الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط بقدر ما هي منظومة من الإجراءات والممارسات والأخلاقيات.
لعل من المهم في ظل ما يحدث إلقاء بعض الضوء على جانب من أشكال التضليل الإعلامي الذي يترافق مع حرب إسرائيل على الفلسطينيين.
على سبيل المثال يكافح الإسباني جوزيب بوريل من أجل تجميل وجه الأنظمة في أوروبا وتلك طبيعة عمله كمنسق للسياسة الخارجية الأوروبية.
وتسارع الألمانية أرسولا فوندرلاين وهي رئيس مفوضية الاتحاد في الوصول إلى إسرائيل قافزة على قضية احتلال عمرها 75 سنة سببها تهجير أوروبا لليهود، معلنة تضامن الاتحاد الأوروبي الكامل مع إسرائيل في قتل وتهجير الفلسطينيين من خارج بنود ميثاق الاتحاد القاضي بالتشاور مع الدول الأعضاء.
صحيح أن تلك فرصة مواتية بالنسبة لفوندرلاين تخدم حلمها بشغل مقعد الأمين العام لحلف الناتو حتى لو تم ذلك على حساب تشقق قناع مكياج القارة العجوز. لكن وان بدت الصورة هكذا من الخارج إلا أن (إعطاء إشارات أو رسائل متناقضة هو نوع من التضليل) وليس خلافا في المذاهب السياسية أو وجهات النظر.
شيطنة الآخر
مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 24 فبراير2022 حجبت الدول الغربية وسائل الإعلام الروسية ليس ذلك فقط بل ومنعت تدريس الأدب الروسي في جامعاتها وأوقفت الفعاليات الموسيقية الروسية المبرمجة مسبقا في مسارحها تحت يافطة مناهضة أنشطة الاحتلال الروسي في الشرق الأوروبي.
وابتداء من الثامن من أكتوبر 2023 منعت داخلية حكومات أوروبية بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا ليس فقط المسيرات والتظاهرات المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بل وحتى رفع العلم الفلسطيني في أراضيها وشوارعها وهو علم معترف به دوليا ويرفرف على سارية أمام مبنى الأمم المتحدة لدولة بعضوية مراقب لوقوعها تحت الاحتلال، وفي المقابل الدفع والتشجيع للتظاهر مناصرة لإسرائيل وهي الدولة القائمة بالاحتلال للأراضي الفلسطينية منذ 75 سنة.
الإجراءان الأول والثاني معاكسان تماما لبنود ميثاق الاتحاد ونصوص الدساتير والقوانين السارية لدول الاتحاد (بريطانيا خارج الاتحاد).
وسائل الإعلام الغربية منعت أيضا بث أو نشر أية مشاهد أو صور تجذب التعاطف مع الفلسطينيين ليس فقط على مستوى الصحافة والتلفزة بل وحتى على منصات التواصل الاجتماعي الآلة الحربية الغربية الجديدة.
إعدام الرأي الآخر تجميد لنصف مقتضيات الديمقراطية ومنح ترخيص لدولة احتلال بقتل المدنيين الواقعين تحت الاحتلال – الفلسطينيين- سلوك استعماري يعاود الصحوة من منام قديم.
يقول بلزاك وهو أديب فرنسي "لا يعنيني ما تنطق لسانك يعنيني ما تفعل يديك".
الأمر إذا يتعلق بحقيقة المواقف وليس بالحبر والأوراق فالموقف الأوروبي يسير وجهة بوصلة الأهداف والمصالح وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية وليس باتجاه بنود الميثاق الأوروبي أو السلوك الديمقراطي أو القانون الدولي، ما يقتضي من الصحفيين والمثقفين والمحللين إعادة النظر في مسمى "العالم الحر" وتسمية الأشياء بأسمائها حتى لا يغدو الحديث مجرد مكبرات صوت لإيصال رسائل التضليل إلى مدى أبعد.
