انتهينا في المقال السابق بسؤال،
كيف أثرت تعاليم الإسلام على العرب؟
وسنحاول في هذا المقال الإجابة على هذا السؤال إن شاء الله .
لا شك أن تعاليم الإسلام رفعت المستوى العقلي للعرب الى مستوى عالي، نقلتهم من عبادة الأوثان وما يقتضيه ذلك من انحطاط في النظر وإسفاف في الفكر الى عبادة إله وراء المادة :(" لا تدركه الابصار، وهو يدرك الأبصار ") .
كان الإله عند أكثرهم إله قبيلة او إله قبائل وإن اتسع فإله العرب، فلما جاء الإسلام تغير المفهوم ووضحت الصورة واتضح لهم ان الإله الحقيقي هو الله الواحد رب العالمين، ومدبر الكون وبيده كل شيء وعالما بكل شيء، فاستطاع العربي بهذه التعاليم أن يرقى الى فهم إله (لا مادة له)، واسع السلطان، واسع العلم، وأفهمهم الإسلام أن دينهم خير الأديان، وان العالم حولهم في ضلال وأن نبيهم نبي للناس جميعاً وامام، وأنهم ورثته في حمل دعوته الى الأمم، فكان ذلك من البواعث في حمل دعوته الى الأمم يدعونهم اليه ويبشرونهم به .
وكان للإيمان باليوم الآخر في قلوبهم أثر عظيم في نشر الدعوة وإيصالها إلى مشارق الأرض ومغاربها ولو كلفهم ذلك أنفسهم لان الوعد سبق لهم من الله تعالى:" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ".
وكان للإسلام أثر كبير في تغيير قيمة الاشياء والأخلاق في نظرهم، فارتفعت قيمة أشياء وانخفضت قيمة أخرى، وأصبحت مقومات الحياة في نظرهم غيرها بالأمس .
إن الإسلام رسم للحياة مثلا أعلى غير المثل الأعلى للحياة في الجاهلية، وهذان المثلان لا يتشابهان وكثيرا ما يتناقضان، فالشجاعة الشخصية، والشهامة التي لا حد لها، والكرم الى حد الاسراف، والإخلاص التام للقبيلة، والقسوة في الانتقام والأخذ بالثأر ممن اعتدى عليه أو على قريب له أو على قبيلته بقول أو فعل، هذه المُثل التي كانت أصول الفضائل عند العرب الوثنيين، أصبحت في الإسلام: الخضوع لله والانقياد لأوامره والصبر، وإخضاع منافعه الشخصية ومنافع قبيلته لأوامر الدين، والقناعة وعدم التفاخر والتكاثر وتجنب الكبر والعظمة، هي المثل العليا للمسلم في الحياة .
إن الإسلام صَهَرَ نفسية العربي ونفى عنها الخبث، فأصبح العربي المسلم لا يكذب ولا يسرق ولا يزني ولا يخون ولا يغش ولا يتجسس، يخلص لعقيدته أكثر مما يخلص لنفسه، ويطيع أوامر الله ورسوله وأولي الأمر ما أطاعوا الله، وبذلك أصبح فردا مفيدا باع نفسه لله إخلاصا لعقيدته .
هذا العربي المسلم، بهذه المزايا النادرة، أصبح بدون شك، عنصرا مفيدا لتكوين أمة صالحة تعبد ربا واحدا، وتعمل بانسجام وتعاون ونكران ذات، لتحقيق هدف واحد، هو أن تكون كلمة الله هي العليا .
لقد تصرف العربي المسلم تصرفا فرديا لا يزال يعتبر من الأعمال الفذة النادرة في حياة البشر: تحمل التعذيب والموت صابرا راضيا مطمئنا وترك أهله وماله مهاجرا الى الله ورسوله، وضرب بمصلحة أهله الأقربين وعشيرته وقبيلته عرض الحائط حين وجدها تعارض مصلحة عقيدته العليا .
وتصرف العربي المسلم ضمن المجموع من أمته تصرفا لا يزال يعتبر حتى اليوم مفخرة من المفاخر: اندفع يجاهد في سبيل نشر عقيدته وحمايتها، فخرجت القوة المؤمنة التي اختزنتها الصحراء عبر الأجيال، تحمل راية الله سبحانه وتعالى وتبلغ عن أمره، فتتابعت انتصاراتها الباهرة، فلم يشهد التاريخ انتصارات مظفرة وفتحا مستداما مثلما شهد انتصارات الفتح الاسلامي .
تلك هي العقيدة التي جعلت العربي المسلم يقاتل قتالا مستميتا، ويضحي بروحه من أجلها .
وهذه العقيدة هي التي دفعت العربي المسلم الى التضحية والفداء، وجعلته صابرا في البأساء والضراء وحين البأس .
وهذه العقيدة هي التي قادته من نصر الى نصر .
والعقيدة أيضا من رفعت معنوياته وجعلت من الفرد العربي المسلم جندي لا يلين ومن المجموع جيش لا يقهر .
فكيف ربى الإسلام ملكة الجندية الحقة في المسلم؟
نتوقف هنا ونتابع الحديث عن الموضوع في المقال القادم إن شاء الله .
في أمان الله