هل ستستفيد اليمن من المصالحة الخليجية، وهل ستنعكس المقاربة بين السعودية وقطر على الأزمة اليمنية، وهل سيكون التأثير سلبي أم إيجابي؟ هذه الأسئلة لا شك أنها تتبادر إلى ذهن أي مواطن يمني أو متابع ومهتم بالشأن اليمني، وللإجابة على هذه الأسئلة يرى كثير من المراقبين السياسيين والخبراء، أنه من الطبيعي أن تنعكس وبشكل إيجابي هذه المصالحة على الأزمة اليمنية وبما يخدم مصالح الجميع، فهذا البلد الفقير الذي تطحنه الحرب منذ ست سنوات، تضرر بشكل مباشر وكبير من أزمة المقاطعة الخليجية، ولابد له أن يقطف ثمار هذه المصالحة كونه واحد من أكثر البلدان التي تضررت من الأزمة بين الدولة الغنية ..
ولكن في المقابل ثمة تساؤل يقفز إلى السطح سيما وأن "إعلان قمة العُلا" قال إن: "الدول التزمت بتعزير التعاون في مكافحة الكيانات والتيارات والتنظيمات الإرهابية التي تهدد أيّا منها"، والسؤال هنا، ما هو الموقف اليوم الذي يمكن بلورته من الأطراف المتصالحة، من "مليشيا الحوثي" و"حركة الاخوان المسلمين"؟ سيما وأن لكل طرف من أطراف المصالحة نظرته الخاصة تجاه هاذين الكيانين، فثمة أطراف ترى في الجماعتين كحركات إرهابية ومارقة وأخرى لا تتفق مع هذه النظرة، وإن اختلفت نسبة تقاربها مع هذا الكيان أو ذاك ..
من سيقول أنه من المبكر الخوض في هذه التفاصيل، فبالضرورة هنا الاستعانة بمقولة "الشيطان يكمن في التفاصيل".. في المقابل هل يمكن الحديث إمكانية تجاوز هذا البند؟ إن كانت الإجابة بنعم فهذا يعني نسف أسباب المقاطعة والمصالحة معاً، فما تم اتهام قطر به سيتجلى أنه كذب محظ، وستظهر المملكة في موقع الذي لا يتحلى بأي شيء من الحنكة السياسية وتتخبط بشكل عشوائي، ويجعل من المصالحة قابلة للنقض في أي لحظة أيضاً كونها خاضعة لتقلب الأمزجة ولا تخضع لسياسة دولة ..
وفي السياق يرى محللون سياسيون أن السعودية باتت ترى في قطر وسيطاً خليجياً ناجحاً إن لم يكن وثيقاً لها في الوقت الحاضر، في حال كان ثمة توجه سعودي لحسم ملف الحرب في اليمن عسكرياً، أو لإنجاز أي مصالحة في اليمن والمنطقة ككل، فقطر تتمتع بعلاقات ممتازة مع حركة الإخوان المسلمين، وعلاقات مقبولة " توظيف متبادل" مع مليشيا الحوثي ومموليها وداعميها إقليمياً، وبإمكانها أن تمسك العصى من الوسط فيما يخص الأزمة اليمنية، كما أن الدوحة لن تتخلى عن حليفها الاستراتيجي تركيا، ولا عن حزب الإصلاح الذي تربطه علاقة ممتازة وروحية مع اسطنبول، وتحسبه بعض أطراف المصالحة واحداً من أهم فروع حركة الإخوان المسلمين، رغم النفي المتكرر من الحزب لهذا الإلصاق، كما أنه في الوقت ذاته يمكن القول بأن الدوحة ليست مستعدة للتفريط بعلاقتها مع الحوثيين وإيران، على المستوى القريب على أقل تقدير، وفق ما يراه المحللون السياسيون ..
قريباً من هذا الرأي يرى مراقبون سياسيون أكثر تفاؤلاً في هذه المصالحة الخليجية، مقدمة لإنجاز تحالفات جديدة في المنطقة، والسعودية بحاجة لإنجاز هذا التحالف كي تتمكن من خلالها التصدي لأي تداعيات سلبية محتملة بعد دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض الذي بات يفصله عنه وقت قصير جداً، تحاول السعودية استغلاله في ترتيب أوراقها في المحيط الخليجي والإقليمي، بما يضمن بقائها كحليف استراتيجي لأميركا بعيداً عن سياسية "الدفع مقابل الحماية" التي انتهجها دونلد ترمب وأرهقت دول الخليج كاملة وفي مقدمتها السعودية، وبما يمكنها من تحسين صورتها لدى شعوب المنطقة بعد أن شعرت أنها خسرت كثيراً من قاعدتها الشعبية، نتيجة السياسة التي انتهجتها خلال سنوات، وجعلت كثير من شرائح المجتمع العربي سيما المحسوب على "محور السنة" يرى بأن السعودية ليست الدولة التي كانوا يعتبرونها حضنة للدولة السنية وبإمكانها أن تشكل قوة ردع مع كل من مصر وباكستان وتركيا وماليزيا واندونيسيا وبقية دول المنطقة " السنية" لمواجهة خطر التوغل الإيراني واذرعها في المنطقة، وذهبت إلى تحالفات افقدتها من أن تكون قبلة المسلمين سياسياً، وشوكة الميزان في العلاقات بين هذه الدول وذابت وسط تلك التحالفات التي أفقدتها أيضاً حجمها الطبيعي الذي يفترض أن تكون فيه، وأضرت أيضاً بمكانة وحجم مصر كدولة يجب أن تكون قلب الأمة العربي النابض، من خلال جراها إلى مربع تلك التحالفات وسياساته بعيداً عن موقفها العروبي الذي يجمع ولا يفرق .
في الأخير يظل التساؤل أين ستكون اليمن من هذه المصالحة؟ وهنا يمكن القول أن الأطراف اليمنية والتجاذبات الخارجية وتأثيراتها على القرار الوطني هي من ستحدد ذلك، وهنا يفترض أن تحرص الأطراف الداخلية أن تكون ثمار هذه المصالحة لليمن ككل وليس لأطراف أو جماعات تخدم أطراف خارجية، يجب أن يلمس المواطن اليمني في الداخل والخارج هذه المصالحة، إن كان ثمة ضمير لدى القوى في الشرعية من جهة، وكي لا تبقى مجرد أدوات للمقاطعة والمصالحة يتم استدعائها آن شاءت تلك الدول ..