قال مصطفى صادق الرافعي:
بلادي هواها في لساني وفي دمي
يمجّدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خيرَ فيمن لا يحبُّ بلادَهُ
ولا في حليفِ الحبّ إن لم يتيّم
وقال الشاعر الصقور:
سكبت أجمل شعري في مغانيها
لا كنت يا شعر لي إن لم تكن فيها
هذي بلادي ولا طول يطاولها
في ساحة المجد أو نجم يدانيها
ومهرة العرب الاحرار لو عطشت
نصب من دمنا ماء ونرويها
الوطن هو المكان الذي يعيدنا إلى ذكريات الطفولة، ويذكرنا بحنان الأمهات، ويشعرنا بأمان الآباء، وحب الأجداد،
الوطن هو المكان الذي إحتضن أحلامنا وأمنياتنا ورسمنا فيه آمالنا،
الوطن هو المكان الذي يجسد الدفء والأمان، كيف لا وقد غُرِس حبه في قلوبنا منذ الصغر.
حبنا لأوطاننا لا يحتاج إلى تعلّم أو تكلّف، فمن منا لا يحب المكان الذي إليه ينتمي والذي يعبر عن كيانه، حب الوطن يأتي بالفطرة ليس للإنسان يد فيه.
بين الله تعالى في القرآن الكريم حب الأوطان وموقعها في القلوب،
قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء: 66].
فقد ساوى الله تعالى بين قتل النفس والخروج من الأوطان وأخبر تعالى بمقدار الألم الذي يجده الإنسان عند خروجه من وطنه مثله مثل الألم الذي يجده عندما تخرج روحه من جسده.
وقد نسب الله تعالى الأوطان إلى ساكنيها دلالة على تملكها: قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: 40].
ولو اقتنع الناس بارزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما شتكى العباد قلة الأرزاق لأن الناس بأوطانهم أقنع منهم بأرزاقهم.
وفي الحديث:
عن عائِشة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ؛ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ دِيَارِنَا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعد الله ويخرج من رحمته على من أبعده وأخرجه عن وطنه.
ولما اشتد شوق الصحابة حتي أن بعضهم مرضوا من شدة شوقهم وحنينهم إلى وطنهم (مكة) دعا صلى الله عليه وسلم ربه فقال: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ».
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَه: «وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِليَّ»
في بلادنا اليمن وفي بعض الدول العربية التي تتشابه فيها الأحداث، تسلط الظلم والبغي والتمرد والتآمر وتجريف الهوية وتحريف المعتقد وفرض الأفكار الدخيلة بالقوة وفقد الناس الأمن والأمان والاستقرار، كل تلك الأحداث والنوازل اضطرت الكثير لمفارقة أوطانهم والبحث عن وطن مؤقت يجدون فيه ما فقدوه.
الوطن دائما مخلص لساكنية يبكي فراقهم ينادي عليهم ويقول أنا لم اخرجكم الذي اخرجكم من احتل مكانكم وينوي طمس ماضيكم ومصادرة حاضركم.
وقد تضيق أخلاق الرجل فيظن أن وطنه قد ضاق به، والحق كما قال الشاعر قديماً:
وَرَبُّكَ مَا ضَاقَتْ بِلَادٌ بِأَهْلِهَا
وَلَكِنَّ أَخْلَاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ
من خرج من وطنه لا يمكن أن يجد ذاته في مكان آخر ويجد نفسه دائم الشوق والحنين إلى موطنه ، وحاله يقول:
شَوْقٌ يَخُضُّ دَمِي إِلَيْهِ،
كَأَنَّ كُلَّ دَمِي اشْتِهَاء
جُوعٌ إِلَيْهِ... كَجُوعِ دَمِ الغَرِيقِ إِلَى الهَوَاء
شَوْقُ الجَنِينِ إِذَا اشْرَأَبَّ
مِنَ الظَّلَامِ إِلَى الوِلَادَه
إن أمن واستقرار الأوطان نعمة عظيمة بها تعمر المساجِد، ويرفع الأذان، ويأمن الناس على دِمائهم، وأموالهم وأعراضهم،.
باستقرار الأوطان وأمنها ترد المظالم لأهلها ويُنْتصر للمظلوم ويردع الظالم، وتقام الشعائر، ويرفع شأن الدين من فوق المنابرِ، ويَجْلِس العلماء للتعليم ، ويرحل الطلاب لطلب العلم، وَيُزار الْمَرْضَى، وَيُحتَرَمُ الموتى، ويرحم الصغير، ويحترم الكبير، وتُوصَلُ الأرحام، وَتُعرف الأحكام، ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكرَِ، ويكرَمَ الكريم، ويعاقب اللئيم. وعلى كل حال بأمن الأوطان واستقرارها استقامة أمر الدنيا والآخرة.
