-#(وسائل التواصل) تشتمل - ولاشك - على مصالح ومفاسد لا تخفى، والقاعدة الفقهية :(أن ما تمحضّتْ - خلصت - مصلحته، أو زادت على مفسدته فجائز، وأماماتمحضت مفسدته أو زادت على مصلحته فلا يجوز)، وبالتالي فإن الحكم يختلف باختلاف الشخص والحال والاستعمال.
-# (ترشيد) استعمال هذه الوسائل في الوقت والمضمون هو مقتضي العقل والحكمة ؛ إذ صار من الصعب منعُها عن أنفسنا وأولادنا؛ كونها صارت حاجةً ملحةً أو ضرورةً أحيانا، مما يستلزم تقوية المناعة(بالتربيةالشاملة) بعد صعوبة المنع في زمن الفضاء المفتوح.
# (الجوال) يعتبر من أهم وسائل التواصل. ولعل (رسائل الواتس) من أهم مصالح الجوال وأكثرها انتشاراً؛ لما فيها من تحقيق واجبات (صلة الرحم والأخوة الايمانية وتعميق الجوانب الايمانية والوعظية والعلم والوعي والمعلومات العصرية المختلفة في مجال العلم والصحة وغيرها وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية والأسرية من سؤال ومساعدة وتهنئة وتعزية وغيرها)؛ ف(الإنسان مدني بطبعه)، ومن الصعب والضرر عزله عن مجتمعه.
-# رسائل الجوال (سلاحٌ ذو حدّين) فقد تكون نعمةً أو نقمةً، منحةً أو محنةً، وذلك بحسب مراعاة الآداب والقيود العلمية والأخلاقية والأمنية. وقياما بواجب النصح والترشيد حسب العلم والإمكان، فقد رأيت التنبيهَ على أهمها وهي كالتالي :
١) ضرورة تخصيص (مشرف) أو أكثر للجروبات و(جهة شرعية واعية معتدلة) لمراقبة الضوابط وأداء واجب النصح والتقويم.
٢) ضرورة (حسن اختيار الأعضاء) بمراعاة معايير حازمة، واتباع أسلوب الحظر لهم بعد التنبيه لهم أكثر من مرة(لاضررَ ولاضرارَ).
٣) التزام (فقه وأدب الحوار والخلاف والنقد) ، بأن يكون بعلم وعدل وأدب وتثبت، ومنع أساليب السخرية والتعالم والتعالي بنصب البعض نفسه متعقبا للمنشورات بغير تكليف ولافهم وربما مع عدم حسن النية والأسلوب، كما ينبغي تحري أن يكون النصح للمخطئ في الرسائل الخاصة ما أمكن إلا لمصلحة أكبر.
٤)ضرورة تجنب (المخالفات الشرعية) ، ومنها ايراد (الأحاديث الضعيفة والموضوعة) و (المواعظ والأحكام الفقهية والمعلومات السياسية والمفاهيم الخاطئة) المخالفة للشرع والعقل والواقع، ويمكن ذلك من خلال التثبت منها بالرجوع إلى المختصين، لاسيما حيث نحن في زمن فن الإشاعات والتزوير والفوتشوب.
٥) الحزم في (منع كل ما يتضمن مخالفة القوانين والأنظمة المتبعة)؛ لما قد يكون فيه من مخالفة الشرع أو الضرر بتعريض النفس ومشرف القروب واعضائه للمساءلة الأمنية والعقوبة القانونية، كالقدح في الانظمة والقوانين أومدح خصومها السياسيين أو التهور في ذم الدول المتحالفة معها أو نشر الشائعات السياسية والصحية كالمتعلقة بالأوبئة.
٦) ترك (الخوض فيما لانحسنه، أو مالا فائدة منه أو مايترتب عليه الضرر) من أمور السياسة خاصة ؛ حيث صار الأكثرون خبراء عسكريين واستراتيجيين ومحللين سياسيين بغير علم، مع عمق هذه العلوم، وإدراكنا بأنه لاحول لنا ولاقوة في التغيير السياسي إلا إيغار الصدور والعداوات والإضرار بالنفس، مما يستلزم إحالة هذا الباب الحساس والمفصلي لأهله المختصين ف(الفتاوى والمواقف السياسية ربما كانت أعم أثرا وخطرا من الفتاوى الفقهية) فتنبه!! وبغض النظر عن الحكم على ثورات ٢٠١١م فيكاد (يتفق الجميع على أنها لم تكن محسوبة الإمكانات ولا مدروسةالعواقب حيث (لامراكز بحوث و دراسات شرعية ولا سياسية ولاإحصائيات).
٧) منع الدخول في (المهاترات السياسية والصراعات والعصبيات العنصرية) : الحزبية والمذهبية والقبلية والمناطقية ، والحرص في المقابل على كل ما يسهم في (جمع الكلمة وحفظ أمن البلدان وسيادتها) والذي يتأكد في مثل الظروف الحرجة التي تمر بها المنطقة.
