من يتخيل بأنني سأرحل من عدن هكذا! لقد أصبحنا (غرباء في أوطاننا) كنت أقيم في محافظة عدن اليمنية مديرية التواهي أستأجرت شقة متواضعة جدآ لصعوبة العثور على شقق للإيجار بسبب الكثافة السكانية الممتزجة بالنازحين.. مكونة من غرفتين صغيرتين ، وممر ضيق ، ومطبخ لايكاد ان يكون مغسلة يقع أعلى السلم (الدرج) وحمام مثلث الشكل يقع أسفل الدرج.. مبلغ الايجار أربعون ألف ريال.. يقع هذا المنزل تحديدآ خلف فندق الصخرة أعلى الجبل.. صاحب المنزل علي أحمد اليافعي رجل كهل .. ممشوق القوام كالأفعى ، تتحدب فقرات ظهره بشكل ضئيل يشتعل رأسه بالشيب،، ممتلئ بالتجاعيد.. لم يعد يملك من ثناياه شيئ.. فقد ابدلها بأسنان اصطناعيه.. (يبلغ من العمر تقريبآ سبعون عامآ) يقوم بإبلاغي قبل ثلاثة أايام من بإفراغ المنزل .. سألته بتعجب ولماذا تريدني ان اغادر؟ اطلق صوتآ كزئير شاحنة في مكان مغلق.. وعقد حاجبيه وقال لا اريد الدحابشة (الشماليين) في بيتي إخرج الآن وإلا أبلغت الشرطة تمعنت النظر في تلك الشرارات المنبعثة من عينية وقلت له.. أريد ان تمهلني يومين حتى اقوم ببعض الترتيبات واعطيته ايجار يومين.. ثم يأتيني قبيح الوجه ينبح في وجهي ك كلب مسعور وعيناه شديدة الحمرة وكأنه أحتسى ليترآ كاملآ من النبيذ .. كانت الساعه الثانية بعد الظهيرة.. أتى ليهددني ويقذفني ببعض الشتائم السوقية والتي تمثل تلك الأسرة التي ترعرع فيها.. وماكان مني إلا أن فقدت أعصابي وبدأ صوتي يضج المكان وانا أرد عليه بأسئلة سريعة .. كل منا كشر نابه وبدأت بطرح الأسئلة عليه بصوت مرتفع عن سبب هذا الهجوم المباغت لي.. فقال لي وهو يصيح بكل صوته ورذاذ لعابة يتطاير ليملأ وجهي وقميصي.. إذا لم تخرج من بيتي في هذه اللحظة سأتصل بالشرطة وأقول لهم بأنك جاسوس وتنتمي للخلايا النائمة المتآمرة على الجنوب العربي.. انكمش وجهي وانا اسمع تلك الترهات منه.. أستمر قائلآ.. إسمك مكتوب في قائمة المطلوبين أمنيآ وانت دحباشي كلب تختبئ في بيتي.. اطلقت ضحكة عالية قصيرة يتبعها انكماشات ملحوظة لتقاسيم وجهي.. احدق في عينيه بدهشة،، أمسكت نفسي محاولآ السيطرة على اعصابي.. تخيلت عمال النظافة من الفئة المهمشة الذين أصبحوا مؤخرآ افرادآ في الشرطة وهم يسحلوني من أعلى الجبل الى تلك الزنزانه الملئة بأحقادهم.. أخذت نفسآ عميقآ.. ليتسنى لي الرد بهدوء.. ماهو المطلوب مني الآن؟ قال أن ترحل الآن ولم يكمل كلامه فقد هرع الى مدخل البيت يلتقط بعضآ من الحقائب المحزومة واواني المطبخ فيقذفها في الشارع ولسانه لاتتوقف عن اللعن للشماليين بقوله (الدحابيش الملاعين) ثم عاد إلى وجهي مجددآ ينثر رذاذ لعابه وهو يصيح بصوت منكر إخرج ياعميل الحوثي إخرج ياقاتل إخرج ياكلب.. تمالكت نفسي وطلبت العون من بعض الاولاد ليساعدونني بإخراج (عفش البيت) عاد ينبح مجددا يريد مني نقودآ دون وجه حق.. اعطيته لاضمن خروج كامل العفش من البيت. انتظرت حتى مطلع الفجر وبمساعدة بعض الشباب استطعنا تحميل العفش فوق سيارتي نوع بيجوت 505 وتركت بعضآ منه لعدم توفر مساحة كافية بداخل السيارة وعلى سطحها.. احضرت مجموعة من الحبال لاستكمال العملية.. أخذت اولادي ورحلت متجهآ الى القبلة حيث الشمال ارضي وموطني إلى تعز - مخلاف. تاركآ خلفي وظيفتي وكمآ هائلآ من اللعنات لذلك اليوم الذي سافرت فيه اول مرة لأعمل في عدن ولتلك الظروف التي جعلتني أستقر بين اروقتها رغمآ عني مبتغيآ العيش بكرامه.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
غمدان احمد المخلافي
قصة رحيلي وطردي من عدن !! 843