إسرائيل
"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" فكرة يجري تكريسها بغرض تجنيب إسرائيل المحاسبة حول قتلها الفلسطينيين بدلا من القيام بواجب حمايتهم كما هو التزام أية دولة قائمة بالاحتلال تجاه الشعب الواقع تحت الاحتلال بمقتضى القانون الدولي.
"تغيير إجراءات إطلاق النار"
عبارة تضليلية تتعلق بنشاط إرهابي يقوده إيتمار بن غفير وهو متهم سابق في اغتيال إسحاق رابين ووزير الأمن القومي الحالي في إسرائيل بدأ مشواره عضوا في حركة "كاخ" الإرهابية ومحامي تنظيم "تدفيع الثمن" الإرهابي في إسرائيل.
يتبنى بن غفير تسليح 400 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية وتدريبهم على إتقان استخدام السلاح في معسكرات تدريبية غير قانونية مثلها مثل معسكرات داعش والقاعدة بغرض السيطرة على منازل المدنيين الفلسطينيين ومزارعهم في الضفة والتضييق عليهم وإرهابهم وتهجيرهم إلى الأردن وهو النشاط العملي الميداني وراء عبارة "تغيير إجراءات إطلاق النار".
يحدث ذلك بتمويل من الحكومة الإسرائيلية وشركات ليهود صهاينة تعمل في عدد من الدول الأوروبية ولم تصدر في حقها أية عقوبات أمريكية أو أوربية وفق مقتضى قوانين تجفيف منابع الإرهاب العاملة في تلك الدول "ربما لكونها ليست شركات روسية أو صينية أو عربية أو إسلامية أو أفريقية".
"اجتثاث حماس"
يحتاج بيبي نتنياهو إلى البقاء أطول وقت ممكن في رئاسة الحكومة الإسرائيلية وأبعد قليلا عن بوابة السجن وهذا يتطلب من الشعب الإسرائيلي الموافقة على حرب طويلة ويحتاج القادة العسكريون والأمنيون في ذات الحكومة تحسين موقفهم في المحاكم ما بعد الحرب بالقول بأننا رفعنا "سعر صرف" الإنسان الإسرائيلي إلى عشرة فلسطينيين وأكثر.
أمر كهذا يحتاج إلى وضع عنوان كبير أو هدف ضبابي عائم يمكن الاستمرار في تخفيفه على مراحل متعددة (اجتثاث حماس، إسقاط حكم حماس، قتل قادة حماس، إبعاد قادة حماس...).
يدرك نتينياهو وقادة جيشه أن الإجراء النهائي لحربه سيتوقف عند طلب خروج يحيى السنوار إلى إحدى دول الجوار (نقطة).
ومن ثم البدء بتفاوض إطلاق الأسرى من الجانبين، لكن الاستمرار في الحكومة وتحسين الموقف التفاوضي مع القضاء يحتاج إلى كثير من الضحايا الفلسطينيين وفق مبدأ "أنا أخطأت لكنني فعلت الكثير من أجل إسرائيل" وهو الأسلوب المعتاد في محاكم تحسين الموقف ما بعد الحرب هناك.
اجتثاث حماس جملة مطاطة فتحت هذا العنوان تقتل إسرائيل المدنيين الفلسطينيين في غزة حيث حماس وفي الضفة الغربية والقدس حيث لا وجود لحماس وفي أراضي الـ48 حيث تحكم إسرائيل ولا سلطة لحماس أو السلطة الفلسطينية ويكفي القول إن منهم خارج غزة أما أعضاء أو داعمون لحماس أو "إرهابيين".
الكثير من القتل يحتاج قصة تضليل كبيرة كأن يتصل نتينياهو بجو بايدن بشأن أعمال فضيعة قامت بها مجموعة من أعضاء حماس صبيحة الـ7 من أكتوبر (لا أدلة واضحة معلنة حول الاغتصاب وقتل الأطفال حتى الآن على الأقل مع امتلاك إسرائيل أجهزة أمنية واستخبارية وتقنية أكثر تطورا على مستوى المنطقة والعالم).
