بقلم : زياد أبو شاويش *
ينعقد يوم الثالث والعشرين من شهر يناير الحالي مؤتمراً دعت إليه فصائل فلسطينية معارضة لنهج السلطة في رام الله ، وقد تولى الأمر إجرائياً الأخ طلال ناجي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سابقاً وتبنى الدعوة جوهرياً حركة حماس خصوصاً ما يتعلق منها بالتكاليف وغيره. ولأن هذا المؤتمر لا ينعقد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ولا على أساس برنامجها السياسي ، ولا تحضره العديد من الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة فتح والجبهتان الشعبية والديمقراطية فقد ثار لغط كبير حول هذا المؤتمر وشرعيته وفائدته للشعب الفلسطيني. . . إلى آخر ما نراه من تعليقات ومواقف تجاه المؤتمر وعاقديه. ومن هنا نبدأ بالملاحظة التالية كمدخل لفهم المسألة والإضاءة على جوانبها المختلفة : الذين يوافقون على عقد المؤتمر ويدعمونه لا يرون أي سلبية له أو ربما احتمال لخطأ سواء في التوقيت أو الصيغة التي يعقد على أساسها ، ولا يكتفون بذلك بل يتهمون كل من يعارض عقد المؤتمر بالولاء لرام الله والسلطة وربما بالتكفير والخيانة ، والأخف أنه يتلقى أموالاً من عباس وفتح لقاء موقفه. وفي الجهة الأخرى فالذين يرفضون عقد المؤتمر ولا يرون فيه أي فائدة أو حق مشروع للناس لقول رأيها في مجريات الأمور والصراع مع العدو يتهمون الداعين ومن يوافقهم الرأي ومن يحضر المؤتمر ويؤيد حضوره بالمروق والانشقاق والولاء لقوى إقليمية تملي عليه إرادتها ، وأن لا وطنية في عروقهم ، ويصل الأمر لحد وصفهم بالخيانة على أرضية أنهم ينفذون أجندة خارجية لا تمت لفلسطين ومصالح شعبها بصلة.
إن كلا الموقفين بتقديري خاطئان وينقصهما الاتزان والموضوعية ، فلا هؤلاء كما يصف أؤلئك ولا أؤلئك كما يصف هؤلاء ، ونحتاج حقاً في ظروفنا العصيبة وفي ظل المجازر التي يتعرض لها شعبنا الآن إلى رؤية هادئة وموضوعية تنطلق من التزامات وطنية وحدوية تعزز قدرتنا على الصمود وتقرب يوم عودتنا للحمة الصف وتوجيه كل بنادقنا لصدر عدونا الذي لا زال يبطش بنا جميعاً بلا رحمة. إن هذه مهمة كل مسئول وكل مثقف فلسطيني وعربي ، وكل حريص على مستقبل القضية الفلسطينية ، وليس هناك وقت لترف الحوار العشوائي ، أو إعادة النقاش حول الثوابت أو المنطلقات ، وغير هذا مما يجعلنا عادة ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها ، بل علينا أن نتجه مباشرة لجوهر المسألة والخلاف الدائر حولها بلا مواربة أو تجميل ، كما علينا وضع وجهي المسألة على طاولة النقاش إن أردنا الوصول لنتيجة مفيدة ومعقولة. وكلنا يعلم أنه لا شيء يمكن حسمه في اتجاه ما بصورة قطعية ونهائية خصوصاً والساحة الفلسطينية تعاني من هذا الانقسام المدمر ، ولو كان الوضع بخلاف ما نحن عليه لسهل البحث وضمنت النتائج الايجابية بلا شكوك أو غموض أو حتى بحث في احتمالات أخري.
أولاً : بصدد التأييد لعقد المؤتمر ومبررات ذلك
نتذكر جميعاً أن هذا المؤتمر قد تأجل قبل عقد مؤتمر "أنابولس" الذي حضرته كل الدول العربية على خلفية منطق يقول بأن الهدف من عقده إن كان لمواجهة نتائج سلبية لهذا المؤتمر فالصحيح أن ننتظر حتى نرى هذه النتائج وعليها نبني موقفنا. وفي الناحية الأخرى كان هناك ظروف عربية تتعلق بمكان عقد المؤتمر ومدى الضرر الذي سيلحق بفرص عقد مؤتمر القمة العربي في سوريا ومستوى الحضور ، كما التمنيات أو لنسمها الضغوط التي تعرضت لها سوريا لمنع عقده ، وبرغم رفض سوريا لكل الضغوط في حينه إلا أن موقف الفصائل الفلسطينية بتأجيله أخذ بعين الاعتبار هذه القضية وكان أن تم التأجيل. إذن هناك مبرر أولي يتعلق بأن من يعقد هذا المؤتمر إنما يواصل ما بدأه سابقاً وأن لا جديد في الأمر.
وفي الثانية يقول أصحاب المؤتمر ومناصروه أن القضية تتعرض لخطر التصفية أو بالحد الأدنى التقليل من حقوق الشعب الفلسطيني ويستدلون على هذا بزيارة بوش وما طرحه أثناءها سواء حول مرجعية الحل أو رؤياه لقيام دولة فلسطينية بشروط ومواصفات تضرب جوهر النضال الفلسطيني والمتعلقة بحق العودة على وجه خاص ، كما القدس والحدود. . . . الخ.
