;
محمد عبدالكريم
محمد عبدالكريم

مستقبل الجمهورية اليمنية بين الاتحاد والتفكيك 991

2019-07-14 07:38:39

نقطة الاذاعه الزمان: الثاني والعشرين من أيار (مايو) سنة 199 المكان: عدن المناسبة: الاحتفال بإعادة توحيد الأرض اليمنية وإعلان ميلاد الجمهورية اليمنية.. المذيعة اللندنية مديحة رشيد المدفعي، أجمل وأروع صوت إذاعي على الإطلاق، كان ذلك استهلالا لبرنامج شهري وثائقي من إعدادها وتقديمها برنامج "استوديو 35".. أما عنوان الحلقة فكان: بانوراما اليمن السعيد، بث في 30 يونيو – حزيران – 1990. مولود استثنائي من سلالة عملاقة من شهد ذلك اليوم من اليمنيين فإنه من أسعد الأيام في حياته.. إنه من الأيام النادرة فيه لليمن، غمرتها السعادة من جميع الجهات.. إنه واحد من أيام الله في اليمن. وفي الشرق مولود من سلالة عملاقة، كما جاء في صحيفة أمريكية في وصف الدولة الجديدة، وسندريلا الشرق، كما وصفتها منظمات اوروبية، وقبل ذلك كله هي (بلدة طيبة) كما وصفها ربنا.. استعادت وحدتها في الطريق لاستعادة سعادتها، بلاد تمتلك عناصر قوة هائلة كانت في فترة تاريخية قوة كبرى تقارن بملك سليمان، كما جاء في سورة النمل {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ(23)} القوة الإقتصادية التي تزخر بها الأرض، وقدرة الإنسان على استغلالها وتوظيفها، في الرفاهية المشروعة. جاء قبل ذلك عن سليمان (علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء).. (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ): القوة العسكرية القوة البشرية، القوة الإقتصادية والقوة العسكرية معياران لوصف دولة ما بأنها قوية، إنهما جناحا قوة الدولة، وبهما تكون سياستها الخارجية فاعلة، وعلى رأسها ملكة طريقة إدارتها تقوم على العلم والمعلومات، كما تفعل الدول المتقدمة في عصرنا {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ(32)}، تقدير الموقف إنه مبهم.. صنع القرار- المبني على المعلومات – الإفتاء: بيان ما أبهم وفقا لمعلومات وليس رأي، لم تقل أشيروا علي، بل أفتوني. إنها الدقة في اختيار الألفاظ؛ الإفتاء صناعة قرار مبني على معلومات، كما يعني التفويض (أجازه ورخص له)، لذلك كان {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ(33)}. ولادة في بيئة كلها أمراض وأوبئة وأزمات وعواصف الجمهورية اليمنية ولدت كبيرة، لكنها كأي مولود بطبيعته ضعيف، يحتاج إلى عناية. لقد ولدت في بيئة كلها أمراض وأوبئة وعواصف من صنع القوى والقادة الذين أعلنوا عن الميلاد، لقد صنعوا أزمة مصاحبة للميلاد. أخطاء استراتيجية مؤسسات مشطرة - تقاسم الإدارة إن اتفاقية إعلان الجمهورية اليمنية تمت بين عقليتين تمتلكان البلاد، لم تكن في الشمال ولا في الجنوب دولة، كانت عبارة عن دولة الشخص دولة صالح، ودولة الحزب، لذلك كانت أخطاء فادحة عبارة عن ألغام. إبقاء مؤسسات سيادية مشطرة وأهمها الجيش والعملة الوطنية وكأنها مثلت خطوط رجعة عن الدولة الجديدة، الجيش لم يكن جيش (ج .ع .ي) ولا جيش (ج. ي. د .