ستشهد عدن العديد من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالخدمات والحقوق "المرتبات " وغيرها، وسيغذي الانتقالي هذه الاحتجاجات كيما يكبح أي توجه سياسي أو عسكري أو أمني للحكومة للذهب نحو تسوية الأرضية كاملة لعملها وفق ما تضمنته بنود الشق العسكري والأمني للاتفاق، وسيحتاج الانتقالي وقادته الحكومة لمواجهة تحركاتها في هذا الشق المهم "تسوية الأرضية السياسية للجميع" بأن عليها الانصراف إلى الخدمات أولاً ثم نتحدث عن تسوية الملعب للجميع لكي يظل هو المسيطر على كل شيء ويدير ما يسمى "الدولة، الحكومة، المناطق المحررة" باسم حكومة المناصفة وهو ما سيفقد عودة الحكومة وبقائها في عدن من محتواه الحقيقي، ويجعل من رئاسة هادي تحت رحمته ..
سيكون ثمة حالة انفصام مذهل للمشهد الأمني والعسكري في الرقعة الجغرافية التي تتواجد فيها الحكومة، ففي الوقت الذي سيفاخر قادة الانتقالي بحماية الحكومة وتأمين مقر اقامتها وتحركات وزرائها والترويج لذلك إعلامياً، سيظل شعور عدم الثقة والخوف لدى الحكومة ومناصريها هو السائد في عدن "عاصمة الشرعية " ومركز قرارها المفترض، فالوزراء غير قادرين على تأمين حماية شخصية لذواتهم من أشخاص وقوات يثقون فيها، وسيسيطر عليهم شعور الوقوع تحت الأسر طوال ممارسة عملهم من عدن لأن ثمة خطاب ومواقف متشنجة وأحداث أيضاً يتبناها الانتقالي بصورة مباشرة وغير مباشرة تجاه وزراء الحكومة غير المحسوبين على الانتقالي بما فيهم الاشتراكي الذي يظن أنه لازال الذراع السياسي لأي حراك جنوبي متجاهلاً ما قد أنجزته "رابطة الجفري "..
هذا الوضع سيزيد من تعقيدات المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي في عدن خاصة وبقية المناطق المحررة عامة، في حين سيتفرغ الحوثي لإسقاط مأرب والذهاب إلى شبوة في آن مع تكثيف هجمات الطيران المسير على السعودية وأن حاولت الرياض فتح قنوات تواصل جديدة مع الحوثيين "قطر" فإيران هي من تقرر أين ومتى يتم توجيه الضربة وبأي اتجاه يتم إطلاق الصواريخ وطائرات الدرون ..
ستشعر الحكومة بحالة من العجز في مواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة وأنها لا زالت بدون موارد حقيقة أو دعم صادق من الخارج، وليس بيدها قوة تمكنها من فرض سلطتها على ما يقع تحت يدها من منشآت "الريان، بلحاف" بل ميناء عدن الأقرب لها أنموذجا "..
هذا الشعور سيجعلها أكثر انكساراً للتجار "تجار حروب وقطاع خاص جشع شكلته الحرب نتيجة انهيار اقتصادي، آزره فساد كبار قادة أطراف الصراع والعملية السياسية"، "شرعية وانقلاب وتحالف "..
الوصول إلى هكذا وضع سيكون بمثابة الضربة القاضية للمواطن اليمني والحكومة والتحالف، معاً حيث سيفقد المواطن الأمل تماماً في الحكومة، بأن لديها القدرة على توفير أهم عنصرين أساسياً في حياته اليومية، على أي حكومة أن توفرهما في حدوهما الدنيا، "الأمن الشخصي، الأمن الغذائي"، وهما عنصرين فقد منهما المواطن الشيء الكثير نتيجة الحرب ولم يستطع أي طرف من أطراف الصراع استعادة شيء مما فقد في مناطق سيطرته رغم الزيف الذي يروج في الإعلام، فالوقع يئن بصوت مرتفع جداً، فلا مرتبات منتظمة ولا عملة مستقرة، ولا فرص عمل وجدت، ولا احتياطي من الأمن الغذائي موجود، ولا حكومة قادرة على إلزام القطاع الخاص حتى بالتخفيف من جشعه، وأكثر ما فعلته جعلت المواطن البسيط في مواجهة مباشرة مع تاجر لا يعرف إلى لغة الارتفاع في كل شيء ولا يمكنه التخلي ولو عن نزر يسير من هامش الربح الذي ألفه ..
وعلى المستوى الأمن الشخصي فانتشار السلاح في بلاد الـ "60" مليون قطعة في عهد دول هشة قبل الحرب، جعل من هذا البلد في ظل الحرب في فوضى عارمة لانتشار السلاح الذي تزايدت نسبته بمئات المرات، عما هو قبل الحرب، مما جعل حياة المواطن اليمني أرخص من قيمة السلاح الذي يُقتل به حتى وان كان شنقاً، عوضاً عن فوضى التشكيلات الأمنية والعسكرية التي خلقت واقعاً مشوهاً يجعل المواطن البسيط غير قادر على تفادي القتال ولا يعرف في الوقت ذاته من هو غريمه وإلى من يشتكي. ولسنا ببعيدين عن الجرائم اليومية التي تتم رغم كثرة تلك التشكيلات، "قتل، سرقة، سطو، تقطع، ووو"، ويمارس عدد منها جنود، وباتت هذه مشاهد يومية تتكرر في حياة اليمنيين الذين يتوقون لشيء بسيط من الاستقرار، ووضعوا آمالهم بعد الله، في الحكومة، على أن يأتي مع إعلان تشكيلها وتنفيذ اتفاق الرياض رغم ما فيه من تجاوزات ..
قد تكون نظرة سوداوية، نظراً لقصر الوقت الذي قضته الحكومة منذ وصولها إلى عدن واستلامها مهامها، لكن ثمة مقدمات تجعل أي متابع، الذهاب نحو هذه الألغام ووضعها أمام المعنيين لتدارك عدم الانفجار الكبير، كونه لو حدث لا سمح الله سيجعل من إيران والحوثي جزء مهم جداً من الخيارات المستقبلية لدى الكثير رغم كارثيته.. وهو ما لا نرجوه، ونتمنى استشعار الجميع حجم الخطر الذي قد نصل إليه جميعاً " يمناً وخليجياً" وقد يكون أثره على المواطن في الدول الغنية الذي لا يزال لديه وقت حالياً لينشغل بـمتابعة "أجمل تيس وأسرع ناقة وأفخم سيارة، وتقلبات البورصة" أكثر وجعاً، فاليمني قد تلقى على مدى ست سنوات صنوف الأوجاع التي أرهقته نعم لكنها زادته جلداً وصبراً وقللت من حكمته ..