صحيح أن الإدارة الأمريكية تراجعت لاحقا عن تلك الرواية التي تحدث بها بايدن لكن حديثا هاتفيا علنيا بين اثنين من كبار صناع الأخبار في المنطقة والعالم كافيا لنشر القصة بسرعة الضوء عبر العالم (التراجع لم يحظ بذات التغطية في وسائل الإعلام).
قصف المشافي
يعترض العالم على قصف المشافي واستهداف المرضى والمصابين وهو أمر جيد لكن ماذا عن ماذا عن استهداف جموع المدنيين خارج المشافي.
تعمل إسرائيل في حروبها ضد الفلسطينيين منذ العام 2002 وفق مبدأ "دعه ينزف دعه يموت " وتعني حرمان حصول المصاب الفلسطيني على العناية الطبية حتى الموت.
بدأ الأمر باستهداف سيارات الإسعاف والطواقم الفنية لكن الأمر لم ينجح نظرا لمبادرة المدنيين في نقل المصابين إلى المشافي ثم تطور الأمر إلى استهداف الطواقم الطبية ولم ينجح أيضا فتطورت الأمور نحو حياكة القصص المضللة حول وجود قادة حماس أسفل المشافي كمبرر لقصفها وهو أمر لا يسمح القانون الدولي باستهدافها حتى لو كان المبرر المشار إليه صحيحا.
أدى استمرار استهداف المشافي في قطاع غزة إلى ردة فعل غاضبة لدى الشعوب عبر العالم ولأن إسرائيل ستضطر عند نقطة ما إلى وقف استهداف المشافي تم منع دخول الوقود وقصف منظومات الطاقة الشمسية لإخراج المشافي عن الخدمة.
هي حرب تستهدف المدنيين بشكل واضح غير أن ما لا يبدي واضح كيف أمكن لمحكمة الجنايات الدولية خلال أيام فتح تحقيق وإرسال لجان ميدانية وإعداد تقارير ودعاوى وإصدار مذكرة طلب ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال أيام على خلفية نقل أطفال "روس" من أوكرانيا إلى روسيا وصعوبة إجراء أمر مماثل في فلسطين.
صعوبة رفع الدعوى
جرائم إسرائيل في غزة مصنفة من قبل المنظمات الدولية ذات العلاقة بكونها جرائم حرب وإبادة جماعية لكن لا تحقيقات ولا لجان ميدانية ولا مذكرات اعتقال بحجة أن إسرائيل ليست موقعة على ميثاق المحكمة في حين أن روسيا وأوكرانيا معا ليستا بين الدول الموقعة على ذات الميثاق.
الولايات المتحدة
كثيرا ما يتساءل الناس حول عدم انصياع إسرائيل لمطالب الولايات المتحدة منها "تقليل القتلى المدنيين" وليس الحد من ذلك وليس تجنب الأضرار بالمدنيين.
بعيد عملية السابع من أكتوبر قال لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي زودنا إسرائيل بما تحتاجه من أسلحة للدفاع عن نفسها ولم نضع شروطا على إسرائيل.
وقال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي أن بايدن لم يضع خطوطا حمراء أمام إسرائيل في حربها على حماس.
يقصد بالشروط والخطوط الحمراء هنا التوقيع على وثيقة التعهد بعدم استخدام السلاح الذي يتم شراؤه أو إهداؤه لطرف ما، ضد المدنيين أي أن الولايات المتحدة بمؤسساتها المختلفة لم تشترط على إسرائيل عدم استخدام السلاح الفتاك ضد المدنيين الفلسطينيين.
ليس غريبا إذ إن الحرب الإسرائيلية في الأساس هدفها قتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين لأحداث الوجع ورفع ثمن إزعاج إسرائيل واستعادة الردع وزمام المبادرة التي خسرتها إسرائيل صباح السابع من أكتوبر طالما أنها تسلمت أسلحة واسعة الفتك دون اشتراط حماية المدنيين.
