عبارة كنت أسمعها من أمي حفظها الله تعالى , وهذا المثل يؤيده ويوضحه مثل آخر يقول " من سقطت كلفته دامت ألفته ومن خفت مؤنته دامت مودته".
وأنا شخصياً لا أرتاح لأي إنسان اضطر معه للتكلف في الكلام أو التعامل أو يفرض علي وجوده بعض الرسميات , وإذا اضطررت لذلك فإن الثانية تمر معه كسنة ، والحمدلله جميع صديقاتي تقريباً لسن من هذا النوع , وأتذكر هنا غاليتي إقبال التي كانت تصرخ في وجهي ضاحكة وأنا أفتح حقيبتها وآخذ منها "فلوس " لأشتري لها عصيراً وهي في ضيافتي قائلة" مشتيش عصير , مشتيش منش حاجة".
والغالية ليلى التي ما إن تدخل غرفتي حتى تقوم بترتيبها وتنظيفها وكأنها غرفتها تماماً , ويسرى التي اطردها إذا زارتني وأنا مشغولة وأغلق باب غرفتي بوجهها وهي تضحك ولم تيأس من طرق الباب علي وتترجاني قائلة "افتحي با كلمك وامشي".
وكم أشعر بالكآبة من ذلك الصنف الذي يحتاج إلى توضيح كل جملة أقولها " أيش قصدك" ، وهناك صنف يسميه الناس "حساس" وأنا أسميه جربان وشعاري معه "فر من الأجرب فرارك من الأسد" فكل كلمة أو فعل يفسره على مزاجه وطبعاً كل التفسيرات تؤدي إلى زعله ، ليش ما ضحكتيش كثير واني ببيتك ، ليش ما أوجعك رأسك إلا لما جيتو عندك ، ليش اتصلت عليك أمس وما رديتي".
وبعد نشر مقالي هذا أتوقع أن يتصل بي بعض الناس الذين لا أعنيهم من قريب ولا من بعيد ويقول لي معاتباً: "أيش قصدك" بالمقال الله المستعان.
ذات مرة زارتني صديقة وتفاجأت بوجود صديقة ثانية في ضيافتي، شعرت أنها تريد الانفراد بي لمشكلة ما، فما كان منها إلا أن استأذنت وخرجت وبعد ذلك تخبرني أنها زعلانة مني، رغم إني لم أطلب منها الخروج , وظننتها حساسة وإنسانة كلها ذوق والحساس هو من يشعر بالآخرين , ويقدر مشاعرهم وجميع أحوالهم عن طيب خاطر ، أما من يتحسس فذاك مريض نسأل له الله العافية.
كان جعفر الصادق رضي الله عنه يقول : "أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي ، وقال بعضهم إذا عمل الرجل في بيت أخيه أربع خصال فقد تم أنسه به : إذا أكل عنده ودخل الخلاء وصلى ونام".
وقيل لبعضهم من نصحب ؟
قال : من يرفع عنك ثقل التكلف وتسقط بينك وبينه مؤونة التحفظ.
وقال الفضيل إنما تقاطع الناس بالتكلف يزور احدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه ذلك عنه ، و فعلاً هذا ما أشعر به ويشعر به الكثير، فمن يحوجك إلى التكلف في المأكل والمشرب والملبس تشعر بثقله وإذا زارك مرة تتمنى أن لا يزوك ثانية إلا بعد سنين .
وقد تجد من الناس من يكلفك ما لا تستطيع، فبعض الصديقات تتصل بي وتقول : "أشتي منش حاجة بس رجاءً لا ترديني لا تكسفيني كما الناس هذه الأيام ما فيهمش خير والأصحاب وقت الشدائد قليل", وتطلب مني أمر لا أستطيع فعله , وإذا قلت لها أعذريني لا أستطيع , قلبتها مشكلة أو تزعل وتظل تعاتب وترجم كلام سنة, وهذا الصنف أول ما أشوف رقمها على التلفون أو تفاجئني بزيارة أضع يدي على قلبي , وأقول يا ساتر , أكيد في طلب وبعده مشكلة.
والأصل أن لا نفرض على الناس أي أمر وان لا نحرجهم , مثل إذا دعوت إنساناً إلى زيارتك قل له : "أنت مدعو ويسعدني أن تلبي دعوتي, وحسب ظروفك إذا مشغول عادي إن شاء الله مرة ثانية، مش " أنت معزوم وإذا ما تجيش اعتبره آخر يوم بيني وبينك".
قال علي رضي الله عنه " شر الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك إلى مداره وألجأك إلى اعتذار.
مع تحياتي أنا أحلام القبيلي
وكيل آدم على خلقه
alkabily@hotmail.com
أحلام القبيلي
إذا زادت المحبة سقطت شروط الأدب 3605