بقلم : زياد أبو اويش 
Zead51@hotmail.com
لابد أن نبدأ حديثنا في المناسبة السعيدة بتوجيه التحية للشعب اليمني العربي الأصيل ونقول له كل عام وأنتم بخير ، كل عام ووضعكم المعيشي قادر على تحمل تكاليف العيد ومتطلباته ، كل عام واليمن الحبيب بألف خير موحداً سيداً ومتصالحاً مع نفسه .
لاشك أن ما مر به اليمن من تطورات وأحداث جسيمة ، وتدهور للوضع المعيشي للناس واحتدام الأزمة السياسية الاقتصادية قد ألقى بظلاله على هذه المناسبة ، مما يدعونا للتفكير ملياً في أحوال البلد وما يمكن أن تقود إليه الخصومة السافرة بين السلطة وأحزاب المعارضة التي قاطعت دعوة الرئيس صالح للحوار متذرعة في ذلك بعقم الحوار وانعدام فرص نجاحه .
وكما هي عادة اليمنيين في التراحم والتوادد في هذه المناسبة ، والتئام شمل العائلات اليمنية حتى لو كانت المسافة بين أقسامها كبيرة ، واجتراح طرق التعبير عن الفرحة بالعيد بأقل الإمكانيات وأبسطها وإن كانت على حساب الأيام التي تلي فإن الفرصة متاحة في هذا العيد لرأب الصدع ليس فقط بين حكومة ومعارضة ، بل لجبر نفوس الغالبية الكبرى من الشعب التي تضررت بشدة جراء الأزمة الخانقة التي أمسكت بخناقه وجعلت من هكذا مناسبة من المفترض أنها سعيدة مناسبة ضاغطة وخانقة للعديد من العائلات اليمنية الفقيرة ... وما أكثرها .
القات في العيد سياسة أم إدمان :
يعرف الجميع أن الأعياد بالعموم مناسبات لتخزين القات ومضغه ولا يبقى مواطن يمني صغيراً كان أو كبيراً إلا وقام بالتخزين في هذه المناسبة ، وما يعنينا هنا هو تلك الجلسات الحيوية بين كبار السياسيين في اليمن لتخزين القات ومضغه ، واستغلال الجلسات الهادئة في تبادل وجهات النظر حول أوضاع بلدهم . ورغم أن المرء يتمنى أن يستيقظ ذات يوم ليجد أن هذه العادة المقيتة قد انتهت في اليمن بسبب ما تحدثه من خسائر فادحة في الاقتصاد اليمني ناهيك عن تأثيراتها السلبية والخطرة على الصحة ، إلا أن واقع الحال يؤكد أن انتهاء عادة التخزين وبين الساسة على وجه الخصوص أمر بعيد المنال بل شبه مستحيل . وربما يرتبط الأمر بيقين لا أعرف مصدره لدى الغالبية الساحقة من الشعب اليمني بما فيه قادته بأن الحال لا يستمر ولا يصلح بدون التخزين وتلقي نتائجه في الدماغ اليمني الذي ينفرد في هذا الأمر .
إن القات في العيد وفي غيره من الأيام بات المقرر للعديد من سياسات اليمن بما في ذلك قضية الحرب والسلام ، مثلما هي قضية السلم الأهلي اليمني .
وفي كل الأحوال وبغض النظر عن الإحصائيات التي توضح حجم الخسائر والضرر الذي يلحق باليمن وبالشعب اليمنى بسبب تعاطي هذه العشبة المخدرة أو المنبهة عند البعض وهي خسائر تقدر بمليارات الدولارات سنوياً ، إلا أن التعاطي مع الواقع بوجود القات وبعدم تجاهل ما يمكن الاستفادة منه إيجابا على هذا الصعيد لا يعني عدم التفكير في سياسة يمنية جديدة بهذا الخصوص تقنن استخدام القات وتحدد معايير هذا الاستخدام توطئة لمنعه بالقانون وبشكل قسري إن اقتضى الأمر ، غير أن هذا الأمر كما أسلفنا يبقى مجال للساسة اليمنيين للتفكير ملياً في وضع البلد ولن يكونوا في حال أفضل بالمعنى الأخوي والودي إلا خلال هذه الجلسات على رفضنا لكل الأمر ودعوتنا لنبذه من المجتمع اليمني .
