- تمضي الأيام والسنون, وتتوالى الحكومات تلو الحكومات, وتتغير السياسات الصحية وتتبدل, وتستبدل القيادات الدوائية تباعا وتباعا, وتدور العجلة العلمية العملية العالمية الصحية الدوائية وتواكبها جميع البلدان بما يسمح لها أن توفر الرفاهية العلاجية للشعوب هنا وهناك .
كل هذا يحدث بشكل عام في العالم وبشكل جزئي بسيط في اليمن السعيد, ولأن حديثي في هذا الجانب فقط على الأدوية لذا سأسلط الأضواء على الدواء من جميع الجوانب ( إداريا وتجاريا ووصفا وتعاطيا ) ،حيث ستكون هناك عدة حلقات لهذا المقال سيتم إن شاء الله نشرها تباعا .
فإدارة الأدوية تتبع سياسة الدولة وصانعي القرار فيها وتجارتها لرؤوس الأموال ووصفها للأطباء والتعاطي للمرضى , وسوف أسلط الضوء في كل جزء منها على المقارنات والمفارقات العديدة بين الحاصل في اليمن الحبيب (موطني ) والحاصل الواقع في المملكة العربية السعودية ( غربتي وعملي ) ،حيث وأنا عملت في كلا البلدين ما يقارب ثلاث سنوات لكل بلد ومنها وجدت التضارب الكبير والرهيب بيننا وبين العالم أجمع وليس السعودية فقط ويعزى هذا التضارب بشكل أساسي لعاملين أساسيين هما الحكومة والاقتصاد ( الإدارة والمادة ), فعندما نتكلم عن الجانب الأول والأهم ورأس الأمر في هذا كله سنضع أيدينا على العامل الحكومي من صانعي القرار ومنفذيه ومتابعيه, فهم ولاة الأمر في هذا الجانب وتتركز هذه الإدارة في (وزارة الصحة والسكان) ومن تحتها ( الهيئة العليا للأدوية ) والتي هي المسير الأول والأخير للدواء وتداولاتها وتسجيلها وإصدار الرخص لبيعها في السوق اليمنية وزيارة بلد التصنيع ووضع التقارير على كل صنف هل هو مناسب أو لا , هي المسئولة مسئولية تامة على إدارة هذا الجانب فكلما تميز سوق الدواء كلما تميزت الإدارة وكلما فسدت فسد أمر الأداره ومسيروها , هم المسئولين مسئولية تامة على ضبط الجودة وضبط التسعيرة وضبط أصناف الأدوية كما ونوعا , هم المسئولين على تحديد حاجة سوق اليمن لكل نوع من أنواع الأدوية وفقا لعدة مقاييس منها الجودة والتسعيرة وعدد الأصناف البديلة وأيضا والأهم وجود البديل من التصنيع المحلي لشركات الأدوية اليمنية كإجراء حكومي فعال لتشجيع الصناعات المحلية على حساب الصناعات الخارجية .
هذه وغيرها من عوامل فعالة وإيجابية لضبط هذا السوق المتشبع من كل أنواع وأشكال الأدوية كما ونوعا والتي وللأسف غير متوفرة في السوق اليمنية إلا بنسب متفاوتة , الهيئة العليا للأدوية من وقت لآخر تفاجئنا بعزمها على طرح قرارات فعالة وبناءة للتحكم بالسوق وضبط عملية البيع والشراء فيها وتسجيل الأدوية ومراقبته وغير ذلك مما يعطي المستهدف دفعة حياة وأمل لعودة الأوضاع العلاجية إلى نصابها , فمواضيع عامة وبسيطة جدا إدارتها كالتسعيرة الثابتة للأدوية وعدم التوسع اللامبرر فيه لتسجيل أصناف وشركات جديدة موجودة أصنافها آلياً في السوق اليمنية وعدم تسجيل أصناف عديدة يوجد منها مصنع محلي لشركات الأدوية اليمنية ووضع معايير ومقاييس لتسجيل شركات وأصناف جديدة وغير ذلك من سياسات عامة وخاصة لتجريد السوق من سلبياته والمحاولة الوصول للمثالية في العرض والطلب ولكننا نتفاجأ بين ليلة وضحاها أن الأمر يتغير فجأة ويتلاشى ويختفي من أجندة الوزارة والهيئة وكأن شيء لم يكن , فنظرة سريعة لموضوع تسعير الأدوية وإن ظهر بشكل جزئي إلا أن الأمر إما يكن حسب أهواء المستورد أو أن الموضوع غير واضح على الإطلاق .