كما أن أصحاب المؤتمر ومناصريه يرون أن الوقت قد حان لإعلان فلسطيني بمطالب ربما تكررت على مدار الستين عاماً من النكبة ، لكن الظروف الحالية والإرباك الشديد في ميزان القوى وتوجه سلطة رام الله نحو حل منفرد بلا مرجعيات فلسطينية قادرة عل لجم الاندفاع المميت يتطلب فرملة من جهات فلسطينية تملك وزن وثقل شعبي يكبح جماح أي اندفاع خارج البرنامج المتفق عليه في حده الأدنى ( حق العود - الاستيطان - القدس - السيادة على الأرض - المياه - الدولة وتقرير المصير ). كما يسوق هؤلاء تبريراً لعقد المؤتمر يتعلق بالهدف من عقده حيث يقولون أن هناك حاجة للوحدة الوطنية وأن شعار المؤتمر يرتبط بهذا وأن نقطة من نقطتيه الرئيسيتين هي ذات العنوان. ويفسرون موقفهم المتجاهل لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بأن هذه المنظمة غير موجودة وأن مؤسساتها فقدت شرعيتها منذ زمن طويل ، وأكثر من هذا أن هذه المنظمة تستخدم الآن كأداة لتقديم التنازلات وتشريع الاستسلام الفلسطيني ، لذلك وبرغمه أرسلوا دعوات إلى فصائل هذه المنظمة ولم يستجيبوا ، ومن هنا يصبح أمرهم مشروعاً على طريقة " عدانا العيب " بتشديد الدال. وفي التبرير الأخير لهؤلاء يقولون أن هذا المؤتمر هو نشاط فلسطيني مشروع للحفاظ على الحقوق وإسماع صوتنا وأن الديمقراطية الفلسطينية تسمح بعقد هذا المؤتمر حيث لا استهداف لأي مؤسسة فلسطينية أو فصيل أو لتعميق الانقسام كما يراه الطرف الآخر. هذه تقريباً مبررات الإخوة في حماس وحلفائهم لعقد مؤتمر دمشق الفلسطيني فما رأي الآخرين ؟
ثانياً : بصدد الرافضين لعقد المؤتمر ومبرراتهم
باختصار وبشكل محدد يقول هؤلاء أن عقد المؤتمر في ظل حالة الانقسام الفلسطينية وفي غياب كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ورغم دعوتها سيكون حتماً لصالح طرف على حساب الآخر ، وأن عقد هذا المؤتمر يجرى بدعوة من فصيل محدد وبدون تنسيق مسبق أو تشاور مع كل الأطراف. وأنا هنا أسوق مبررات كل أطراف الرفض لعقده ولا أخصص ، رغم أن هناك بعض التباين في موقف هذه الأطراف تجاه مبررات الرفض
ومن ناحية ثانية يقول هؤلاء أن الدعوة في حد ذاتها وتحت عنوان غير عنوان منظمة التحرير الفلسطينية هو انتقاص من شرعيتها ومن وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.
وفي الثالثة يقولون أن غياب حركة فتح عن هذا المؤتمر وبوجود حماس فيه سيجعل عقابيل عقده مزيد من الحقد والتحامل والانقسام في ظل تعبئة نراها ونسمعها كل يوم هنا وهناك.
وفي الرابعة أن توقيت عقد المؤتمر بالصيغة الواردة وقبيل عقد القمة العربية في دمشق يشير بوضوح لنوايا انشقاقية ، أو بالحد الأدنى وجود أجندة إقليمية ليست لصالح القضية الفلسطينية وتجعل من إصلاح الخلل والانقسام أمراً شبه مستحيل لاحقاً.
وفي الخامسة أن هناك ظروفاً صعبة يمر بها الشعب الفلسطيني تجعل من عقد المؤتمر ترفاً ليس له ما يبرره في هذه الظروف وخصوصاً أن المؤتمر يعقد والدماء الفلسطينية تجري بغزارة في القطاع والضفة ، وأن الوضع مرشح لمزيد من التصعيد فهل نحن الآن في حاجة لمؤتمرات أم لأفعال تتصدى للعدوان وتساعد على الصمود ؟.
وفي السادسة والأخيرة فان بعض الرافضين لعقد المؤتمر ينطلقون من الانقسام والتفسيرات التي أشرت لها في مطلع مقالي حول حسبة الناس على طرفي الصراع كل من خلال موقفه الرافض أو القابل بعقد المؤتمر، ومن ثم يؤثرون البقاء بعيداً عن الحضور لمؤتمرات من هذا النوع حتى يتمكنوا لاحقاً من لعب دور الوسيط والمصلح بين الطرفين.
وحتى نكون منصفين ونعطي للمصلحة الوطنية العامة الحيز الأكبر من اهتمامنا وتبريراتنا لمواقفنا وأفعالنا، وتجاه هذه المسألة تحديداً فان الموقف الصحيح يتلخص في دعوتنا وتمنياتنا على الإخوة في حماس والآخرين بتأجيل عقد المؤتمر إلى وقت لاحق نكون فيه قد وصلنا إلى قواسم مشتركة حول كيفية عودة اللحمة إلى صفوف شعبنا والأمور إلى نصابها ، وإعطاء فرصة أكبر لجهود الخيرين في هذه الأمة من أجل رأب الصدع وان كانت دعوتنا متأخرة ، وقد علمنا بتفاصيل الاجتماع الذي جرى بين الأخ خالد مشعل والأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية حول المصالحة الفلسطينية والشروط التي طرحها على حماس وكذلك ردود مشعل عليها ، وهذا يؤكد وجاهة ما ندعو له حول تأجيل هذا المؤتمر ، ذلك أن التأجيل لن يضر أحد أو القضية ، بخلاف عقده الآن فربما يكون شديد السلبية. وأرى أن فشل المساعي لإعادة الوحدة خلال الأشهر القادمة وولوج أي طرف فلسطيني تسوية مجحفة بحقوقنا ربما يكون مبرراً يتفهمه الناس جميعاً ويجد صداه الايجابي وتحضره كل الفصائل وليس كما نرى الآن ، ومصلحة شعبنا من وراء القصد.
* Zead5@hotmail. com