العمليات العسكرية تزيد من احتقان المجتمع في الجنوب كمناطق محررة وتعطّل مشروع الدولة والاستقلال. لسنا مغفلين حتى تنطلي علينا مبررات محاربة الإرهاب وتحرير الشرعية من الإخوانية، التنازع القائم لتصفية طرف جنوبي لا يقبل الارتهان والتبعية، طرف ثائر يرفض الانتهاكات والجرائم التي تتم تحت شعار استعادة دولة الجنوب، يرفض الإقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والثروة لطرف وكيل لأطماع خارجية، طرف يتطلع لجنوب يستوعب كل أبنائه بكل أطيافهم وتوجهاتهم وأفكارهم في إطار مشروع وطني ليمن قوي، طرف يرى أن الجنوب لن يأتي بالعنف، فالعنف يشطره ويحقنه بصراعات لا نهاية لها، تضاعف من حجم التراكمات التي تعيق مشروع استعادة الجنوب واستقلاله. يتوهم من يعتقد أن المعارك يديرها الانتقالي، فالانتقالي مجرد واجهة، المعارك تحركها أيادٍ إماراتية ودوائر استخباراتية، طامعة بالجنوب، متوهمة أنه باستطاعتها أن تعيق يمن مستقر وآمن، قادر على النهوض والتقدم لينافس بقوة في المنطقة.. يمن مستقل الإرادة والقرار. الكارثة أن البلد ينهار ويدّمر، بأمر خارجي وأدوات وطنية، اختيرت بعناية الحماقة، كما قال الشاعر العربي “لكل داء دواء يستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها”، والحماقة تخرج من رحم الجهالة، وتتوالد منها السذاجة والبلاهة والغباوة والسماجة والتفاهة والحقارة والسفاهة، فتدفع للضلالة بتكفير وتخوين، بمصاب التطرف فيتوسع ليكون إرهابا، فكرياً وروحياً، ما دخل أرضاً إلا وعاث فيها فساداً, وأفسد الحياة والسياسة، برعاية أنظمة بائدة منخورة متسلطة، تحارب فكرة الدولة الضامنة للمواطنة والحرية والعدالة، لوطن يستوعب كل أبنائه بكل أطيافهم وتوجهاتهم وأفكارهم، وتدعم الثورات المضادة لثورة الربيع العربي، استطاعوا تحويل الكثير لمعاول هدم لأوطانهم، بإغرائهم بالمال والسلطة والجاه ، لمزيد من الموت وسفك الدماء، ليبقى وطن كاليمن مريض مسموم متهالك جنوبا وشمالا. إنها مأساة وطن عاش كماً هائلاً من التناقضات، تحت وطأة منظومة سياسية فشلت في إدارة التحولات السياسية الكبرى، فشلت في الوحدة والديمقراطية والتعددية، وزرعت كما هائلا من الفخاخ، حقن المجتمع بالأمراض، اليوم تتفجر في وجوهنا، بمرضى وأطماع تلك المنظومة، يتفقون في مكوناتهم الطارئة يحاربون فكرة الدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة والحرية والعدالة، يحاربون التحوّل لمستقبل أفضل لوطن، قادر على النهوض ومواكبة تطورات العصر، وطن محترم ينافس بقوة القرار والسيادة والإرادة.
احمد ناصر حميدان
مأساة وطن 909