الفعالية التي شهدتها محافظةُ شبوة اليوم جنوب اليمن أرسلت العديدَ من الرسائل الهامة في العديد من الاتجاهات، وحريٌّ بالجميع أن يستوعبها، بالذات في هذا التوقيت الحرج بالغ الحساسية الذي يمرّ به اليمنُ والمنطقة بشكلٍ عام، التوقيت الذي يشهد عودةً لدوران عجلة اتفاق الرياض من جديد، بعد جهودٍ مُضنيةٍ من الشقيقة الكبرى، وتَفهّمٍ وتغليبٍ للمصلحة الوطنية العليا من القيادة الشرعيّة الدستورية، وعودةٍ محمودةٍ من الاخوةِ في المجلس الانتقالي الجنوبي للاصطفاف مع المشروع الوطني لدحر الانقلاب الحوثي الإيراني الذي يهدد الجميع، لقد بثّ كلُّ ذلك الروحَ وأجلى الصدأ عن تروس الاتفاقِ التي صدأت لحينٍ من الزمن، وأدار مجدداً دواليبه التي أجاد المعطّلون وضعَ العصا فيها مراراً وتكراراً.
لقد أعادت فعاليةُ شبوة التوازنَ المفقودَ للشارعِ الجنوبي، الشارع الذي من الطبيعي والواقعي أن تتعدد فيه المشاريعُ والآراءُ والأفكار، كغيره في كل البلدان والمجتمعات، فكما أن هناك قطاعٌ كبير في الشارع الجنوبي يرى الانفصالَ حلاً لقضيّته وبلسماً لمعاناته الطويلة، فهناك قطاعٌ آخر كبير يرى أن اليمن الاتحاديّ ومشروعه المستقبلي الواعد هو المخرج الآمن من كل هذه المعاناة والألم الذي طال، وبينهما ومعهما آراء أخرى لها من ينتمي لها ويتبناها. وتبقى الرسالة الواضحةُ بلا لبسٍ التي بعثتها الجموعُ الشبوانية أنّهُ لم يعد لسياسةِ الفكرِ الواحدِ واللونِ الواحدِ والرأي الواحدِ والصوتِ الذي لا يعلو فوقه صوتٌ مكاناً أو قبولاً، بل هي حريّة التعدّد الفكريّ والسياسي، وحريّة التعبير عنه، وثقافة الرأي والرأي الاخر، وسلوك التعايشِ في ظل الاختلافِ والتنوّع، ونبذ ثقافة التخوين والرمي بكل أنواع الاتهامات لكلّ مخالف.
كما أنّ شبوةَ بفعاليتها، وقد سبقتها في ذلك فعاليات مودية أبين والمهرة وسقطرى، نسفت الادعاء بالتمثيل الشرعي والوحيد لشعب الجنوب، الأكذوبة التي حاول الكثيرُ الترويجَ لها محليّاً وإقليميّاً ودوليّا، بل وأصبحت مصدر مشروعيتهم بما أسموه التفويض الشعبي، وصدّقوها أو حاولوا تصديقها حتى أصبحت بالنسبةِ لهم وكأنما هي صكّ التملّك للجنوبِ وشعبه العظيم وقضيته العادلة بل وتاريخه ونضاله ورموزه.
لقد أعادت شبوة اليوم الألقَ للصوتِ الجنوبي الهادر، وانتصرت لقضيّة الجنوب العادلة، وأقولها بكل تأكيد أنها أعادت القضية الجنوبية والحق الجنوبي المسلوب إلى مساره الصحيح أو تكاد، وعلى الأسس التي تأسس عليها النضالُ والحراكُ الجنوبي الأصيل، نضالاً سلمياً وطنياً يراعي المصالح العليا للوطن والمواطن، حراكاً يجمع الكلمة ولا يفرقها، ويصون الدماءَ والأموالَ ولا يهدرها وينهبها، ويحفظ الدولةَ ويصون مؤسساتها ولا يهدمها، ويؤمنُ بالتنميةِ والبناء.
كما أنّ شبوة أكّدت اليوم على ضرورة التلاحم والتكاتف مع من يحملون ذات القضية والأهداف المشتركة على صعيد الجنوب خاصة واليمن عامة، فعلى صعيد الجنوب هي دعوة لكل المكونات والهيئات والشخصيات الجنوبية التي لكلّ منها دوره النضالي المشهود به، كي تتكاتف في سبيل الانتصار للقضية الجنوبية العادلة وفق رؤيّة واقعية عقلانيّة سلميّة، تضمن الوصول لأهدافها السامية، وتحميها من نزق المغامرة والمقامرة الذي خسرت بسببه القضية الجنوبية الكثير، كما أنه وعلى مستوى اليمن ينبغي أن تتوحد كل الجهود ويُعاد توجيه البوصلة نحو المليشيات الانقلابية الحوثيّة التي تحمل المشروع الفارسي التوسعي وتمثّل الخطر الداهم القادم من خلف الحدود يحمل الشرّ والدمار لليمن والمنطقة برمّتها.
وبعد كل تلك الرسائل التي بعثتها (شبوةُ) اليوم إلينا، وكسرت بها احتكار الشارع من قبل تيارٍ أو فكرٍ او اتجاهٍ بعينه، إلاّ أنّي اودّ أن أتوّج تلك المجموعة الشبوانية الجميلة برسالة إضافيّة في غاية الأهمية، وهي أن الشارع على أهميته لا ينبغي أن يكونَ على الدوام وسيلة التنافس الوحيدة بيننا كأحزابٍ أو نُخبٍ سياسيّة وفكرية، بل ينبغي ان يكون التنافس بين الجميعِ محموماً في تقديم وابتكار المشاريع والبرامج التي يمكن ان نقدمها للجمهور خدمةً للوطن وقضاياه السياسية والتنموية والخدميّة، فالشعب يريد الحياة بأمنٍ واستقرار، والعيش بحريّة وكرامة، وذلك كل ما يريد.
إنّ الوطنَ والمواطنَ بحاجةٍ إلى من ينهض به ويرتقي، لا من يبقيهِ زاحفاً من مليونيّةٍ إلى أخرى وإن كان الالتفافُ الشعبي خلف قضايا الوطن يبقى واجباً مطلوبا.
سلامٌ لشبوةَ .. سلامٌ لرجالها الأوفياء ..
عادل محمد باحميد