حزمنا أغراضنا استعداداً للصعود إلى عرين الأسود في قمة جبل هيلان وما أدراك ما جبل هيلان!
قمم تجاور السماء، شامخة باسقة، تحكم من أسفل منها وتحميه في نفس الوقت.
قبل أن نتحرك تلى علينا دليلنا المخاطر المحتملة التي سنواجهها خلال رحلة الصعود إلى قمم جبل هيلان مشياً على الأقدام وحدد لنا الطريق الذي سنصعد منه وشرح لنا طريقة الصعود وكيف نتصرف إذا شعرنا بالخطر والى ذلك من الاحترازات الأمنية ضماناً لسلامتنا.
استعنا بالله وتبعنا الدليل وبدأت رحلة الصعود وكل واحد منا يحمل سلاحه وعتاده.
في تلك اللحظات تتجلى للإنسان حالة من الصفاء الروحي والقرب من الله تعالى وزول الخوف ينتج عن ذلك الهمة والنشاط.
كلما صعدنا أكثر وبدأ التعب يسري في أجسامنا تذكرنا الأسود كيف تعاني وتذكرنا جلدهم وصبرهم وإصرارهم فتتجدد فينا الحيوية والنشاط ونشعر أكثر وأكثر بالرغبة الملحة في الوصول إلى القمة.
خلال رحلة الصعود كنا نتبع الدليل إذا جرى جرينا وإذا سمع صوت ازيز الرصاص يمر من فرق رؤوسنا سكن وجلس ونحن نقلده في كل حركة حتى تجاوزنا مناطق الخطر بفضل الله، تابعنا مسيرة الصعود حتى وصلنا..نعم وصلنا إلى عرين الأسود وحققنا هدف عظيم من أهداف زيارتنا.
هنا يا سادة لا يكفى النثر ولا يكفي الشعر لوصف عرين الأسود مهما قلنا ومهما كتبنا فالشعور الذي لامس أرواحنا من الصعب ترجمته على ورق.
وجدنا العرين (الخطوط الأمامية) في مواجهة للعدو مباشرة ليس بينهم سوى مئات الأمتار فقط.
شاهدنا المتارس والحصون التي يتحصنون بها الحقيقة أنها معدة بطرق عسكرية حصينة الخطأ غير وارد فيها ويصعب على العدو اختراقها.
أطلينا على مواقع العدو وشاهدناها عن قرب شاهدنا كذلك التضاريس المدهشة والمرتفعات العالية والوديان السحيقة والتباب تلو التباب قلت في نفسي هذا بلاء من الله ليس بعده بلاء فالحمدلله لله على تقديره وقضائه.
الملاحظ أننا لم نشاهد أي حياة في العرين فسألت الدليل أين الأسود فضحك وقال هل تعتقد أننا لو لم نبلغهم بمجيئنا هل كانوا سيدعونا نصل إلى هذا المكان؟ قلت إذا أين هم قال سانادي عليهم فنادى عليهم فاذا بنا نشاهدهم يخرجون من مخابئهم كخروج الأسود من عرينها منظرهم العام يخيف العدو ويرهبه حفاة الاقدام مكشوفي الرؤوس بعضهم لم يجد الوقت لحلاقت شعره أو تقصيره ملابسهم بسيطة ولكنهم حينما وصلوا وسلموا علينا وجدنا الإبتسامة تعلو محياهم والحيوية والنشاط ظاهرة عليهم، ألسنتهم يقطر عسلا حديثهم يعكس الهمم العالية التي تختبئ بين جوانحهم، كل أسد منهم يشعر أن المعركة معركته وحده، متآلفين فيما بينهم، يسودهم الحب وزمالة السلاح، كل أسد منهم يذود عن صاحبه ويحميه في ساعة الوغى.
