تسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى وقف الحرب في اليمن بالطريقة التي تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ولو كان ذلك على حساب اليمن وقواه الوطنية الفاعلة؛ من أجل التفرغ لمواجهة العملاق الصيني الصاعد، ولتنفيذ هذا الهدف قامت إدارة بايدن بتعيين Timothy Lenderking مبعوثًا خاصًا إلى اليمن، والذي يجري حوارات مباشرة مع قادة حركة التمرد الحوثية في مسقط برعاية عُمانية. هذه المحادثات لم يتمخض عنها أي جديد حتى كتابة هذه السطور. لكن الأهم من ذلك، أن هذه المحادثات تأتي في ظل التصعيد العسكري غير المسبوق من قِبل الحركة الحوثية ضد محافظة مأرب اليمنية، وكذلك أراضي المملكة العربية السعودية.
يستهدف الحوثيون الأماكن المدنية بالطائرات المسيرة، والصورايخ البالستية، ولم يتوقفوا رغم المناشدات الأمريكية! هذا التصعيد الخطير يؤكد بأن حركة التمرد الحوثية ليس لديها ما تخسره باعتبارها حركة عنف دينية مسلحة. كما أن هذا التصعيد دليل على أن السلاح الإيراني المتطور الذي ما يزال يتدفق إلى الحوثيين بشكل مكثف هو الذي جعل الحركة تغتر بالقوة وتصعّد بهذا الشكل الهستيري، مما يعني أن التحالف العربي فشل في فرض الحصار العسكري على الحوثيين، كما أن قرارات مجلس الأمن الدولي التي تمنع تصدير السلاح للحوثيين لم تنجح في وقف هذه الأسلحة. مما لا شك فيه أن هذا السلاح يمر من المناطق البحرية التي تتواجد بها البارجات الأمريكية، لكن الإدارة الأمريكية لم تتخذ أي إجراء حقيقي لمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى عصابات التمرد الحوثية. كما أن هذا التصعيد كشف بأن إدارة بايدن كثفّت من ضغوطها على الحكومتين اليمنية والسعودية، ولكنها لا تملك أوراق ضغط واقعية كي تمارسها على المجاميع الحوثية المتمردة، وقد تحدثت بذلك فورين بوليسي، ولذلك إذا تريد الإدارة الأمريكية ممارسة الضغط على الحركة الحوثية فعليها مصادرة الأسلحة التي تتدفق من إيران إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وفي هذه الحالة يمكن أن تجلس الحركة الحوثية على طاولة المفاوضات بحسن نية، بحسب فورين بوليسي.
ألغت إدارة بايدن الشهر الماضي تصنيف الحركة الحوثية من قائمة الإرهاب بدعوى الأزمة الإنسانية، وتشجيع الحوثيين على القبول بالسلام، ولكن هذه الرسالة فهمتها الحركة الحوثية بطريقتها الخاصة، حيث كثفت من عملياتها العسكرية. ومؤخرا أدرجت أمريكا بعض القيادت الحوثية في قائمة العقوبات ومنهم "منصور السعدي وأحمد الحمزي بالإضافة إلى سلطان زابن المسؤول عن جرائم اختطاف واغتصاب نساء وتجنيد فتيات للعمل كخلايا استخبارات ية للمليشيات الحوثية"، لكن هذا التصنيف لا معنى له من الناحية العملية .
التصعيد العسكري الأخير دليل واضح على أن حركة التمرد الحوثية لا تتحرك وفق أجندة محلية وذاتية، بل وفق الرغبات الإيرانية. تحاول إيران كسر شوكة الدولة اليمنية وإنهاء شرعيتها، وتتصور بأن ذلك سيتم إذا تمت السيطرة على مأرب ومن ثم تأتي الحكومة اليمنية إلى طاولة المفاوضات وهي مكسورة عسكريًا، ولا تملك أي أوراق ضغط، مما يجعل الحركة الحوثية لها اليد الطولى في أي عملية سياسية مستقبلية، ومن ثم تتحول باقي القوى السياسية اليمنية إلى ما يشبه الأحزاب اللبنانية وتكون كفة الميزان العسكرية والسياسية للحركة الحوثية- يد إيران في شبه الجزيرة العربية، وبعد ذلك سوف تتفاوض إيران مع المجتمع الدولي وبيدها أوراق ضغط قوية، بحيث تستطيع أن تقدم نفسها كشرطي جديد في المنطقة.
علاوة على ذلك، تعتقد إيران بأن انتصار الحوثيين سيجعل السعودية ضعيفة وغير قادرة على مواجهة إيران، ومن ثم ستقبل بالأمر الواقع مقابل تقديم ضمانات بعدم الاعتداء على أراضيها، ولكن من الواضح حتى اللحظة أن المملكة لن تقبل بذلك، ولن تسمح بقيام حزب الله آخر في حدودها الجنوبية، لكن الاستمرار في سياستها الحالية سيجعلها تقبل بالحركة الحوثية في نهاية المطاف، إذا لم تغير من استراتيجيتها السياسية والعسكرية في اليمن بشكل جذري. تصويب مسار المعركة ودعم الجيش اليمني وحكومته الشرعية هو الحل لحماية أمن الحرمين واليمن على حد سواء.
محليًا، تدرك القوى الوطنية حقيقة المشروع الحوثي، والتواطؤ الإقليمي مع هذه المجاميع الحوثية، وتدرك أيضًا بأن المجتمع الدولي لا يهتم إلا بمصالحه الأمنية والاقتصادية والعسكرية، وآخر ما يفكر به هو الوضع الإنساني. لذلك بدأت تتحرك سياسيًا، ودبلوماسيًا، وهي مستعدة للتعامل مع أي متغيرات إقليمية أو دولية. من وجهة نظري، استمرار الإدارة الأمريكية في هذه الحوارات العبثية مع المتمردين دون ممارسة ضغط حقيقي عليهم ستكون له نتائج سلبية. كما أن تجاهل القوى الوطنية ليس من صالح المجتمع الدولي ولا الاقليمي، واستمرار هذا التجاهل سيقود اليمن والمنطقة إلى ما لا يحمد عقباه، وهو ما لا نتمناه ولا نريده. ختامَا، استولى المتمردون الحوثيون على صنعاء بالعنف والحرب، ولن يقبلوا بأي عملية سياسية إلا بالطريقة التي دخلوا بها صنعاء غداة 21 أيلول /سبتمبر-2014، وهذا ما يدركه أبسط متابع للمشهد اليمني.