توقفنا في المقال السابق عند السؤال،
كيف غرس الإسلام ملكة الجندية ونماها في العرب أولا ثم المسلمين أفراداً وجيوش؟
ولعلنا نجيب عليه في هذا المقال ان شاء الله .
هناك صفات خالدة للجندية تميز الجندي الأمين عن الجندي الذي ليس له قيمة عسكرية، فلابد أن تتوفر في الجندي صفات معينة ليكون جنديا يفيد ولا يضر، ويبني ولا يهدم، ويقاتل ولا يفر .
فليس كل من ارتدى البزة العسكرية وقضى ردحا من الزمن في الجيش أصبح جنديا حقا .
أول هذه الصفات
- * الطاعة * :
والطاعة هي ما يطلق عليه في المصطلحات العسكرية الحديثة تعبير: *الضبط *.
والضبط: معناه إطاعة الأوامر وتنفيذها نصا وروحا بدون تردد وعن طيبة خاطر وبحرص وأمانة وإخلاص .
وقد وردت كلمة ( طاع) ومشتقاتها في 129 آية من آيات القرآن الكريم، قال تعالى :" من يطع الرسول فقد أطاع الله " وقال تعالى :" ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا "، وقال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
والفرق الكبير بين الجندي الجيد والجندي الرديء، هو أن الأول مطيع والثاني غير مطيع، أي أن الأول يتحلى بالضبط المتين، والثاني قليل الضبط، كما يعبر عن ذلك العسكريون المحدثون .
وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثال بالطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، وتاريخ الصدر الأول من الإسلام مليء بأمثلة الطاعة التي أدت بالكثير من المسلمين الى التضحية بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله .
كما أن الفرق الكبير بين الجيش والمدنيين، هو أن الجيش يتحلى بالضبط المتين، ولا جيش بدون ضبط، ولا ينتصر جيش في الحرب بدون ضبط مهما يكن حسن التنظيم كامل التجهيز جيد التدريب قوي القيادة .
ومن صفات الجندي أيضا :
- * الصبر* على المشقات العسكرية وفي الميدان .
وقد وردت كلمة (صبر) ومشتقاتها في 103 آية من آيات القرآن الكريم .
قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله " ، وقال تعالى :" ربنا افرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا"، وقال تعالى :" سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار "، وقال تعالى :" ولئن صبرتم لهو خير للصابرين"، وقال تعالى :" ثم جاهدوا وصبروا، إن ربك من بعدها لغفور رحيم ".
ومن صفات الجندي كذلك :
- * الثبات* عند لقاء العدو،
والثبات له معنيان :
الأول الثبات الى آخر طلقة وآخر رمق، فليس جنديا من يفر أو يستسلم للعدو ومعه سلاح وعتاد، حتى يتحطم سلاحه وينفذ عتاده .
والثاني الشجاعة في مجابهة العدو والقتال بتصميم وعناد .
وقد وردت ( ثبت) ومشتقاتها في 18 آية من آيات الذكر الحكيم . قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبوا " ، وقال تعالى :" وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام " ، وقال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " ، وقال تعالى :" ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا"، وقال تعالى :" ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا " وقال تعالى :" إذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم، فثبتوا الذين آمنوا ".
- * الشجاعة * :
وهي من أهم صفات الجندي، فيكفي أن نذكر أن المسلم لا يجبن أبدا، وأن التولي يوم الزحف بالنسبة للمسلم من الكبائر، قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا الى فئة، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ".
وجعل التولي يوم الزحف من صفات الكفار والمنافقين، قال تعالى :" ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا " ، وقال تعالى :" لئن اخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون " ، وقال تعالى :" لن يضروكم الا أذى، وان يقاتلوكم يولوكم الأدبار " وقال تعالى :" ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار، وكان عهد الله مسئولا ".
ولست أعرف عقيدة سماوية ولا ارضية حثت على الشجاعة حثا حاسما جازما كما فعلت العقيدة الاسلامية، ويكفي أنها أخرجت الجبناء من حظيرة المؤمنين، فالجبن والاسلام على طرفي نقيض وهما ضدان لا يجتمعان .
وإذا كانت الشجاعة هي التي تؤدي الى إحراز النصر، بل هي أهم عوامل النصر على الاطلاق، فإن الشجاعة في العقيدة الاسلامية هي مزية من مزايا المسلم الذي لا يكون مسلما بدونها .
لعلنا نتوقف هنا ونكمل الموضوع في المقالات القادمة ان شاء الله .
في أمان الله