لا تمتلك الولايات المتحدة سلطة الطلب من إسرائيل تجنيب المدنيين الفلسطينيين أضرار القصف لكونها ببساطة سمحت باستخدام تلك الأسلحة لقتل المدنيين حين لم تطلب من إسرائيل التوقيع على الوثيقة التي تقتضي قوانين الدول المنتجة للسلاح عامة توقيع الزبون على تلك الوثيقة ما يجعل تكرار ذلك القول "نتوقع من إسرائيل تقليل الأضرار على المدنيين" مجرد جملة للاستهلاك أمام وسائل الإعلام ليس أكثر.
خلال العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا تم حشد كل أنواع العقوبات المتاحة والمبتكرة من خارج النظام الدولي "الأمم المتحدة" واتهمت روسيا التي استهدفت العقوبات تدمير اقتصادها بشكل مبكر باستخدام الطاقة كسلاح حين طلبت من الدول المستوردة للغاز الروسي الدفع بالروبل لحماية اقتصادها كون الدولار واليورو في ظل العقوبات تصبح مجرد أوراق بلا قيمة وغير ممكنة التداول.
في حرب إسرائيل على الفلسطينيين تستخدم إسرائيل والولايات المتحدة ودول التأثير الأوروبي ليس الطاقة (الوقود) فقط بل وكذلك الطعام والماء والدواء كأسلحة إضافية ضد المدنيين العزل المحاصرين في أبارتهايد غزة منذ 17 سنة وهي سابقة لم يشهدها العالم من قبل.
"هدن إنسانية"
تصف الخارجية الأمريكية على لسان وزيرها بلينكن ما أطلق عليه " الهدن الإنسانية المؤقتة" بأنها ستقوي حماية حياة المدنيين في غزة وهو توصيف يعني ببساطة أن الولايات المتحدة يمكنها القول بأن تهديدات حياة المدنيين الفلسطينيين ستكون أقل حدة خلال ساعات الهدنة وتوقف القصف وبالطبع فقط في غزة.
"ممرات آمنة"
الحديث عن توفير ممرات آمنة مصطلح بدلالتين أمريكيا ممرات آمنة تسمح بخروج حملة الجنسيات الأجنبية والرعايا الأجانب من غزة إلى مصر فيما تطالب مصر والمجموعة العربية بتوسيع المعنى كي يعمل الأمر في اتجاهين خروج الأجانب ودخول المساعدات.
رسالة من شقين
تكرر الولايات المتحدة باستمرار جملة "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها" في حين أن القانون الدولي يعطي هذا الحق للشعوب والجيوش والتنظيمات المقاومة للاحتلال وليس للدول القائمة بالاحتلال فمن أين جاءت أمريكا بهذا الحق لإسرائيل. (من خناقات الحواري).
العبارة لا شك قاسية على أسماع شعوب العالم وكان ينبغي تلطيفها قليلا وهو الدور الذي قامت به أوربا بإضافة الشق الثاني للجملة "إيصال المساعدات للمدنيين" لإنتاج العبارة التي تم فيما بعد الانتقال إليها أمريكيا وأوربيا "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها و" الأخذ في الاعتبار إيصال المساعدات للمدنيين ".
بخلاف حق الفلسطينيين في الحصول على المساعدات الإنسانية الطارئة وضمان وصولها إليهم بشكل فوري، فإن الأخذ في الاعتبار وإيصال المساعدات لا يعطي نفس المعنى (وصولها إلى المستحقين بشكل سلس) بل عبر عدد من الخطوات، فكيف جرى ويجري ترجمة الشق الثاني من العبارة" إيصال المساعدات للمدنيين ".
بداية "تقديم المساعدات للمدنيين في غزة" وتم تقديمها من قبل عديد دول، ثم إيصال المساعدات، وقد تم إيصال المساعدات إلى مطار العريش في مصر، ثم تنظيم دخول المساعدات إلى غزة، وهنا جرت أولا مفاوضات حول تحديد عدد الشاحنات وطبيعة المساعدات الممكنة.