حينما رأيتهم تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليهم تماماً
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ " قالوا الله ورسوله أعلم. قال " أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء ونسلم عليهم؟ فيقول إنهم كانوا عباداً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء - قال - فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } "
ثم تذكرت قول الشاعر
دعاهمو الوطن الغالي فما بخلوا
وأبخل الناس من يُدعى ولم يُجب
ليوث غابٍ إِذا ما ضويقوا وثبوا
وأي ليث لدفع الضيق لم يثب
لهم نفوس إِذا حركتها اضطرمت
بعد السكون اضطرام الماء في اللهب
سألت أسد منهم قلت له
متى؟
فرد علي مباشرة 15 يوم ونحن في صنعاء إن شاء الله شرط أن يصدقو النية.
وحدثني أسد آخر قال ليست مشكلتنا مع العدو فالعدو ضعيف! لكن مشكلتنا قرارنا لم يتخذ بعد ولا ندري مالسبب!
قلت لأحدهم أريد أن أرى أين تنامون وكيف تأكلون وكيف تشربون فأمسك بيدي وجرني حتى أدخلني في في أحد المغارات التي ينامون فيها وهي مغارات كثيرة بعضها طبيعية والأخرى بنوها بسواعدهم، حينما دخلت تفاجأت بما رئيت فاعتصرت نفسي ألماً! سالته هل تناموا هنا قال نعم قلت أين الفرش والغطاء قال الكثير منّا ليس معه فرش ولا معه غطاء! فقلت في نفسي لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فتذكرت قول الشاعر الإِسلامي البطل ((عمير بن الحمام)) الأنصاري:
ركضا إِلى الله بغير زاد
إِلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
وتذكرت قول الشافعي رحمه الله
تَموتُ الأُسدُ في الغاباتِ جوعاً
وَلَحمُ الضَأنِ تَأكُلُهُ الكِلابُ
وَعَبدٌ قَد يَنامُ عَلى حَريرٍ
وَذو نَسَبٍ مَفارِشُهُ التُرابُ
فسألته ماذا تحتاجون من متعلقات شخصية (ملابس، فراش - أحذية وغيرها) حتى تعينكم على الصمود فرد علي بعزة نفس وأنفه وكبرياء مقاتل لاشيء! سنتدبر أمرنا حتى نحرر أرضنا ونعود إلى بيوتنا وأموالنا!
هذا الجواب ليس جوابا عاديا ابداً إجابته زلزلت كياني فاختلطت عندي مشاعر الألم والحزَن بالفخر والعزة،
إجابته تدل على والهم والقيمة الذي يحملها هذا الأسد، فحمدت الله تعالى أن جعل جيشنا الوطني يعج بهذه النماذج.
إِنا لنُرخص يوم الروع أنفسنا
ولو نسام بها في الأمن أغلينا
شعثٌ مفارقنا، تغلي مراجلنا
نأسو بأموالنا آثار أيدينا
ونركب الكُره أحيانًا فيفرجه
عنا الحفاظ وأسياف تواتينا
أسمع ويسمع الجميع دائما إعلام الحوثي يطلق علينا وعلى الجيش الوطني التهم تلو التهم، لم يدع لفظ من الألفاظ السيئة الموجود في قاموس العربية الا حاول الصاقه بهم وآخرها تهمة(مرتزقة)!
يشهد الله انني نقلت لكم صورة مصغرة من الواقع لطريقة الحياة التي يعيشها الأبطال في الجبهات عايشتها بنفسي ولمستها ورائيتها بعيني، أسألكم بمن دانت له السماوات السبع والأراضين السبع هل الصورة التي نقلتها لكم من عرين الأسود ينطبق عليها وصف مرتزقة؟
سادع الإجابة لكم؟
لم استسلم فسألت مسؤل الموقع عن احتياجاتهم الضرورية، فقال:
الافراد يحتاجون إلى بيجامات وبوت عسكري أو حتى مدني وجاكيتات للمطر وفرش وأغطية(بطانية ولحاف) وناموسيات.
هذه الاحتياجات التي استطعت انتزعتها منهم انتزاعاً.
الى هنا اتوقف والقاكم في الجزأ الثالث ان شاء الله.
ملاحظة حدث خطأ في كتابة التاريخ للجزأ الأول الأصل 2 أغسطس وليس3