أخرى كدول أوروبا والتي ليس لها ثروات طبيعية مثلما هو الحاصل عندنا ومساحتها الجغرافية أقل بكثير مما هو عندنا وكثافتها السكانية أكثر بكثير مما هو عندنا إلا أن دخل الفرد فيها أكثر بكثير مما هو دخل الفرد عندنا بمئات الأضعاف,فأين تكمن المشكلة إذاً مادام أن الكثافة السكانية والانفجار السكاني عبارة عن مصطلح كاذب لتضليل الرأي العام عن سبب مشاكلنا,هل السبب في طريقة استخدام هذه الكثافة بطريقة إيجابية مثلما فعلت دولة الصين عندما قال زعيمها بأنه لا يملك مليار وستمائة بطن ولكنه يملك مليار وستمائة يد عاملة, في حين أننا نملك ثلاثون مليون بطن، نبحث عن أساليب لإطعامها في توجه إداري تنموي اقتصادي فاشل.. فالأرقام تثبت فشله؟!.
أم أن المشكلة في انعدام الموارد الطبيعية التي تدر بالدخل على الفرد والدولة، فقد أسلفت في مقالي هذا بذكر بعض البلدان الأوروبية التي لا تمتلك لا موارد بحرية ولا باطن أرضية ولا حتى جبلية ثلث ما نملك ولكنها في قمة الهرم الاقتصادي ونحن تحت أرض ذلك الهرم، هل المعضلة إدارة هذه الكثافة السكانية وإدارة مواردها وإدارة كفاءتها, الجواب: نعم.. فالمشكلة في الإدارة لهذه الكثافة أرضاً وسكاناً, فعندما مثلا يكون فكر الإدارة كيف تشق طريق إسفلتي في مناطق جبلية وعرة تكلف الدولة مليارات الدولارات لكي تصل إلى قرية تعداد سكانها مئات أو يقلون يوجد بها شخصية اجتماعية مرموقة في الدولة في وقت أن هذه المبالغ المالية كافية لإنشاء استثمارات وطنية كفيلة بتوفير فرص عمل لهؤلاء الناس!!.. أيهما أجدر وأولى؟!.
عندما يكون هدف الدولة الأساسي شراء السيارات للوزراء ومدراء العموم وتغييرها كل سنة لإظهار برستيج وهيبة لهم في وقت أن هذه الأموال كفيلة لاستصلاح قطع أراضي كبيرة وزراعتها وتوفير فرص عمل للشباب العاطل وفتح مداخل للدخل وحل مشكلة بطالة بسيطة!!! عندما يكون هدف الحكومة الدائم ومناداتهم للشعب (نظموا إنجابكم – حددوا نسلكم – أقلعوا عن التكاثر ) أرهقتمونا بإنجابكم الزائد في حين أنهم ينجبون للشعب الدمار الاقتصادي والفساد المالي والإداري المتكرر والزائد، في حين أن هؤلاء المسئولين والمشائخ والأعيان هم أسباب هذا الانفجار.. فالواحد منهم يتزوج ما طاب له من النساء أربع وينجب من كل واحدة عشرة من الأبناء ولأنه سيصرف عليهم من أموال الشعب.. فلن يهمه العدد الذي سينجبه ولأنه سيجد لكل واحد وظيفة قبل أن يبلغ الحلم.. فلا يهمه شيء من هذا ومن هنا نتبين سخف هذه الرؤية التحليلية لمشاكل الشعب من خلال الانفجار السكاني الذين هم فجروه.
أما الشعب المسكين المطحون المغلوب على أمره فهو ينظم في الإنجاب ليس بسبب دعوات الحكومة أو منظمات الأمومة وصحة الطفل والأم أو اتحادات النساء التي تسعى وراء هذا ولكن بسبب خوفه من المستقبل في أرض اليمن وخوفه من عدم قدرته على توفير لقمة عيش هنيئة كريمة لأبنائه.. فيكتفي بما قدر الله له من الإنجاب، يرجعون سبب إخفاقهم إلى الشعب وأنهم غير مسئولين على الإطلاق عن أي فشل في هذا ولا ينقصهم إلا تنصيب المحاكم لمحاكمة المتسببين في هذا الانفجار السكاني من عامة الشعب وتشكيل لجان مكافحة الفساد لمكافحة الإنجاب الغير منظم و تحويل الإدارة للعامة للرقابة والتفتيش للتفتيش السكاني.
لعل وعسى هذه الإجراءات تكون كفيلة بالقضاء على سوء الأحوال الاقتصادية لليمن وتمنع تدهور هذا الاقتصاد إلى مستنقع التخبط الإداري والفشل المالي,هذا دأب الحكومة منذ الأزل ترمي أخطاءها وسلبياتها على الشعب وترفع التقارير الدائمة إلى رئيس الجمهورية، موضحة سبب هذا الانفجار السكاني ويضللونه، كما يضللون الشعب ويجرونه للوقوع في نفس أخطائهم من خلال تكراره الدائم في خطابه بأننا نعاني من معضلة الانفجار السكاني في كل خطاب يلقيه مما يضعه في دائرة الاتهام من تكرار مقالات وكلمات المتسببين في الفشل، مما يضع علامات استفهام حول الفكر الإداري الشامل لليمن وأرض اليمن وشعب اليمن ويفقد الشعب أي بادرة أمل من تحسن أوضاعه وتحسن معيشته وعدم الركون إلى مستقبل أفضل ذات اشراقة بيضاء ناصعة لامعة تلبي الحد الأدنى من طموحات الشعب مهما كانت القرارات الحكومية.
فعندما تكون هناك سياسة اقتصادية جريئة وقوية وصادقة ستجد أن الشعب كاملاً سيتنازل عن أشياء ومعتقدات وعادات تحكمه في ظل توفير الحياة الكريمة.
Yusef_alhadree@hotmail.com
يوسف الحاضري
مأساة الانفجار السكاني في اليمن 2912