الكل يسعى إلا من رحم ربي لأخذ الدنيا في جيبه وما هو بقادر، يشتري عادل الفواكه والعصائر وحبات التمر ولا ينسى أن يدخل وسط الزحام ويمد يده ويقول: أعطني بخمسين سمبوسة وبثلاثين باجيه وعشرين مدربش، يأخذ ما أعطاه البائع ويسرع في اتجاه كشك بيع الصحف، وبصوت جهوري يقول: "معاك أخبار اليوم" يأخذ الصحيفة ويأخذ ما تبقى من الخمسين الريال وينصرف في اتجاه الدباب ويتسأل هاه باقي نفر وإلا مليان، يرد أحد الركاب: لا مليان، فيباشر السائق: وليش ما تمشي؟ ينظر إليه السائق مكفهر الوجه ولا يرد، فهو منهك من صيام يوم زاده تعب شدة الحر في عدن الذي تجاوز درجة الحرارة فيها الأربعين درجة كان الله في عون كبار السن والمرضى ومن لا يملك مكيف الهواء.
بسرعة استدار إلى اليسار، فقد رأى دباباً آخر ولكن عاد إلى اليمين، فلقد سمع صوت شجار، ترك الدباب ودخل وسط المعمة "ليفارع" وأمثاله كثيرون أرادوا أن يحلوا الأشكال، فتاه وسط الزحم، ولم نعرف أين ذهب.
سيارة مسرعة هناك، شاب يغلق محله التجاري، وشخص يحضر مائدة الإفطار في المطعم، وآخر حمل معه "دلة" بها قهوة وقرطاس به حبيبات تمر متجهاً إلى المسجد ليفطر فيه ويصلي جماعة، ورابع يمشي مهرولاً وقد اختفت كفاه من كثرة الأكياس التي امتلأت بمستلزمات الفطور، صوت المقرئ محمد حسين عامر - رحمه الله - يرتل من المأذنة ومن إذاعة السيارات والمطاعم، الحركة تزداد بسرعة والكل يبحث عن أقرب طريق توصله إلى البيت، وفي البيت أعدت مائدة الإفطار وازداد صخب الأطفال، بين مخبر لسماعه صوت الأذان، وبين مكذب له يزيد المنزل ضوضاء صوت التلفاز الذي يأمر رب البيت وبصوت عالٍ أولاده بإغلاق التلفزيون لكي يتسنى سماع صوت مؤذن المسجد الذي وبعد ثوان قليلة يقول: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، تهدأ الأنفس بتناول الإفطار وينخفض ضغط الدم وكذا "السكر".