فلا تسعيرة واضحة على الأدوية وحتى إن وضعت تكون مبالغة فيها في سعي من المستورد لوضع مسألة ارتفاع الدولار وانخفاضة في الحسبان والمتضرر الأول والأخير هو المواطن البسيط الباحث دائما عما يسد رمقه من مأكل ويشفي مصابه من دواء,في وقت أن السوق السعودية في هذا الجانب بلغت حد المثالية من حيث التسعيرة ومراقبتها فلا يوجد أي صنف دوائي غير مسعر بتسعيرتين موحدتين إحداهما من الشركة المنتجة والأخرى من المستورد لضبط عملية التهريب والتزوير ولضبط عملية البيع والشراء ولضبط حقوق المستهلك ولإدارة السوق إدارة متزنة وثابت ومحكمة في ظل التنافس الكبير بين أصحاب الشركات على المستهلك لأن تجارة الأدوية من أكثر التجارة عالميا ربحا ودخلا لا يفوقها إلا تجارتا المخدرات والسلاح ولأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإنسان خارجيا وداخليا وبكل جزء فيه وتأتي ضمن الاهتمام رقم (2) بعد الغذاء والذي يسعى الإنسان دائما لتوفيره وضمانه ومنها تأتي أهميتها للإنسان .
وإذا عرجنا إلى موضوع الصنف الدوائي وبدلائه في السوق ،فالكل يعرف السياسة العالمية لهذا الموضوع ،فالشركة المكتشفة للدواء وبعد عدة دراسات وبحوث وبعد أن يثبت فعاليته وحاجة الإنسان له يكون هناك حق عالمي قانوني للشركة إنتاج وتوزيع وبيع الدواء عالميا باسمها التجاري دون منافسة من أي شركة أخرى لمدة تتجاوز (ال10سنوات ) ،ومن بعد ذلك يمكن لبقية الشركات إنتاج هذا الصنف وعرضه وتوزيعه والمنافسة السعرية فيه شريطة أن يكون إنتاجها مطابقا للإنتاج الأصلي ومطابقا لدستور الأدوية العالمي (البريطاني أو الأمريكي ) أو ما يطلق عليه (Pharmacopia) وهذا دستور عالمي معروف لدى جل منتجي الأدوية ومستورديه وموزعيه ومنها تأتي المنافسة في موضوع الكلفة السعرية للمستهلك حيث والمنتج العالمي يكون أغلى بأضعاف مضاعفة عن الإنتاج الإقليمي والعربي والمحلي ويعزى هذا السبب لعدة أسباب أهمها الجودة وتكلفة اليد العاملة هنا وهناك لأن المادة الفعالة في جميع الأصناف التنافسية واحدة والفرق الجودة التصنيعية من هذه الشركة وتلك ولأن الكمية المادة الفعالة في العقار ليست المقياس الأساسي لفعالية الدواء من عدمها ،لأن هناك عدة عوامل تحكم هذا الجانب ليس مجالنا هنا للحديث عنه تفصيليا لأنه يختصر تحت كلمة ( الجودة التصنيعية ) والتي تتميز بها الشركات العالمية عما سواهما ومن هنا تأتي دور السلطات الرقابية للوزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية , حيث والمعروف به عامة بأن الهيئة العليا للأدوية وخلال إجراءات تسجيل الشركة في اليمن ترسل مبعوثيها إلى الشركة المنتجة في بلد التصنيع للفحص والتفتيش عن مصنع الأدوية من جميع الجوانب ومن خلال هذه الزيارة يتم إقرار إمكانية تسجيلها من عدمها .
ومن هنا تكمن مشكلة التواطؤ من عدمها ويكمن موضع الفساد في هذه الهيئة والتي من خلالها يتمكن المصنع والمستورد من تسيير معاملتهم بكل يسر وسهولة مهما كانت الجودة متوافقة مع المطلوب به عالميا أو لا ولن نعرج كثيرا عن مفاسد الهيئة من عدمها حيث وعدد شركات الأدوية اللامعدود خاصة الهندية والجنوب أسيوية لا مثيل لها في السوق اليمنية ،حتى الشركات العربية الجيد منها والغير جيد حتى أصبحت السوق اليمنية مقصد كل الشركات ،حتى المعامل الأرضية في الهند والصين والتي منها تأتي الأدوية المهربة والمزورة وأصبحت مقصد وأنظار كل تجار الأدوية مهما كانت تجارته ،لأنه يهدف من السوق اليمنية أن تكون الانطلاقة له ليصبح تاجرا كبيرا وهذا وللأسف حال سوقنا اليمنية , ومن بعد ذلك تأتي دور الرقابة الدوائية في وزارة الصحة والتي هي نفسها يجب وضع رقابة عليها حيث وأنها لا تسمن ولا تغني المواطن اليمني من الأدوية المغشوشة من عدمها ولم نسمع ذات يوم بأن الرقابة أصدرت تقريرا أو بيانا أو إجراءاً ضد عقار دوائي وإيقافه أو سحبه من السوق وعدم التعامل به في السوق الدوائية , لم نسمع أن هناك تاجرا تم إيقاف شركته وتعاملاته ورخصته لمخالفات قام بها أو قوانين تجاوزها أو أدوية هربها أو غير ذلك .
