قص الله علينا في سورة الكهف قصة ذي القرنين في رحلته الطويلة حول العالم التقي ذي القرنين بقوم كانوا يشكون ظلم وجبروت قبيلة يأجوج ومأجوج، يعانون أشد المعاناة منهم، يغيرون عليهم ليلاً ونهاراً فيقتلونهم ويسلبون أموالهم..
القبيلة التي مر بها ذو القرنين كانت تعاني من المشكلة بشكل مستمر مع أنهم كانوا يملكون القدرات والإمكانات.. والغريب أنهم كانوا يملكون الحل أيضاً ومع هذا ظلوا في المعاناة.. والحقيقة انهم كانوا يفتقدون قدرات جوهرية أو قل كلمة السر لحل مشكلتهم الا وهي الأخذ بزمام المبادرة والمشاركة المجتمعية!
إذاً لم تكن مشكلتهم مع يأجوج ومأجوج بقدر ما كانت مع أنفسهم! نعم يملكون القدرات والإمكانيات والحل أيضاً لكنهم كانوا يريدون حلاً دون ـن يفعلوا أو يشاركوا أو يبادروا.
فلما ظهرت القيادة الكفؤة وجهت تلك الإمكانات والطاقات واستغلتها بشكل صحيح فحلت مشكلتهم!
قضيتنا اليوم مع الحوثي مشابهة لتلك، لكن الفارق أن المشهد لدينا واضح، فالنصر له قوانين وسنن كونية..
ومن أهم قوانين النصر..
التنافس على المشاركة وليس التنافس على المشاهدة.
المشاركة وليس المشاهدة.
أن تبذل لا أن تأخذ.
أن تضحي لا أن تقايض.
من أهم قوانين النصر أن يشارك الصغير والكبير والغني والفقير والحاكم والمحكوم.
من أهم عوامل النصر في أوقات الشدة والحرب أن يتحول المجتمع كله من الحياة المدنية إلى الجندية والعسكرية ولذلك قال الله تعالى، موجهاً الأمر للمجتمع جميعا (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
خفافا وثقالاً تعني:
شباباً وشيوخاً
فقراء وأغنياء
مسؤولاً ومواطناً
عسكرياً ومدنياً
تعني أن جميع فئات المجتمع مطالبة بالنفير والمشاركة في المعركة.
النصر لا يعطيه الله لأي أمة حتى يشارك أفراد المجتمع جميعاً، يشارك الشباب ويشارك الشيوخ ويشارك الفقراء ويشارك الأغنياء ويشارك أهل الأعذار حتى يتنافس الناس جميعاً على المشاركة والتضحية لا على المشاهدة والتحليل على مواقع التواصل الاجتماعي.
تاريخ الأمة غني بالدروس والعبر لكن للأسف المجتمع لا يقرأ.
في بدر كان عبد الرحمن بن عوف- رجل الأعمال- أحد المشاركين واقفاً في صف المعركة بين شابين صغيرين مشاركين يستفسرانه عن أبي جهل ويسألانه أن يدلهم على مكانه! فكان مقتل زعيم وقائد الكفر على يد شابين صغيرين ولم يكن على يد مقاتل بطل أو قائد في المعركة.
سمرة ابن جندب- رضي الله عنه- كان صغير السن، منعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المشاركة وقَبِل صاحبه، فأصر أن يصارع صاحبه الذي قُبِل أمام النبي- صلى الله عليه وسلم- فصرعه وتمت مشاركته.
وعمير ابن أبي وقاص منعه النبي- صلى الله عليه وسلم- من المشاركة في بدر لصغر سنه فضل يبكي طمعاً في المشاركة فقبل.
لم تثن عرجة عمر ابن الجموح- رضي الله عنه- أن يشارك في أحد مع أن لديه أربعة أبناء مشاركين في المعركة وقال يا رسول الله، والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة.
المقداد ابن الأسود- رضي الله عنه يشارك في حمص وهو على التابوت.
ام عمارة نسيبة بنت كعب شاركت في معظم غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وحروب الردة.
خولة بنت الأزور تشارك في اليرموك.
عبد الله ابن أم مكتوم يشارك في المعركة ويحمل راية المسلمين وهو أعمى لا يبصر.
هل كانوا يتنافسون على رتب أو مرتبات أو إكراميات!!؟
كانوا يتنافسون على استحقاق النصر الذي لا يمنحه الله حتى يشارك المجتمع كله.
لا بد أن يدرك الجميع أن طريق العزة والكرامة لا يستثنى منها أحد ولا يعذر فيها كائن من كان ولن يبعد الله أحدا من المشاركة إلا من لا يحب.
(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ).
ما من مسلم يطلب النصرة من مؤمن، فيخذله في موطن يستطيع فيه ان ينصره الا خذله الله في موطن يحب ان ينتصر فيه.
ما يجري يتطلب من الجميع أن يكونوا جيشاً وأن يكونوا مقاومة.
النصر لا يتحقق حتى يخرج الجميع بأنفسهم وأموالهم، فالرجال لوحدها لا تكفي والمال لوحده لا يكفي لتحقيق النصر وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ.
في تبوك سبعة نفر جاؤوا ليشاركوا فردهم رسول الله لعدم وجود الإمكانيات فرجعوا وأعينهم تفيض من الدمع الحزن يملأ قلوبهم لعدم استطاعتهم المشاركة في المعركة.
يا من تعيش في المجمع وبقية مناطق الشرعية تتابع أخبار الجبهات عبر وسأل التواصل قل لي هل بكت عينك؟ هل تألمت هل خزنت لتأخرك وتخلفك عن المشاركة.
أقل أنواع المشاركة إن عجز الإنسان عنها لعذر شرعي أن تخذل عن الجيش والمقاومة والشرعية وتتصدى لكل من ينال منهم.
أقل أنواع المشاركة أن تشارك الأبطال في الجبهات بمشاعرك بخواطرك وبهمك (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)
النصح في حالتنا هذه أن تكون عين الأمن في منطقتك في شارعك تراقب وتبلغ عن أي أمر تجد أو تشك أن فيه خطورة.
ومن النصح أن ترد الشائعات ولا يصدقها قلبك ولا تعاون في انتشارها (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)..
ومن النصح أيضاً الدعاء للجيش الوطني في سجودك وقيامك وفي كل أحوالك.
ومن النصح أن تشارك بمالك، فالمعركة مستمرة وتحتاج المال ولو كان قليل.
لا بد أن تقيم الحجة على نفسك فالمقاتلون والمرابطون يحتاجون الدعاء ويحتاجون الغذاء والكساء والسلاح والذخيرة كذلك يحتاجون من يخلفهم في أهاليهم.
المعركة تحتاج منكم المساندة والمشاركة الحقيقية لا تحتاج منكم التنظير والفلسفة والكلام الذي لا يفيد.