د.يوسف الحاضري
(( خلال إجازتي الأخيرة في بلدي الحبيب اليمن وجلوسي مع زملاء الدراسة والذي تخرجنا مع بعض قبل أكثر من 6 سنوات مضت وسؤالي المتكرر عنهم ماذا عمل فلان وأين توظف علان , فكانت كل الإجابات محيرة بشكل رهيب جداً, فكل زملائي الذين تفوقوا علينا جميعاً وحصدوا كل الدرجات العلى في دفعتي وأوائل الطلاب مازال حالهم كما هو عليه من تلك الأيام وحتى لحظتنا هذه متنقلين هنا وهناك ومن شركة خاصة إلى أخرى بحثاً على لقمة عيش تسد رمقهم حتى وإن كانت درجاتهم تلامس عنان السماء في رفعتها ولكن كل هذا تلاشى مع انتهاء الدراسة وبداية الحياة العملية , وعند تساؤلي عن أسباب عدم تحصلهم على درجات وظيفية في الدولة فكل الإجابات متفقة بأن الدرجات الخاصة بتخصصنا شحيحة جداً وتذهب أدراج الرياح للمسئولين وأبنائهم وأبناء أبنائهم لأنهم الأولى بها حتى ولو كانت درجاتهم الدراسية وحصادهم العلمي لا يقارن بنظرائهم الأوائل في نفس دفعتهم أو الدفعات اللاحقة, وعندما أبادرهم بسؤال آخر عن عدم تحصلهم على منح دراسية للخارج لمواصلة الدراسات العليا تأتي الإجابات أكثر جرحاً وحزناً ومأساوية من خلال ذكر قرارات بأن الدراسات العليا في الخارج للمتفوقين والأوائل تم إيقاف معظمها لترشيد الإنفاق على هذا الجانب , أما المنح الخاصة بأبناء معظم المسئولين وأبناء أبنائهم فمازالت مستمرة لأن ما ينفق عليهم لن يؤثر بتاتاً على معدل الأنفاق الوزاري الحكومي ولن يخل بالميزانية اليمنية على الإطلاق ومعظمها مساعدات من الدول الشقيقة والصديقة, وبعد كل هذا الحديث قادتني غيرتي على بلدي الحبيب وعلى كل جميل وحبيب ورائع فيه للحديث والكتابة في هذا الجانب ووضع تساؤل نريد من كل مسئولينا الأفاضل وكل من له علاقة بهم الإجابة عليه لأنهم هم المعنيون بالأمر ولأنهم مسؤولون يوم القيامة عن رعيتهم وهذا السؤال يتلخص في الجملة الآتية ( هل يوجد هناك أبناء لكم أو أبناء لأبنائكم لا توجد له درجة وظيفية في الدولة ؟) , أكيد الإجابة بالنفي تماماً , فنحن نعلم جميعاً المسؤولين والرعية في هذا البلد الحبيب بأن كل صاحب مركز مرموق ومنصب عالٍ ورفيع لديه عدد من الأبناء منهم من يدرس في الخارج على حساب المتفوقين وأصحاب العقول المظلومين في الداخل وبمجرد أن تنتهي سنون دراستهم الطويلة السياحية وقبل رجوعهم حتى من الخارج تكون المقاعد الوظيفية ممهدة لهم ومفروشة طرقها بكل الورود والفل وكل معطر للأرض والجو والأكثر مأساوية من هذا أن هذه الأماكن الوظيفية بدرجات رفيعة وعالية تتراوح ما بين وكلاء وزارت ومدراء عموم ونواب مدراء كل حسب تخصصه في حين أن أصحاب الكفاءات هنا وهناك وأصحاب الخبرات هنا وهناك وأصحاب الأولوية هنا وهناك ما بين التسمر في منصبة الوظيفي لعشرات السنين أو التسمر في أبواب الوزارات ومكاتب العمل عل وعسى تأتي ليلة القدر ذات نهار لترحمهم أو التسمر في طرقات البطالة