على الرغم من أنّ حب الوطن غير مرتبط بدين أو قانون، فهو حب مزروع في قلوبنا منذ الصغر، فكيف يفرّط الإنسان في أرضه وفي وطنه الذي يجد فيه كرامته ورفعته كما لا يجدها في مكان آخر؟!
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الصَّلَاةُ والصِّيَامُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ فَقَطْ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَاتَّقِ اللهَ فِي عِبَادَةِ مَوْلَاكَ، لَا تُفَرِّطْ فِيهَا، وَاتَّقِ اللهَ فِي إِخْوَانِكَ لَا تُؤْذِ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَاتَّقِ اللهَ فِي بَلَدِكَ، لَا تَخُنْهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ وَلَا تُهْمِلْ فِي صِحَّتِكَ، وَلَا تَتَخَلَّقْ بِسِوَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ».
اتَّقِ اللهَ فِي وَطَنِكَ:
اتَّقِ اللهَ فِي وَطَنِكَ، لَا تَخُنْهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَلَا تَدْفَعْهُ إِلَى الْفَوْضَى وَالشِّقَاقِ والاحتراب.
ونحن بدورنا نرفع صوتنا عالياً ونقول:
اتق الله يارئيس الجمهورية في طنك فأنت المسؤول الأول عن الوطن وبيدك الحل والربط وبيدك القدرة على بناءه وبيدك تهدمه وسيسألك الله عن كل كبيرة وصغيرة فقف وراجع نفسك فأنت أدرى الناس بمواضع الخلل.
اتق الله يا نائب رئيس الجمهورية في وطنك فمسؤليتك كبيرة وعظيمة تجاه وطنك وسيسألك الله كذلك.
اتق الله يارئيس الوزراء فأنت المدير التنفيذي للدولة وبيدك تشّيد وبيدك تهدم.
اتقوا الله في وطنكم أيها الوزراء والوكلاء والمدراء والموظفون فكل واحد منكم مطالب بقدر مسؤوليته.
اتقوا الله يا وزير الدفاع ويا رئيس الأركان في وطنكم فنحن في حالة حرب والمسؤولية عليكم جليلة فأحسنوا إدارة المعركة، اتقوا الله في وطنكم واعملوا على توفير السلاح والعدة والعتاد والمأكل والمشرب للمعركة وطالبوا ووفروا للجندي راتبه الشهري.
اتقوا الله في وطنكم ياقيادات الأولوية والكتائب والسرايا فمهمتكم عظيمة والتقصير فيها جد خطير.
اتقوا الله ياقادة المقاومة الشعبية والمشايخ وياقادة الرأي في وطنكم فأنتم المحرك لشعبكم.
اما الحوثي فلا ينفع معه طلب ولا دعاء فما فعله منذ ست سنوات من تدمير للوطن واشعال الفتن والحروب سفك الدماء وتدمير البنى التحتية وافقار المواطنين وتجويعهم، يثبت بما لا يدع مجالا للشك انه لا ينتمي لهذا الوطن ولا يحبه،
إِنِّي لِأَعْجَبُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَخُونَ الْخَائِنُونَ؟!!
أَيَخُونُ إِنْسَانٌ بِلَادَهُ؟!!
إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ،
فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟!!
الحوثي لايرتدع من تذكير، ولاترده قيم ولا قبيلة، ولا يتوقف عند مظلوم، ولا يرحم صغير، ولا يقدر كبير.
أختار الحرب فهي الحرب إذاً والجيش الوطني والمقاومة الشعبية لها.
المسؤلية كبيرة على الشعب اليمني بشكل عام وعلى قيادة الشرعية بشكل خاص في توجيه إمكانات وموارد الدولة نحو المعركة لدعم الجيش والمقاومة الشعبية لأجل إعادة الأمور إلى نصابها، وإنها حقبة التمرد والإنقلاب في الشمال والجنوب، واحياء الدستور وسيادة القانون وتأمين البلاد واستقرارها، وإعادة المهجرين قسراً والنازحين إلى وطنهم وبيوتهم وأموالهم.
أَرَى الحوثي يَلْهُو بِحَدِّ السِّلَاحِ
وَيَلْعَبُ بِالنَّارِ وِلْدَانُهَا
وَرَاحَ بِغَيْرِ مَجَالِ الْعُقُولِ
يُجِيلُ السِّيَاسَةَ غِلْمَانُهَا
وَمَا الْقَتْلُ تَحْيَا عَلَيْهِ الْبِلَادُ
وَلَا هِمَّةُ الْقَوْلِ عُمْرَانُهَا
وَلَا الْحُكْمُ أَنْ تَنْقَضِي دَوْلَةٌ
وَتُقْبِلَ أُخْرَى وَأَعْوَانُهَا
وَلَكِنْ عَلَى الْجَيشِ تَقْوَى الْبِلَاد
وَبِالْعِلْمِ تَشْتَدُّ أَرْكَانُهَا
في أمان الله.