مأرب
في معركة اليرموك في العام الثالث عشر من الهجرة 634م، قال رجل من المسلمين لخالد بن الوليد بعد أن شاهد التفوق العددي للروم: ما أكثر الروم وأقل المسلمين فردّ عليه خالد بل ما أكثر الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان ".
يقصد بذلك، أن الجيش ليس بعدده وإمكاناته بقدر ما هو بمعنوياته، والجيش الذي لا يتحلى بالمعنويات العالية لا قيمة له في الحروب، والفئة القليلة ذات المعنويات العالية تغلب الفئة الكثيرة ذات المعنويات المنهارة.
لفت انتباهي مقولة نابليون بونابارت: " قيمة المعنويات بالنسبة للقوى المادية تساوي ثلاثة على واحد" اي ان الجانب المعنوي يمثل 75٪ من قوة الجيش و25٪ للقوة المادية وهي خلاصة تجربة طويلة استخلصها من الحروب التي خاضها.
أيد مقولة نابليون كبار القادة العسكريين في الماضي، والكثير من القادة العسكريين في الوقت الحاضر.
الا أن اللواء ( فوللر) في كتابه: ( الأسلحة والتاريخ)، يخالف هذا الرأي، نظرا لاختراع الأسلحة النووية والهيدروجينية، وللتحسينات الهائلة التي طرأت على الأسلحة الحديثة وقوة تأثيرها وسهولة استعمالها جعل النسبة 50٪ لكلا منهما.
لكن ما حدث للجيش الإيطالي في الحرب العالمية الثانية رجح الكفة وجعل المعنويات عاملا حاسما من عوامل النصر.
كان الجيش الإيطالي في الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945) مجهزا بأحسن التجهيزات، ومسلحا بأفتك الأسلحة، ومنظما وفق أحدث أساليب التنظيم، ومدربا وفق أحدث أساليب التدريب، الا أن معنوياته كانت متردية بالرغم من كل ذلك، لهذا كان الحلفاء يعتبرون المواضع التي يحتلها الجيش الايطالي فراغا عسكريا، وكان ذلك الجيش يستسلم بسهولة للحلفاء في كل المعارك التي خاضها.
لقد كانت الناحية المادية في الجيش الايطالي متميزة أداء، لكن ضعيفة معنوياً، لذلك لا يمكن اعتباره جيشا ذا قيمة عسكرية ضاربة، وما يقال عن الجيش الايطالي، يقال عن كل جيش قديم أو حديث، لا يتحلى بالمعنويات العالية.
في الحروب القديمة التي خاضتها الشعوب قبل الحرب العالمية الثانية، كان الجيش هو المسؤول الأول والأخير عن إحراز النصر.
أما في الحروب الحديثة، ابتداء من الحرب العالمية الثانية، فقد أصبحت الحرب جماعية مجتمعية تحشد لها الحكومات والدول كل طاقاتها المادية والمعنوية، لذلك أصبح الشعب كله مسؤولا عن إحراز النصر وليس الجيش وحده، بالرغم من أن الجيش النظامي يبقي رأس رمح في الحرب.
الحروب الحديثة يلزم مشاركة كل قادر على حمل السلاح في الحرب ودعم المقاتلين بكل طاقات الشعب المادية والمعنوية، أي ان الشعب كله – لا قواته المسلحة وحدها – في الصفوف الأمامية، خاصة بعد تطور سلاح الجوية واختراع الأسلحة النووية أصبح كل مكان في البلاد ساحة حرب، لا تقل أهميةً وخطراً عن الجبهة الأمامية في ميدان القتال.
لذلك أصبحت أهمية المعنويات العالية للشعب كأهميتها للجيش سواء بسواء.
كما أن الجيش من الشعب، فإذا كانت معنويات الشعب عالية، كانت معنويات الجيش عالية والعكس صحيح.
ما هي المعنويات؟
هذا السؤال سنجيب عليه في المقال القادم بإذن الله