تزخر بلادي الحبيبة بالعديد من منظمات المجتمع المدني والتي تعني بالجانب الخيري -الغير ربحي- وذلك من خلال تنمية المجتمع تارة.. وتارة من خلال توفير فرص عمل وتارة من خلال المساعدات الاجتماعية والغذائية
والصحية وغير ذلك , وتنوعت مجال أعمالها في عدة جوانب كالاجتماعية والصحية والتنموية والمساعدات العينية والمادية والدوائية والعلاجية والتثقيفية والصحية وغير ذلك , كما أنها متنوعة في الاهتمام.. فمنها
الصحية، ومنها الاجتماعي، ومنها النسويةـ ومنها الخاص بالأيتام ومنها الخاص بأطفال الشوارع، ومنها الذي يهتم ويعتني بالأحداث سواء أحداث الأطفال الذكور أو الإناث.
وتعددت تصنيفها فمنها ما هو عام ومنها ما هو خاص, واختلفت اتجاهاتها وطرق تفكيرها وموالاتها سواء الدينية أو الحزبية أو المنطقية , ومنها ما هو عام ومنها خاص محلي ذاتي.. فالكل يسعى من خلال هذه المنظمات
مهما أختلف شكلها ونوعها ومكانها وحجمها للرقي بالعملية التنموية كشريك فاعل وفعال مع الحكومات للتنمية الاجتماعية الإنسانية والصحية وغير ذلك.
ولعل هذه الأعمال والاتجاهات من أشرف وأنبل الأعمال على المستوى العام والخاص ولأن هذه المشاريع تحتاج لها إلى تمويل مناسب ومتوازي مع ما تنتجه للمجتمع من مشاريع.. فقد انبثقت من هذه المنظمات منظمات عالمية
وإقليمية ومحلية هي أساس تمويل.. هذه المنظمات الصغرى من خلال استقطاب رؤوس الأموال العالميين والإقليميين والمحليين لتكوين شبكة مجتمعية متصلة ومتواصلة الهدف الأول التنمية للمجتمعات على حد سواء.. وقد
ظهرت هناك منظمات فاعلة وقوية وناجعة وناجحة، لها بصمتها على المستويات العالمية ومنها على المستويات الإقليمية ومنها المحلية.
ولأن الجميع يشيد بهذه المنظمات وبنجاحها في أعمالها.. فسأركز حديثي وتشخيصي وطرحي على الجانب المظلم لهذه المنظمات ولأن حديثي هنا والدائم في جل كتاباتي عن المستوي الوطني لبلادي العزيز اليمن الحبيب
فسأتحدث وبكل انطلاق وانفتاح وشدة على معضلة كبيرة جداً تواجه القائمين أو بالأصح العاملين في هذه المنظمات اليمنية أو بالأصح بعضها وليس جلها.. خاصة الكبرى منها.. هذه المشكلة تتلخص في جانبين أثنين هما
الجانب المادي للعاملين والجانب التعليمي.
ولأن هذه المنظمات تهتم بالعمل للتخفيف من الفقر والرقي بالفكر ليصبح الفرد قادرا على العمل ليكسب قوت يومه منتقلا من حالة البطالة والعبء على المجتمع إلى حالة الإنتاج والمنمي للمجتمع,هناك منظمات يمنية كبرى وفعالة
وتنتمي لشخصيات كبرى في اليمن ولها صولات وجولات وميزانيات كبرى ولكنها وللأسف الشديد تفتقد لعدة أشياء وعوامل تجعل منها ناجحة وتجعل من نتائجها باهرة وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
ولعل أهم هذه الأسباب.. الإدارات والعاملون وثقافتهم التنموية وحالتهم المادية.. فكل هذه العوامل كفيلة بأن تجعل من هذه المنظمات ناجحة مهما كانت شحيحة الميزانية وكفيلة بأن تخسف بها سابع أرض من الفشل مهما
ضخمت ميزانيتها, ( فالمادة رغم أنها هامة ولكنها تتلاشى أمام قصر الفهم التنموي).. فبعض هذه الإدارات لهذه المنظمات التي تسعى لتنمية المجتمع الفقير لم تعش في هذه المجتمعات بمعنى أنها عاشت في طبقات راقية
ماديا واقتصاديا واجتماعيا ولم تعاني ما تعانيه الفئات المستهدفة من عملهم, بمعنى آخر عندما ينشئ صاحب القرار التنموي في بروج عالية، بعيداً كل البعد عن مكان نشأت المجتمع الفقير، الذي يحتاج للتنمية ثم يأتي هذا ليصنع
قراراً تنموياً وفقاً لرؤيته البعيدة كل البعد لهذه الطبقة فهي كفيلة بأن تؤدي بهذا القرار وبهذا المشروع إلى الفشل الذريع ولا تكون سوى هدرا للمال فلا المال ظل مكانه ولا المجتمع استفاد من خيراته.
وهذا من الأخطاء الشائعة، التي طالما يقع فيها صناع القرار في بلدنا الحبيب حتى المواقع الخيرية التنموية يضعون فيها من أقاربهم غاضين النظر عن أهميه مكانه من عدمها.. فهم يخططون للمجتمع (وهذا خطأ فضيع )
فالأصل أن يخططوا مع المجتمع ,فالتخطيط يكون مع المجتمع وليس للمجتمع ويكون من خلال الانخراط بين زقازيق الشوارع والمشي على تراب الطرقات والتسلق جبال القرى والأكل معهم لنعرف حاجياتهم وليس الجلوس من
فوق بروج عالية والنظر من خلال منظار مقرب لمشاهدة الأوضاع وتحديد الاحتياج.. فهؤلاء فقراء فكريا وتخطيطيا يسعون لمكافحة الفقر.
