«ابني حُرم من لقب الأمير لأنه كانت هناك مخاوف داخل العائلة المالكة بشأن مدى سمار بشرته» هذا ما قالته زوجة الأمير هاري الوريث السادس لعرش بريطانيا وحفيد الملكة الحالية في مقابلة مع إحدى القنوات الأمريكية الأحد الماضي، ولم يصدق جمهور كبير من متابعيها أن تكون قد واجهت مثل هذه الصعوبات وصادفت نظرات الازدراء والعنصرية وهي التي تسكن قصور الملوك وتُجالس الأمراء. وفي منتصف عام 2018 تجمّع الآلاف حول قصر وندسور الفخم غربي لندن وبعضهم حضر مسبقا وآثر النوم بالعراء، ليس للقيام بمظاهرة تطالب ببعض الحقوق أو لانتظار خطاب للملكة أو لأجل حشد انتخابي، بل لحضور حفل زفاف الأمير المذكور الذي حظي بمشاهدة الملايين على شاشة التلفاز بجانب الحضور، ولم يكن ببالهم جميعا أن يتخلّ الأمير وزوجته عن مهامهما الملكية بعد سنتين فقط من الزواج ويتركا بلدهما والعائلة الحاكمة ويتوجها للعيش في كندا ثم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بدعوة ملياردير أمريكي يُدعى تايلور بيري الذي تكفل كذلك بالمنزل والنفقة. وليس المقصود هنا سرد قصة الأمراء وإن كان هناك من يحب ذلك لاسيما أن الضعيف مفتون غالبا بالقوي والفقير يتابع أحوال الغني والشعوب النامية معجبة بالحضارة الغربية، بل لنبش قضية تكاد لا تُطرح للنقاش وهي الطبقية التي تبرز حين الحديث عن العائلات الملكية الأوروبية التي تتواجد إحداها في بريطانيا وهي العائلة المنحدرة من أسرة «ساكس كوبرغ غوتا» الألمانية التي حكمت أجزاءً من أوروبا لما يزيد من ألف عام، والفرع البريطاني منها يُعرف باسم «ويندسور» وهي تحكم البلاد منذ مطلع القرن العشرين، وبالرغم من أن صلاحيتهم رمزية وليس لهم علاقة مباشرة بإدارة شؤون البلاد إلا أن أفرادها يتمتعون بمزايا فريدة منها حصولهم على حصة مالية سنوية من الحكومة البريطانية لا يعرف أحد مقدارها، وحماية أمنية كاملة تُدفع تكلفتها من أموال دافعي الضرائب، فضلا عن الملابس الراقية والتقاليد الخاصة. وهذا ما أفرز النظام الطبقي في الغرب الذي يتكون من ثلاث طبقات هي الطبقة الارستقراطية، والطبقة البرجوازية، وطبقة البروليتاريا، أو الطبقة العليا والطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة، وبعد الثورة الصناعية وسيطرة الرأسمالية بدأت الطبقة الوسطى بالتلاشي ووصلت الآن لمرحلة الاحتضار، وبقي عندهم طبقتي النبلاء والفقراء، الأولى بيدها الثروة والحكم والثانية مسخرّة للعمل في المصانع والشركات والمؤسسات التي يمتلكونها، ومن مظاهر هذه الطبقية وجود مجلسين تشريعييَن في بريطانيا، أحدهما للشعب وعموم الناس «مجلس العموم» والآخر للأثرياء والنبلاء «مجلس اللوردات»، وكذا عدم زواج أحد من غير طبقته لاسيما الملوك والأمراء، وإذا حدث ذلك انكشفت العنصرية التي يحرصون على عدم إظهارها. وهذا ما حصل مع الأمير هاري الذي كسر التقاليد وتزوج بممثلة أمريكية مطلقة لأم سوداء ما آثار سخط وسائل إعلامية كصحيفة «ذا صن» و «دايلي ميل» إذ ذاك سيؤثر على نقاوة الدم الأزرق الذي يسري في عروق السلالات الحاكمة، ولما تجاهل التحذيرات تعرٌضت زوجته لسوء المعاملة كالحبس في القصر وتقييد حركتها وتقليص الدعم المالي والإشارات العنصرية لدرجة أنها فكرت بالتخلص من نفسها والانتحار كما أفادت في المقابلة، ولو حدث هذا الزواج في العصور الوسطى الأوروبية لجردوا الأمير من كل ألقابه وطردوه من الأسرة وربما تعرض للقتل. وتتعدى هذه العنصرية لتشمل المهاجرين الذين يغرقونهم في البحر وإذا وصل أحدهم يستغلونه في الأعمال الشاقة، والسود الذين يُعدون مواطنين من الدرجة الثانية ويتعرضون للقتل على يد الشرطة ويُنظر إليهم أنهم أحفاد العبيد، وكذا المحجبات التي يتعرضن لكثير من المضيفات وفي بعض الأحيان يمزقون حجابهن في وضح النهار، وحتى المرأة عندهم لم تسلم من التمييز فهي - مثلا - تقبض أجرا أقل من الرجل في أكثر المؤسسات، وفي بريطانيا نفسها شن المحافظون حملة شوعاء على «صديق خان» لمنعه من تولي منصب عمدة لندن لأنه هندي مسلم، وممارسات أخرى كثيرة يعرفها من ذهب إليهم.
عمر جميل القباطي
الطبقية والعنصرية في بريطانيا العظمى 883