كنا قد ذكرنا في المقالات السابقة التي تحدثنا فيها عن المعنويات، أن الدين عامل أساسي من عوامل رفع المعنويات، وسنحاول في هذه السلسلة تفصيل ما أجملناه من قبل .
حارب النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته العرب المشركين وانتصر عليهم، فلم يلتحق بالرفيق الأعلى الا وكانت شبه الجزيرة العربية موحدة تحت لواء الإسلام .
كان جيش النبي صلى الله عليه وسلم من العرب المسلمين في صدر الإسلام، قليلي العدد، قليلي العدة وقدراتهم الإدارية ضعيفة .
وكان أعداء الإسلام من العرب المشركين، كثيري العدد، أغنياء بالسلاح والقضايا الإدارية .
كان التفوق في العدد والعدة مع العرب المشركين على العرب المسلمين وأضح، لكن الفئة القليلة من العرب المسلمين، غلبت الفئة الكثيرة من العرب غير المسلمين بإذن الله .
وفي أيام الفتح الإسلامي، حارب العرب المسلمون الروم والغساسنة العرب في معركة (اليرموك) الحاسمة التي فتحت أبواب أرض الشام للمسلمين، وحاربوا الفرس والمناذرة العرب في معركة (القادسية) الحاسمة التي فتحت أبواب أرض العراق للمسلمين،
كان الغساسنة والمناذرة من العرب الأقحاح، وكانوا أعرق مدنية وأكثر حضارة، وأغنى مالا وسلاحا، وأعرف بأساليب القتال، وأقرب الى قواعدهم من أولئك العرب المسلمين القادمين من قلب الجزيرة العربية .
وانتصر العرب المسلمون على العرب غير المسلمين، وعلى غير العرب من يهود وروم وفرس وبربر في أيام الفتوحات الإسلامية، لا لأنهم عرب وكفى، بل لأنهم عرب مسلمون .
لقد كان انتصار العرب المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي أيام الفتح الإسلامي العظيم انتصار عقيدة لا مراء .
فما أثر العقيدة الإسلامية في إحراز النصر؟
كان العرب في الجاهلية متخلفين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا، فرفع الإسلام مكانتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية .
وكان الفرس والروم سادة العرب في العراق وأرض الشام واليمن، وحتى الأحباش كانت لهم صولة وجولة ومكانة في اليمن، فأصبح العرب بالإسلام سادة الفرس والروم والأحباش وسادة أمم أخرى لا تعد ولا تحصى من الصين شرقا الى قلب فرنسا غربا، ومن سيبيريا شمالا الى المحيط الهندي جنوبا .
كان العرب أقل حضارة ومدنية من الفرس والروم خاصة، فأصبحوا بعد الإسلام قادة الحضارة العالمية ورواد المدنية في الدنيا .
كانوا فقراء معدمين يسكنون الخيام في الصحراء، فأصبحوا بعد الإسلام أغنياء مترفين يسكنون القصور والبيوت في الحواضر على ضفاف الأنهار .
وكانوا من الناحية العسكرية لا يطمعون أن يحموا أرضهم من الفرس والروم وحتى من الأحباش، فأصبحوا بعد الإسلام لا يطمع أحد في حماية أرضه من قوتهم القاهرة التي ملأت الأرض سماحة وعدلا .
إذن كان للإسلام أثر أي أثر في العرب، بدلهم من حال الى حال، وجعل منهم أمة لها مكانتها ولها اعتبارها ولها تأثيرها في سير الأحداث الكبرى، ولها كلمتها المسموعة بين الأمم .
ولعل الباحثين المنصفين من المسلمين وغير المسلمين، يستطيعون أن يقولوا كثيرا عن أثر الإسلام في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العرب .
ولكنني سأقتصر هنا، على أثر الإسلام في العرب من الناحية العسكرية فقط، مذكرا أن العرب لو لم ينتصروا في الحروب، ولو لم ترفرف راياتهم شرقا وغربا، لما كانت لهم مكانة بين الأمم في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك يمكن القول بأن أثر الإسلام عسكريا في العرب هو الأساس الأول لمكانتهم السامية بين الأمم، ذلك لأن الدول لا تحترم غير الاقوياء. وأن القوي وحده هو الذي يستطيع أن يؤثر في سير الأحداث العالمية، سواء كان هذا التأثير هدفه الخير للعالم، أم هدفه الشر والخراب والدمار .
نتوقف هنا وسنشرح في المقال القادم بإذن الله كيف غير الإسلام العرب من حال إلى حال .
في أمان الله
\