ظلت المرأة اليمنية- خلال عقود ماضية- تحظى بتقدير وتكريم واحترام المجتمع الذي منحها مكانة خاصة، وجرّم كل أشكال الاعتداء عليها أو استخدامها في أعمال العنف والزج بها في الحروب والصراعات السياسية باعتباره (عيباً أسود).
حتى جاء انقلاب المليشيا الحوثية المدعومة إيرانياً العام ٢٠١٤م، ضارباً بكل القيم والأعراف والعادات والتقاليد اليمنية عرض الحائط، ليتسبب في نزوح أكثر من مليوني امرأة ويمارس بحق المرأة في مناطق سيطرته شتى صنوف الجرائم والانتهاكات.
ووثقت عدد من المنظمات الحقوقية هذه الجرائم إلا أن أخطرها كان تقرير المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر، والذي كشف عن تحويل المليشيا الحوثية فللا وبدرومات في العاصمة صنعاء إلى سجون وحشية خاصة لليمنيات، وأن عدد النساء المختطفات والمخفيات قسراً وصل لأكثر من 160 امرأة يتعرضن لتعذيب وحشي ويعانين ظروفاً سيئة ومأساوية جراء الاعتداءات الجسدية والجنسية، وأن بعضهن دخلن في حالات نفسية سيئة، وحاولن الانتحار، فضلاً عن إصابات بعاهات وإعاقات جسدية جراء التعذيب الوحشي الذي مورس عليهن دون رحمة.
من جهته قال التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان- في آخر تقرير له- إنه رصد 455 حالة تعذيب ارتكبتها المليشيا الحوثية بحق يمنيات خلال الفترة من سبتمبر 2014 حتى ديسمبر 2018، وأن 170 ضحية تُوفيت بسبب التعذيب بينهم تسعة أطفال وامرأتان و6 مسنين.
أما منظمة "رايتس رادار" ومقرها هولندا، فقد أعلنت في تقرير حديث، رصد اختطاف أكثر من 35 فتاة وطالبة من شوارع العاصمة صنعاء، واتهمت قيادات بالمليشيا بالتورط في اختطاف بعضهن باستخدام المواد المخدرة بهدف الضغط على أُسرهن، فيما تتحدث المصادر عن العشرات من حالات الاختطاف التي لم يبلغ عنها الأهالي خشية العار والفضيحة.
جرائم المليشيا الحوثية بحق نساء اليمن لم تقف عند حد، فقد نفذت المليشيا المدعومة من إيران مؤخراً حملة ممنهجة لاستدراج وتجنيد الفتيات عبر المدارس، بهدف إلحاقهن بتشكيلاتها المسلحة (الزينبيات) واستخدامهن في أعمال قتالية وأمنية، حيث استعانت المليشيا الحوثية بعدد من عناصرها النسائية الزينبيات "وهي تشكيل إرهابي مخصص لقمع النساء" بالتعاون مع عدد من مديرات ووكيلات المدارس المعينات من المليشيا لتنفيذ نزول ميداني واستقطاب مئات الطالبات واستغلال فقر أسرهن "بسبب نهب المرتبات" عبر منحهن وعوداً بمبالغ نقدية ومساعدات غذائية، ونقلهن إلى مراكز خاصة لما يعرف بـ "الدورات الثقافية"، حيث يجري هناك غسل عقولهن ثم يتم نقلهن لأماكن خاصة للتدريب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وهذه الخطوة الخطيرة تندرج ضمن محاولات المليشيا الحوثية استخدام النساء في عملياتها الإرهابية، واستخدامهن في مهام التجسس على الجلسات النسائية ومداهمة المنازل وقمع الاحتجاجات بعد إلحاقهن بدورات تعبوية وإخضاعهن لبرامج تدريبية.
وإذا كانت هذه الخطوة تستهدف طالبات المدارس فإنها ستنعكس مستقبلاً على الأجيال القادمة التي ستكون بالتأكيد ضحية لهذه العقيدة الإرهابية المتطرفة وثقافة الكراهية للآخر وشعارات الموت لأميركا المستوردة من ايران والتي تغرسها المليشيا في عقول طالبات اليوم وأمهات الغد، فيما المنطقة والعالم لا زالا يدفعان منذ الثورة الخمينية في ثمانينيات القرن الماضي فاتورة هذه الأفكار المتطرفة.
وأمام هذه الممارسات الإرهابية فإن المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق المرأة والمناهضة للعنف ضد النساء وكافة الحقوقيين والنشطاء والأحرار في العالم امام مسئولية تاريخية وأخلاقية في إدانة هذه الممارسات الإجرامية وكل صور الاعتداء الذي تتعرض له المرأة في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، وإجراء تحقيق حول المعتقلات الخاصة والإطلاق الفوري لكافة المعتقلات، وتقديم القيادات الحوثية المتورطة في هذه الانتهاكات لمحكمة الجنايات باعتبارها "جرائم حرب وجرائم مرتكبة ضد الانسانية"، وإنشاء قناة آمنة (خط ساخن) للتواصل مع الضحايا وأهاليهن للإبلاغ عن حالات الاختطاف ومتابعة مصير المختطفات وتوفير الحماية لهن، ودعم برامج التأهيل النفسي للمتضررات، والضغط للحيلولة دون استخدام المليشيا للمرأة في الأعمال القتالية.
ان استمرار صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الممارسات الإرهابية من قتل وقصف وقنص، وهتك للكرامة والحرمات ومداهمة للمنازل، وقمع وتنكيل، واختطاف واعتقال وتغييب قسري، وتعذيب نفسي وجسدي، والتحرش والعنف والاستغلال الجنسي للمعتقلات في السجون الخاصة التابعة لقيادات حوثية، وحلق رؤوس المسافرات في نقاط التفتيش بين المحافظات، وعمليات تجريف وغسل عقول الأطفال والنساء والشباب على حد سواء في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، غير مبرر.
فآثار هذه التعبئة الخاطئة لن تقف عند حدود اليمن، فهي قنبلة موقوتة والجميع في المنطقة والعالم سيدفع الثمن غالياً إن لم يتم التصدي لها كما حدث مع باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى من تنظيم القاعدة لداعش وانتهاء بمليشيا حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي.
فتجنيد الفتيات والطالبات والنساء بشكل عام من قبل المليشيا الحوثية هي الأشد خطراً من بين فئات المجتمع الأخرى، لأن الطالبة هي الأخت والزوجة والأم، واستدراجهن وغسل عقولهن لن يقتصر عليهن بل سيمتد مستقبلا ليشمل باقي أفراد الأسرة "الأطفال" ويلقي بتبعاته على الأجيال القادمة.