إن الفقراء في اليمن سيكونوا اليوم وفي هذا العيد على موعد مع التخزين بمستوى متدني من نوعية القات ، وسيكون من السهل المقارنة بالخبز ونوعيته أيضاً في يمن ساءت فيه الأحوال حتى غدا وجود رغيف خبز بمواصفات جيدة أمر نادر الحدوث في أسواق اليمن ناهيك عن ارتفاع أسعار الحبوب وبالتالي الطحين الذي نصنع منه خبزنا .
إن القات في اليمن يمكن أن يكون عنوان الأزمة فما الحل؟، وهو رمز ودليل على التباس الأمور طرافتها في اليمن الذي يعاني من انقسام حاد بين مكوناته السياسية وبين سلطته المركزية وقطاعات واسعة من الشعب اليمني . إن من لا يجد خبزه اليومي ومنهم الشحاذون والمتسولون لن يعدموا الوسيلة للحصول على القات وهذه طرافة ، أما حجم ما ينفق على القات فهو يمكن أن يغطى قسم كبير من عجز الموازنة اليمنية ولتخفيف العبء عن كاهل المواطن اليمني كما التحكم في الأسعار المنفلتة ، ومن هنا الالتباس والتناقض .
العيد والمصالحة الوطنية ... فرصة طيبة :
رغم نقدنا الموضوعي لمبادرة الرئيس اليمني على عبد الله صالح فيما يتعلق بالإصلاحات كونها انطلقت من الذات إلى الموضوع متخطية منطق المعالجة الموضوعية والمتوازنة للمشكلة إلا أننا أخذنا على المعارضة ذات الانتقاد فيما يخص مقاطعتها للحوار الذي اقترحه الرئيس . ويعود ذلك كما أسلفنا إلى حجم المشاكل التي تحيط باليمن وفي داخله وهي مشاكل وصفتها المعارضة بالنوعية والخطيرة وتستدعي جهد كل القوى بما فيها منظمات المجتمع اليمني والمؤسسات الأهلية .... إلى آخر ذلك ، ومن هنا انطلقت مواقف الرفض . لكن المتمعن في دعوة الرئيس وبموضوعية سيجد رغم ما ذكرناه من نقد للمبادرة روح مسئولة تنطلق من فهم صحيح للشراكة والوطنية الأمر الذي كان يجب أن يدفع المعارضة للقبول بالحوار طالما أتت الدعوة على خلفية هذه المبادرة وبقصد نقاشها للوصول إلى قواسم مشتركة بخصوصها ، كما في الوصول لحلول ناجعة للمعضلات الخطرة التي تواجه اليمن وتلقي بأحمالها الثقيلة على أكتاف الوطن اليمني .
إن مناسبة العيد هي فرصة لتعديل المواقف وتجليسها سواء من جانب الرئاسة والحكومة أو المعارضة ، ومن المفترض أن إعادة النظر ستشمل أيضا مبادرة الرئيس ولذات الهدف المتعلق بتجليس الأمور للبدء في إجراءات متدرجة للوصول لحلول شبه نهائية للقضايا الجوهرية .
إن أجواء العيد في نهاية شهر الصوم الكريم وتبادل الزيارات كما التسامح بين العداوات والمصالحة داخل الأسر اليمنية وغير ذلك من عادات يمنية عربية أصيلة تمثل فرصة طيبة من أجل الحوار البناء الذي يعيد لليمن وحدته ، ويمنع تفاقم الأمور بعد انقضاء أيام العيد وبهجتها التي جرحت هذا العام بسبب المعاناة التي يمر بها معظم أبناء الشعب اليمني .
اليمن في محنة والكل يعلم هذا ... واليمن في حاجة لوحدة أبنائه كما هو في حاجة لتدعيم وحدته الداخلية وخصوصاً موضوع الجنوب ، وأهمية بسط المساواة والعدالة بين أبنائه كافة وفي كل ربوعه ومحافظاته ، كما تعزيز روح المواطنة ومعالجة مواطن الخلل وهي معروفة ومشخصة بدقة . إنها مناسبة ليثبت الجميع صدق محبتهم لبلدهم وصدق مشاعرهم بسلوك يصب في خدمة الوحدة والحل وليس العكس.. ولن يكون هناك وقت أفضل من العيد.. وكل عام وانتم واليمن والأمة العربية بخير.