تلا ذلك تنظيم اللقاءات حول وضع آليات تفتيش المساعدات، ثم وضع آليات مراقبة عدم وصولها لحماس، ومن ثم تحديد عشرين شاحنة يوميا تدخل من مصر ليس إلى القطاع بل إلى معبر العوجا الإسرائيلي للقيام بإجراءات التفتيش البطيء على مسافة 100 كيلومتر ذهابا وعودة إلى خط معبر رفح (تأخير وتقليل شحنة المساعدات).
تصادر إسرائيل خلال عملية التفتيش جزءا من المساعدات وتعيق تحرك نصف عدد الشاحنات يوميا الأمر الذي جعل الحكومة المصرية توقف مرور حملة الجنسيات الأخرى من معبر رفح حتى معالجة إجراءات تسهيل حركة شاحنات المساعدات ودخولها عبر المعبر المصري نحو غزة بشكل منتظم ومستمر وهو ما اشترطه الرئيس المصري خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي في القاهرة.
دخول المساعدات عبر المعبر لا يعني وصولها إلى الفلسطينيين بل وصولها إلى المنطقة الفاصلة بين معبر رفح والمعبر الفلسطيني وتخزينها هناك.
مع وصول المساعدات إلى مخازن الأونروا بدأ الحديث عن صعوبة توزيعها شمال القطاع خطورة الوضع هناك ما يتطلب نزوح الفلسطينيين إلى جنوب القطاع (إيجاد مبرر للتهجير القسري).
جرى تهجير نحو 600 ألف من 1.1 مليون مدني من الشمال إلى الجنوب قسرا تحت القصف بحجة تسهيل توزيع المساعدات لكن ذلك لم يحدث كون القصف مستمرا في الجنوب أيضا.
تم الانتقال بعد ذلك إلى مناقشة تنظيم هدن إنسانية قصيرة لغرض التحرك الآمن لحملة الجنسيات الأجنبية أولا نحو معبر رفح ثم توزيع المساعدات وما يزال النقاش مستمرا بعد شهر من بدء القصف الإسرائيلي على غزة.
مع قرب "نجاح" التوصل لاتفاق بشأن الهدن الإنسانية القصيرة المبشرة بإمكانية وصول علبة الفول إلى المدني الفلسطيني البريء كان لابد من عائق جديد تمثل في الربط بين توزيع المساعدات والإفراج عن المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
كل خطوة من هذه الخطوات تحتاج إلى الوقت والمزيد من الوقت والمزيد المزيد من الوقت لإيصال علبة الفول إلى مدني فلسطيني يقف على مسافة 20سم خلف بوابة معبر غزة.
من الواضح كيف تم استخدام أطنان المتفجرات فوق الأرض حيث المدنيون الفلسطينيون (المقاومون في الإنفاق)، وكيف تم استخدام مياه الشرب والغذاء والدواء كسلاح إضافي لتحقيق التهجير القسري للمدنيين إلى جنوب القطاع هدف إسرائيل من الحرب (التهجير نحو سيناء).
ذات الأمر سيتم تكراره بطريقة أعقد فيما يتعلق بتوزيع الوقود على مشافي غزة كسلاح إضافي رابع بعد القصف الجوي والدخول البري والمساعدات الإنسانية.
يمكن للقارئ/ ئة الأعزاء التركيز في كيفية انتقاء واستخدام المصطلحات والمفاهيم والتدرج فيها لإطالة أمد الضغط على المدنيين من خلال حرمانهم الوصول إلى حقوقهم المشروعة في الغذاء والماء والدواء.
