ممدوح طه
يقوم النظام المالي في الإقراض والاستثمار على الثقة والضمانات وحينما تزيد الثقة تقل الضمانات ويمكن المخاطرة، وربما يجمع الجميع على أن «غياب الثقة» بعد انتشار الطمع والجشع، والتلاعب والخداع، بدافع جني الربح السريع والربح الكبير والربح بأي وسيلة. . و«غياب الدولة» عن القيام بدورها الطبيعي في التخطيط الاقتصادي والرقابي على الشركات والبنوك والأسواق، هما العنصران الأساسيان اللذان عصفا ويعصفان الآن بالنظام المالي العالمي. . . وهذا يعيدنا إلى أهمية القيم الأخلاقية من أمانة وصدق ومسؤولية في صنع المصداقية وتأكيد الثقة في التعاملات المالية والتجارية، وإلى ضرورة بث الطمأنينة لدى المودعين والمستثمرين والمتعاملين في الأسهم لما للعوامل النفسية السلبية من تأثير سلبي على أداء الأسواق بما بدد الثقة وأشاع الخوف فهبط بمؤشرات البورصات بعيدا عن أداء الشركات!
وهذا ما دعانا بالأمس إلى الإشارة إلى أن الاقتصاد ليس علما فقط وإنما أخلاق أيضا، وهو ما يقودني مباشرة إلى ما قرأته قبل أيام في بحث قيم للمفكر الاقتصادي الإسلامي الدكتور أسامة القاضي منشور على موقع «إسلام أون لاين» يستعرض فيه علاقة الاقتصاد بالأخلاق من واقع الأزمة المالية الأميركية وتوابعها الاقتصادية العالمية. .
ويرى في الصورة الحالية للاقتصاد الرأسمالي الأميركي وبدرجة أقل في الاقتصاد التابع له في أوروبا انحرافا عن الأسس الأخلاقية الأصيلة للاقتصاد الحر، مستشهدا ب «آدم سميث» أبو الاقتصاد الحر الذي كان أستاذا لعلم الأخلاق والمنطق في جامعة جلاسجو قبل أن يكون أستاذا للاقتصاد.
وإذ يقول « سميث» كعالم للأخلاق واقتصادي معا في كتابه «نظرية الوجدان الأخلاقي»: «إن التعاطف الاجتماعي لا يمكن أن يكون بأي حال له علاقة بالأنانية». يعلق الدكتور القاضي قائلا «إن هذا الفناء في الآخر وإلغاء الأنا ليس مستغرباً لكونه صدر عن أبي الاقتصاد السياسي الغربي، خاصة إذا نظرنا إلى مدى انحراف الاقتصاد الغربي المعاصر عن هذه القيم، ولاسيما عندما نرى فيما بعد النسبة الضئيلة التي ينفقها العالم الصناعي كمساعدات لتنمية لعالم الثالث، والنسبة الهائلة التي تنفق على التسلح في العالم الغربي»!
كما استشهد بالكثير من المفكرين الاقتصاديين الذين ربطوا سلامة الاقتصاد بسلامة الأخلاق مثل «ديك ديوس» عبر كتابه «إعادة اكتشاف القيم الأميركية» وتحدث فيه عن قيم الشرف والعدالة والشجاعة وغيرها. . وبعالم السياسة والاقتصاد «داني رودرك» وبحثه عن الأخلاق في عالم التجارة في إطار «العولمة» ويطرح مفهومي «العدالة التجارية» و«تحديد مساحة اللعبة التجارية».
a