ولعلي في هذه الزاوية أتذكر كلمة خبير دولي في مجال مكافحة مرض الإيدز إذ قال لي ذات لحظة خلال مؤتمر إقليمي عن هذا الداء الخبيث والذي كنت أعمل في مجال مكافحته حيث كان أول سؤال بادرني به بعد أن علم أني
أعمل في أكبر منظمة تنموية اجتماعية في اليمن (أين ترعرعت؟؟) فقلت له (وبتعبير مبسط للغاية ) في مجتمع بسيط للغاية كنت أرتدي ثياب المدرسة ولا أغيرة إلا كل 3 سنوات, فقال لي أستمر فالنجاح بمشيئة الله
حليفك!!, لم أنس هذه العبارات المعبرة حتى بعد أن تخليت أو بالأصح تخلت الظروف عني.
ولكي لا نذهب بعيدا.. فالسؤال الذي سألني هذا الخبير الدولي يحمل في جعبته معانٍ كثيرة جداً ولا يعني هذا أن أصحاب الطبقات المادية العالية ليسوا ذا فعالية ولكنهم ليسوا على قدر المسؤولية التامة للعمل في هذا المجال
ومجالاتهم أخرى بعيدة عن فقر المجتمع وتنميته ومحاربة فقرة وتحديد احتياجاته.
أما الجانب الآخر البعيد عن الجانب الإداري ومسؤولياته.. فالموضوع أكبر من هذا وهو فقر العاملين في هذا الجانب سواء كان الفقر معرفياً أو تنموياً أو مادي.. فحتى وإن كان هذا الفرد نشأ في بيئة فقيرة وعنده رؤية
واسعة وإطلاع شامل على المجتمع وعنده طاقة واندفاع للعمل لتنمية مجتمع نشأ منه وبدأ فيه إلا أن جانبه التنموي، البشري، الفكري، أساس لا مفر منه,غير أن هذه المنظمات لا تأبه بهذا الجانب إطلاقا وتنظر إلى العاملين لديها
نظرة الأجير المستأجر بالأجرة الشهرية أريد منه أشياء ويأخذ مني أشياء بعيدا كل البعد عن تنمية فكرة وتعاملاته وتطوير مهاراته ليكون ناجحا لنفسه مفيدا لمنظمته منميا لمجتمعة.
ومن هنا يأتي اختلال جديد للمسيرين لهذه المنظمات بين العرض (تدريب الموظفين) والطلب (الإنتاجية) والذين يعيشون في بروج عالية.. بعيدين كل البعد عن النظر لمتطلبات موظفي هذه المنظمة أو تلك المؤسسة ثم
يطالبونهم بالنتاج التطويري والمهاري ويطالبونهم بالإبداع التنموي ويطالبونهم بتحرير المجتمع من جهله وقصر مفهوميتة في حين أنهم لا يعبأون باحتياجات الموظفين في كل هذه الجوانب بل أنه يصل يبعضهم إلى عرقلة بحث بعضهم
لتنمية قدراتهم ومواهبهم سواء في الجانب اللغوي أو الجانب العملي أو الجانب العلمي, ولا ننسى جانبهم المادي.. فالعامل في هذه المنظمات أقصد المحلية لا يتقاضى من أجر عُشر ما يتقاضاه نفس العامل في نفس البلد في
منظمة أجنبية.
ولأن هذه المنظمات والتي أتكلم عنها ليست جمعيات صغرى ولكنها ذات كيان كبير وميزانية ضخمة وشراكات متعددة ودعم حكومي وإقليمي ودولي غير أن العامل في هذه المنظمة لا يتقاضى إلا دراهم معدودة وهم منها
زاهدون.. فعندما يكون العامل في هذا المجال يعاني ماديا وبشكل كبير فكيف سيكون إبداعه,عندما يكون هذا الفرد يتقاضى بضع ألوف من الريالات لا تكفي لسد متطلباته الخاصة عوضا عن متطلبات أسرة وحاجياته هل
يسعى ليفسد لينمي من مدخراته المالية أم يصبر ويكابر حتى يشعشع الفقر على جميع أطرفه وأفكاره وأعماله أم يسعى للبحث عن عمل آخر بعيدا كل البعد عما وجد فيه ذاته ووجد نفسه مؤهلا لهذا العمل فستقوده ظروف العيش
وتوفير قوت يومه للبحث عن البديل الأفضل ماديا حتى وإن كان فيها بعيدا كل البعد عن طموحة التنموي لهذا المجتمع لأن الفقير في هذه المنظمات اليمنية يزداد فقرا والجاهل يزداد جهلا ويطلب منهم إخراج المجتمع من ظلمة الجهل
إلى نور العلم والمعرفة ومن ضيق الفقر إلى سعة الكفاية الذاتية ليصبحوا مساندين للمجتمع في تنميته بعيدا عن العبء المتنامي على المجتمع لأنه وبكل بساطة الفقراء لا يكافحون الفقر مهما كان هذا الفقر فكرياً أو مادياً.
Yusef_alhadree@hotmail.com
يوسف الحاضري
فقراء يكافحون الفقر 2101