كم كان فخرنا كيمنيين، شماليين وجنوبيين بالتعددية السياسية، والهامش الديمقراطي، والانتخابات والاستفتاء، كان الشعب في حراك سياسي ايجابي، وكان الوعي الجماهيري يتشكل شيئا فشيئا، ويتفهم مصالحه، كان الشعب يجد في الممارسة الانتخابية فرص لكشف عورات النظام، وتجريده من قوته، وانهيار جبروته، كان عام 2006م انتصار عظيم للديمقراطية اليمنية، رغم الانقلاب على النتائج، رسالة شعبية قوية للنظام.
وكان الحرك السياسي والثوري نتاج لذلك المخاض، ثورة فبراير المولود العظيم لذلك المخاض وذلك الوعي الذي اختار السلمية كقوة هدت جبروت وطغيان النظام، نضال السلمية اسلوب لا يتقنه الطغاة، ويحيكون المؤامرات لفرض العنف، لإيجاد مبررات القمع، في ظل الوعي كلما حاول النظام جر الناس للعنف يفشل.
مشهد ثوري اوجد قلق لدى الانظمة القمعية بالإقليم والجوار، وكان التدخل بحجة التسوية في ظاهرها وباطنها إنقاذ النظام، وقلب الطاولة على الجميع، والقضاء على السلمية، لفرض العنف كواقع، يدفع بقوى العنف تتسيد المشهد، ويهمش قوى الثورة.
وبدأ المشهد بدعم الحوثي، مع وضع خطوط حمراء، تجاوزها وتمرد، وتطورت الحالة لتدخل عسكري، اشك في طلب الشرعية لهذا التدخل، وانتقلت المعارك للجنوب، وزاد قلق الاقليم من مشهد الحرب بعدن، شباب في مقتبل العمر، مقاومة شرسة وروح وطنية عالية وحدتهم أرضهم وكرامتهم وسيادة وطنهم، فكان لابد من اعادة صياغة تلك المقاومة بما يبدد قلق الإقليم.
تدخل سافر في توظيف المقاومة، وفرزها وفق ما يمكن توظيفه والعصي على التوظيف، لتشكيل كيان فتنة بأدوات تخدم أجندات تلك الفتنة، ومن روائع ابن خلدون في مقدمته (لا تولّوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء والتآمر على وطنهم).
نثروا المال, وتهافت عليه الضعفاء, فاختار منهم القادة, وتم تشكيل مليشيا ذات انتماء مناطقي ومذهبي, وبدأت حالة من الانقسام, واعادة الروح لثارات قديمة ومنعطفات الماضي, وتغذية التناقضات, وتحويل القضية الجنوبية, من حراك سلمي, وقضية عادلة, الى عنف وقتل وتصفية حسابات وكراهية وعنصرية, وفتح السجون السرية, والبدء بمسلسل الاغتيالات, ثم النفير يقتل الأخ أخاه, في شرخ نسيج المقاومة الجنوبية والمجتمع الجنوبي, لتحويل الجنوب لجبهة تأكل ابنائها, وفتح مجال للعبث من نهب وسطو وبسط وطغيان, وحال عدن اليوم, وسقطرى وما يجري بالمهرة العصية عليهم, ومعارك ابين شريان النزيف الدامي للجنوب, وتدخل الطيران الإماراتي لإنقاذ ادوات الفتنة, ودعمها بأحدث الاسلحة والطيران المسير, الذي قتل وجرح من خيرت شباب الجنوب.
جريمة يرتكبها التحالف الإماراتي السعودي مع سبق الإصرار والترصد، بتعطيل الموانئ، والاستحواذ على مصادر الثروة السيادية، ودعم العصابات للاستحواذ على إيرادات اليومية، الضرائب والجمارك، ثروة البلد تنهب وتستباح، والريال يهبط، الغلاء يستفحل، وكل ما يتعلق بالدخل القومي معطل ومجمد، لتبقى الشرعية عاجزة عن ادارة موارد البلد وبالتالي تعجز الايفاء بالاستحقاقات، وتبقى متسولة للتحالف، ودون سيادة ولا ارادة، وهي اليوم مرتهنة، ومحجوزة في فنادق الرياض وأبو ظبي.
اليوم المشهد أكثر وضوحا من ذي قبل، الفتنة تستفحل بشدة الالم والوجع والقهر، والوطن يتجزأ، وفاقد للسيادة والارادة، والمواطن بدون كرامة، حتى أدواتهم تهان وتداس بالأقدام مقابل دراهم مدنسة، ونزيف دماء شبابنا يتدفق دون رحمة ولا افق، لخدمة هذه الفتنة.
مشهد يستدعي ضمائرنا وطنيتنا شرفنا وكرامتنا، لوقف هذه الفتنة وشر التحالف المستطير، مصالحنا مشتركة في وطن يستوعبنا جميعا، الدولة الاتحادية هي الحل الناجع لوقف هذا الشتات والمهانة، وقف نزيف الدم والعداء والخصومة والكراهية، ووقف تدهور الاقتصاد، والبدء بعملية الإصلاح والتنمية.
ما أمسنا اليوم لتسوية الملعب السياسي، وانتخاب ديمقراطي واستفتاء يقول الناس رأيهم بكل شفافية ووضوح دون مواربة، حينها يمكن أن نجعل من الاختلاف نعمة والخلاف ثراء نغني فيه الحياة السياسية والفكرية، ونحسم صراعاتنا بطرق سلمية مكفولة دستوريا، وتكفلها المواثيق الدولية في إطار حفظ السيادة والكرامة، والله الموفق.