٨) عدم الإخلال ب(ثوابت الدين والقِيَم والأخلاق والأوطان، أو تأييد أعمال العنف و دعاة الفتنة والفرقة والفوضى والبدع والشرك والخرافات).
٩) الحذر من آفات (الرياء والعجب وحب الظهور) في الكتابة لغرض المكانة والتملق والمناصب، وكذا الهوس في إبراز الصور الشخصية والعائلية للناس، ومنها التفاخر بالصور الخاصة من الأطعمة والمنزل والسيارة ومنها أداء مناسك الحج والعمرة لغير حاجة ؛ إضافة لما قد يترتب عليه من إحباط العمل، وجرح مشاعر الآخرين المفتقدين للخدمات الأساسية) مما قد يستثير لديهم نوازع الحسد وسوء الظن .
فرحٌ هنا وهناك قام المأتمُ
بيتٌ ينوحُ وآخرٌ يترنمُ.
١٠) فشو ظاهرة (الإطراء في المدح والمجاملات) في مدح المنشورات وكاتبيها؛ لقصد التملق أو التعصب أو لغرض نيل مبادلة المدح بمثله؛ وقد صح عند البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سَمِع مَدْح المادح علّق عليه بقوله: (وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، مِرَارًا)وعند أحمد بإسناد صحيح(إياكم والمدح فإنه الذبح) وعند مسلم (أهلكتموه) وصح عند مسلم أيضا :(إذا رأيتم المداحين فاحثوا على وجوههم التراب) إشارة إلى الرد والحرمان والخيبة والخسران.
وإنما جاز المدح بشروط ذكرها العلماء اعتبارا من النصوص والمقاصد: أن يكون (للحاجة وبصدق وعلم وغير إفراط وأمن الفتنة على الممدوح).
١١) منع صور النساء المتبرجات والموسيقى - الظاهرة، ولاأقل من مراعاة رأي الآخرين ومشاعرهم والاحتياط والبعد عن الشبهات.
١٢ ) عدم الإكثار من الرسائل الوعظية خاصة، وقد علل ابن مسعود امتناعه عن الإكثار من الوعظ بقوله :(كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوّلُنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السآمة علينا) رواه البخاري.
فالذي يظهر اختلاف الموعظة عن العلم؛ لأن الجاهل يستشعر في الموعظة علو مرتبة الناصح عليه والتوبيخ له، فربما قابلها بعكس مقصودها، بالملل والرفض والتحدي.
١٣ ) لامانع من تضمن المشاركات لموضوع (الاستعلامات والخدمات العامة) و (الترويح عن النفس والتخفيف من ضغوط الحياة بالمزاح والدعابة ) المنضبطة البعيدة عن الاسفاف وخوارم المروءة؛لما ثبت في صحيح الجامع من أن (أفضل الأعمال إدخال السرور على أخيك المسلم) ، حيث تشتد الحاجة لها في مثل ظروفنا الحرجة لما فيه من تخففيف الهموم والأحزان،وقد ذكر ابن حزم عن أبي الدرداء قوله :(إني لأستجمُّ(أريح) نفسي بشيءٍ من اللهوِ لأتقوَّى بذلك فيما بعدُ على الحقّ).
١٤ ) الحذر من المبالغة في تضييع الأوقات حد الهوس والإدمان في متابعة رسائل الواتس والانشغال به في المجالس لاسيما المهمة، بحيث تطغى على حقوق الله والنفس والزوجة والأولاد والعمل والعلم ، قال الأديب ابن المقفع : (مارأيت إفراطا إلا ووراءه حقْ مضيّعٌ)؛ فضلا عن مشاهدة الصور المحرمة التي تضعف الدين وتقسي القلب وتمرض النفس.
١٥) عدم التطويل والإكثار والتكرار للرسائل، و ضرورة التقليل من المشاركات في المجموعات ما أمكن، وتخصيص وقت معين ومجموعات مناسبة لها لتحقيق التوازن والاعتدال والمحافظة على الوقت والصحة.
١٦) ضرورة تعلم ومراعاة (أهم أساسيات وقواعد الإملاء)، فمن المَعيب ان تجد بعض المنتسبين للعلم والوعي والحاصلين على الشهادات العليا، يخطئ في كتابة أمور واضحة ككتابة بعضهم : (لا حوله) و (إنّ لله وإنّ إليه راجعون)، وعدم التفريق بين التائين: (المربوطة والمفتوحة) ، هذا مع إمكان التغاضي عن قواعد النحو وهمزات الوصل والقطع لدقة هذا الباب.
# هذا ما حضرني، وهو سبحانه المستعان و من وراء القصد.