لم تعد السياسة كما كانت بيئة للدهاة والعباقرة والمفكرين وواضعي البرامج التي تحقق غايات المجتمع في الأمن والإدارة وسبل العيش الكريم. هي اليوم بيئة آمنة للقتلة والنصابين، وأصحاب السوابق، وممتهني الكذب والتضليل، وصانعي الدسائس، وأكثر من ذلك هي مهنة من لا مهنة له فإذا وجدت نفسك عاطلا يمكنك أن تشتغل في السياسة ويمكن لمن فقد الأهلية في إدارة شئون حياته أن يبتكر وسيلة جيدة لقيادة الناس الى الجحيم والفوضى فمن فشل في تحقيق غاياته يمكنه فعل ذلك من خلال السياسة التي توفر له ما يريد .
يمكنه أن يضلل الناس ويغريهم بالأكاذيب والترهات ويمنيهم بتحقيق ما يصبون إليه من حياة رغدة وظروف عمل وكسب ملائمة، وحماية من الأمراض والجوع والبطالة وأن يحقق لهم كل ما يتمنون بمجرد أن تتوفر له فرصة القيادة التي تجعله قيما على شؤونهم وحاجاتهم، وفي ذات الوقت هو لا يتطور كثيرا، ويستمر في الفراغ، ويقبل من النصابين والمضللين وعديمي الشرف مشاركته في السرقة والنهب والسيطرة على الأوضاع وتسخير الإمكانات لصالحه ولمصالح من يعنيه، ويتصل به بقرابة أو شراكة ما، أو غاية من الغايات .
زمن الفوضى والتيه يتيح للسيئين التصدي للأمور، في حين يغيب أو يتم تغييب الأشخاص الجيدين وعزلهم، وتحويلهم الى تحف عتيقة مهملة ومتربة في زوايا بيوتهم ينتظرون رحيلهم عن هذا العالم الموبوء بالسوء، والمليء بالأدعياء وسارقي الحياة والقادرين على ابتكار الشر، وتحطيم نفوس البشر، وتهميش الشرفاء، ومن لديهم الرغبة في تطوير الحياة ودعم المحتاجين الى الدعم وإنهاء أزمنة إهمال الشعوب وتحقيرها وتحويلها الى قطعان لا تهتدي الى سبيل ولا تعرف أين تكمن مصلحتها ولا الى الطريق الذي تسلك وتتخلص من المنغصات .
السياسي الفارغ مشروع جيد لذوي المهارات من النصابين والمحتالين الذين يزينون له الأمور، ويرينه ما لا يجب أن يرى حيث التدليس والدس والكذب والافتراء وتصوير الأمور أنها عسل في عسل، وأمل في أمل، وهو سعيد، ويصدق كل ما يقال له ويحتفظ بحاشية سوء وكذب لا يتخلى عنهم، ولا يستبدلهم بشيء، فهم يلائمون بعض ويقتربون من بعض وينطبق عليهم المثل المعروف (الطيور على أشكالها تقع) .