والأدهى من هذا أن وزارتنا الموقرة لا تواكب على الإطلاق الجديد في العالم من بحث علمي وغيره حيث وكل يوم هناك أدوية جديدة تنتج للسوق وأخرى تسحب منه بعد أن يتم الكشف عن مخاطر تسببها هذه الأدوية على صحة الإنسان حيث والمعمول به هنا في السعودية لا يمر شهر إلا وهناك إصدار قرارات لسحب عقار محدد من السوق ولا يمر أكثر من أسبوع إلا والسوق السعودية خالية تماما من هذا الدواء لأن القوانين التي تفرض والغرامات صارمة جدا ولا تفرق بين أحد أبدا ،خاصة فيما يخص هذا الجانب, هل الأسباب من كل هذا حالة الفساد التي تنخر بعض أجهزة الوزارة ومنها الهيئة العليا للأدوية وأجهزتها الرقابية والتي لتجار الأدوية وأصحاب الشركات دوراً بارزاً فيها لأن المال معهم والسلطة الدوائية مع حلفائهم والمواطن المريض يرضع من نتاجهم وأي نتاج يكون إذا اتفقت سلطة فاسدة مع المال وأصحاب المال,شركات الأدوية الهندية في اليمن أؤكد بأنها أكثر مما هي في الهند نفسها وعلى مسئوليتي هذا الكلام , سيقول قائل لما لا وسعرها ارخص ثمنا أقول لا وألف لا لأنها لا جودة فيها ولا تصنيع مناسب ولا شئ مما هو معروف به عالميا .
إذا استثنينا بعض المصانع والشركات الكبرى ولن أذكر اسما لأن الهدف ليس التشهير بالشركات وأصحابها أكثر مما هو توضيح الرؤية لأصحاب القرار والمسئولين عما يجري في سوق الدواء حتى أنني تفاجأت بأن هناك أدوية جديدة نزلت في السوق لمنتجيها حق تصنيعها وبيعها لمدة 10سنوات دستور الأدوية العالمي يوجد لها بدائل كثيرة في السوق اليمنية تم تصنيعها في الهند فقط لأنها الدولة الوحيدة القادرة على اختراق الدستور والأكثر سوءا أن اليمن هي محطة لعرض وبيع هذه الأصناف في ظاهرة غريبة وخطيرة على السوق اليمنية وعلى المستهلك نفسه لأن المصنعين لها لا يتبعون قواعد ودساتير الأدوية العالمية الواحدة .
ظاهرة أخرى خطيرة للكم الهائل من شركات الأدوية والتي لا يوجد في المملكة العربية السعودية ،رغم إمكانياتها المادية الضخمة ربع أو حتى عُشر العدد الموجود في اليمن السعيد وهي تأثير هذه الشركات الأجنبية على التصنيع المحلي والشركات المحلية حيث والقوانين تنص على عدم استيراد أو تسجيل أدوية متوفر منها تصنيع محلي خلاف الشركات العالمية أو الشركات التي معها شراكة بين الدولتين وذلك كخطوة رائعة لتشجيع الإنتاج المحلي والتي تسعى الدولة جاهدة لتقوية الإنتاج المحلي ومنها تخفيف معدل الاستيراد الخارجي للمحافظة على الدولار وعلى مستوى تقهقر الريال اليمني تجاهه .
ولا نعرف من المستفيد الأول والأخير من هذه العشوائية المطلقة في سوق الأدوية اليمنية , أو بالأصح معروف جدا من هو المستفيد من هذا خلاف التجار الذين لا يرقبوا في المريض إِلاًّ وَلاَ ذِمَّة وهم بهذه الإجراءات على حقوقهم معتدون .
خلاصة الأمر في هذا الجانب الإداري للقائمين على الأدوية في اليمن أقل ما يمكن وصفها بعشوائية التخطيط وغياب الرقابة ولا مبالاة في حياة المريض وغياب تام لدور الوزارة كلهم يتنافسون فقط على ما سيجنونه من المناقصة الفلانية أو المنجز العلاني أو الشركة (س) أو التاجر (ص) ولم نجد على الإطلاق مديرا للهيئة العليا للأدوية على مر تاريخها المعتم وضع بصمته الإيجابية على سوق الدواء ،رغم تعاقبهم وتتاليهم وكلما جاءت إدارة لعنت سابقتها والتي نأمل من الله أن يتدارك فخامة رئيس الجمهورية لهذا الوضع والعمل العاجل على تغييره لأن كل الحلول لا تتوفر إلا بين يديه أما بطانته فمعظمهم وللأسف يتسترون به وبمحبة الشعب له لينفذوا أجندتهم وأفكارهم ومصالحهم ثم يتولوا وهم فرحون ويبقى الرئيس في الواجهة أمام الشعب .
هذا ملخص موجز وبسيط لدور السلطات الإدارية للأدوية في اليمن وعشوائيتها وحالها مقارنة بالحاصل عالمياً ،بشكل عام وسعودياً بشكل خاص وسنعرج في المقال القادم إن شاء الله على تجارة الأدوية في اليمن بدءاً من المنتج ،المستورد البائع في مقال إن شاء الله لن يخلو من الإثارة في الطرح والعرض وفتح المجال للجميع للتعرف عن قرب عما يدور من خلف كواليسهم والله من وراء القصد.
يوسف الحاضري
نظرة عامة عن إدارة سوق الأدوية في اليمن (1) الجزء الأول:- السياسة الدوائية والفساد الإداري 3246