إيران
باستمرار يرتفع الصوت الإيراني بأن استمرار القصف قد يؤدي إلى توسيع الصراع وهو صوت يتلقاه الجمهور بعاطفية كنوع من التهديد لأمريكا وإسرائيل في حين أن الصوت ليس أكثر من تنبيه لأمريكا وإسرائيل بأن الإيغال في القصف وطول أمده يمكن أن يتسبب في تدحرج الأمور ضد بنود اتفاق مسقط الثلاثي بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل حول ضبط إيقاع الحرب وعدم السماح بتوسعتها عما يجري حاليا.
وسائل الإعلام
تغطي وسائل الإعلام الغربية الناطقة بغير العربية الأحداث في فلسطين انطلاقا من مبدأ "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس وهو الحق الذي يمنحه القانون الدولي للشعوب الواقعة تحت الاحتلال وليس للدول القائمة بالاحتلال (بعكس المبدأ).
وتغطي القنوات العربية الأحداث من خلال نقل معاناة المراسل نيابة عن الضحايا وسرد أعداد الضحايا بدلا من قصصهم في حين أن الضحايا ليسوا أرقاما بل أناس لهم أسماء ووجوه وذكريات وأحباء يبكونهم بتعبير أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني خلال إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن بشأن الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.
من ناحية فإن أية عبارات سرد نيابة عن الضحية هي أقل دقة وواقعية من حقيقة ما يحدث من في واقع حال الضحية والآثار بعيدة المدى على حياته أو حياة من تبقى من أسر من فارقوا الحياة.
ومن ناحية أخرى فإن سرد الأرقام لا يوصل للمتلقي أكثر من مجرد إحصائية بدلا من قصة أناس يعيشون في مساحة 365كم مغلقة تقصف بمثل قنبلة ونصف من تلك التي أسقطت على هيروشيما اليابانية نهاية الحرب العالمية الثانية.
اختصار المأساة في أرقام لا يكشف تأثير تلك النيران والدمار وتداعيات توظيف أسلحة الغذاء والماء والدواء ضد المدنيين ولا تأثير كل ذلك على نفسية وسلامة وصحة ومستقبل وأحلام وحياة وذكريات هؤلاء الناس- الفلسطينيين، في حين أن مهمة الصحفيين المهنيين نقل القصص وليس الحديث حولها للجمهور الذي يود سماعا لقصة بصوت الضحية وليس بصوت من ينوب عنه.
الأرقام لا تقدم أكثر من سعر صرف الإسرائيلي مقابل الفلسطينيين بتعبير باسم يوسف
ماذا عن طالب قصفت جامعته وآخر قصفت مدرسته وطفل أصيب بالصدمة وأسرة فقدت عائلها وشخص بترت أطرافه وآخر ظل لساعات تحت الأنقاض وأسرة لا تجد الخبز والطفل يشرب مياها ملوثة أو مالحة وو، أليست لديهم قصص.
الأطفال والنساء
ما يعرفه العالم بأسره وتنص عليه قوانين ودساتير العالم ودوله المختلفة أن الحق في الحياة ووصول الخدمات والتمكين الاقتصادي وغيره من حقوق الإنسان مكفولة للجميع أطفالا ونساء ومراهقين وشبابا ورجالا ومسنين التحول إلى معايير مختلفة للتعاطف والرفض والتنديد بالجريمة هو محاولة فقط لتقليل مؤشر الأرقام وتشتيت الجمهور عن الحجم الفعلي للجريمة. حسنا ماذا لو لم يقتل أطفال ونساء ألن تكون هناك جريمة.
التضليل
يعرف التضليل الإعلامي بأنه: النية المبيتة لتغليط الرأي العام ويتخذ أشكالا متعددة بينها ما تضمنته هذه المقالة من" حجب المعلومات والإشارات المتضاربة والمفردات المطاطة والجمل الضبابية وإطلاق الإشاعات والتشتيت والإحلال وحياكة القصص خارج السياق والتصريحات ذات الدلالتين البعيدة والقريبة وتجنب مقارنة المحتوى بالوقائع على الأرض تحت مبرر تسارع الأحداث ".