منتظرين من يرحمهم ويحترم شهاداتهم العلمية الرفيعة وتحصيلهم الوفير وغير ذلك, ونتيجة لكل هذه المآسي يكون حال كل ذي علم وفير وخبرة واسعة ودرجة علمية كبيرة إما الهجرة الجسدية من أرض كانوا يحلمون البناء فيها وتطويرها وتنميتها لتستفيد منهم بلاد أخرى تهتم بهم وبعقلياتهم حتى وإن لم يكونوا ينتموا إليها أو الهجرة العقلية إلى عالم الجنون والإحباط والأمراض النفسية في حين أن إخواننا أبناء وأبناء المسئولين يتمركزون في أعالي سلالم التوظيف وقليل جداً منهم من يستحقها والكثير منهم غثاء كغثاء السيل ومن هنا أضع عدة تساؤلات لماذا لم يكتفِ المسؤولين الآباء بما يحصدونه هم من أموال الشعب ويصرفونه على أبنائهم في أعمالهم الخاصة ويتركون مناصب الدولة لمن هم أولى بها علمياً وعملياً لنتجه اتجاه صحيح نحو التنمية والبناء الصحيح لأن التنمية والبناء التي لم تأتِ في زمنكم وفي مكاتبكم وتحت إدارتكم لن تأتي على الإطلاق تحت إدارة أبنائكم وأبناء أبنائكم , والسؤال الآخر الذي يتبادر إلى أذهان الجميع هل لدى أي مسؤول رفيع في بلادي الحبيب أبناء مغتربون في الخارج الإجابة ستكون لا وستين ألف لا لسببين رئيسيين الأول أن تحصيلهم العلمي والخبرات العملية لا تخول الدول الأخرى لجلبهم وتوظيفهم حتى أدنى المناصب فماذا سيعملون عند سفرهم وغربتهم ولكن بلادي الحبيب حوتهم وضمتهم ووفرت لهم فرصاً وأماكن ووظائف لا يحلمون إطلاقا بها والسبب الآخر أن ما يحصلونه ويحصدونه ويجنونه من أموال في الداخل يفوق بكثير جداً جداً ما سيجنونه من غربتهم لأن معظم أموال الداخل عرضة لنهبهم كما كانت عرضة لنهب آبائهم لها,ولأن المسئولين كلهم سهل التواصل مع بعضهم البعض فكل واحد يستفيد من الآخر في توظيف ابنة تحت إدارة مسؤول آخر لكي يبعد الشكوك والظنون عنه من خلال تراكم الأبناء والعائلة والأقارب في إدارته وهذا يتواصل مع هذا وهذا يتوسط لهذا ونحن المساكين من عامة الشعب نستمتع وننظر بحسرة لمسلسلات التوظيف والتنقل والإبتعاث للخارج ومن ثم نهب الثروات والفساد الإداري والمالي حلقة تلو الأخرى ,حلقة ليس لها بداية أو نهاية , حلقة نرجو من ولاة الأمر التفطن لها ولو بعد فوات الأوان لأنه بالفعل فات مع وجود بصيص أمل بسيط وقبل أن يستمر الفأس الواقع على الرأس من أمد بعيد في شق الجسم إلى نصفين فبلادي الحبيب تحتوي على آلاف من الكوادر ذوي العلم والخبرات مابين الهجرة الداخلية والخارجية ولا يستفيد منها الوطن وتحتوي أيضاً على آلاف مؤلفة من أصحاب المناصب ضمن الأجندة العملية لا يصلحون لإدارة مطعم ولكن عزاهم الوحيد أن آبائهم وآباء آبائهم فلان بن علان, أما بالنسبة لي فلن أتنكر لأرض ولدت وترعرعت ودرست وتخرجت فيها ومنها حتى وإن قادتني لقمة العيش لإفادة بلاد غير بلادي وأناس غير أهل بلادي فسيظل ولائي لها ولكل جميل فيها والله من وراء القصد)) .
yalhadree@yahoo.com