ش) بل جيش صالح وجيش الحزب الاشتراكي، أُبقي مشطرا ليستخدم في أزمة وحرب! لم تكن الأجهزة والإدارة العامة ملكا للدولة لذلك كان التقاسم بين الشخص والحزب، تقاسما حمل معه أثقالا على المولود الجديد على الجمهورية اليمنية لأنها لم تخضع لمعايير ومواصفات وظيفية، والمواطنة، بل الانتماء لتنظيم صالح المؤتمر الشعبي، والحزب الاشتراكي، فوقع المولود في أزمات ساحقة. صحيح أن إعلان ميلاد الجمهورية اليمنية كان استغلالا للحظة تاريخية قد لا تتوفر مرة اخرى، لكن الأصح أن البيض وصالح يتمتعان بأمية سياسية ويزيد صالح انتهازية مفرطة انعكست سريعا على المشروع الكبير الجمهورية اليمنية. لقد تم اختزال المشروع في اتفاقية غير مدروسة، وتم إبقاء مؤسسات سيادية مشطرة، وكان الأصل أن تندمج قبل الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية لتكون الدولة المولودة على أرضية ثابتة وصلبة. لقد أوقفوها على أرضية رخوة هشة، ونجد سببا واحدا فاعلا لم تكن هناك دولتان بل حزب وشخص، ومن ثم ورثوا مقدراتهما أبقيا على الجيش مشطرا.. انه جيش الحزب وجيش صالح خطوط رجعة، وتقاسموا الإدارة من الرئاسة إلى الحارس، لم تكن إدارة دولة بل ملك الحزب وملك الشخص وتلك كانت الطامة؛ إذ لم يتم بناء دولة جديدة بقدر ما كان تقاسما، ثم كانت الأزمات المتلاحقة والتي وصلت إلى الانفجار عام 94. امتلاك شخصي لم تكن وحدات الجيش التابعة للحزب مقتنعة بالحرب، وكان ذلك عاملا حاسما في التسريع بإنهاء الحرب وتوفرت فرصة تاريخية جديدة لإعادة بناء الدولة، غير أن صالح ونظامه قد وجدها فرصة لتملك البلاد، وبدلا من لملمة جراح الحرب ورعاية الشعب في المحافظات الجنوبية تعامل معها كطرف منهزم، وعاث فيها فسادا مضاعفا، وأسس - بكل السبل- بيئة خصبة لإحياء التشطير والتجزئة بعد أن كادت تنقرض. تحميل الوحدة من الأخطاء الإستراتيجية اللاحقة نزوع سياسيين ومجموعات ووسائل إعلامية إلى تحميل الوحدة، أوزار السلطة وخطيئاتها، والتي تطورت إلى الحديث عن قضية جنوبية، وذلك يعود إلى عاملين اثنين؛ الأمية السياسية الضاربة في أوساط السياسيين، ووجود انتهازية مفرطة لدى أشخاص وقوى. الوحدة بطبيعتها من أهم عناصر القوة، لا يوجد في فلسفة أو فكر بشري ما يمكن أن يصف الوحدة بالسلبية أو يجعل منها أخطاء، أما الإسلام فإنه يجعلها فريضة وينهى قطعا عن التفرق على مستوى الأمة وذلك يعني أنها على مستوى بلد وشعب أوجب. لقد كان الأصل هو المطالبة بإعادة بناء الدولة، لتكون دولة مقنعة لكل مواطنيها وليس شيطنة الوحدة، ولم يكن الحديث عن قضية جنوبية الا تمهيدا للتنظير للتشطير في بلد حديث عهد بالوحدة والتشطير، وهكذا اتبع نظام صالح سياسات أدت إلى يمن متنافرة بل قنبلة موقوتة، كما قال: اليمن قنبلة موقوتة، في المقابلة الشهيرة مع العربية التي أجرتها منتهى الرمحي في 28 مارس/ أذار 2011، وفي إعلان على الملأ وهو رئيس الجمهورية قال علي عبد الله صالح عن بلاده التي هو رئيسها ووظيفته الأولى حمايتها قال: اليمن قنبلة موقوتة، وهو اعتراف صريح بالخيانة من مولود ذا سلالة عملاقة إلى قنبلة موقوتة إنه صانعها، وفي الوقت نفسه هو من مكوناتها. ثورة فبراير 2011 اندلعت ثورة فبراير 2011 ومشروع التوريث على وشك الاكتمال فكانت الثورة لأسباب كثيرة لإنقاذ البلاد من الانهيار وإسقاط التوريث الذي بسببه صنعت كيانات وجماعات مهددة للدولة اليمنية وسلامتها. نجحت الثورة في إسقاط التوريث، لم تكن سببا في ما حدث؛ فالدولة كانت توصف قبل الثورة بأنها هشة، وفي الطريق للتكون فاشلة، لكنها أخفقت في إنقاذ البلد، ذلك أن عملية نقل السلطة لم تراع وجود ثورة مضادة مركبة من الإمامة وتسعى لمحو ثورة 26 سبتمبر 1962 ومناهضة لثورة 14 أكتوبر 1963 يقودها الحوثيون، وثورة مضادة لثورة فبراير 2011 بقيادة المخلوع صالح، وشكلت سلطة انتقالية متنافرة وجامعة بين الضدين؛ ثورة فبراير والثورة المضادة لها سرعان ما تحولت السلطة إلى مكمن للتمرد الحوثي مع المخلوع والوقوع في أفخاخ ثم وقوع البلد في الهاوية. المستقبل بين الاتحاد والتفكيك مستقبل الجمهورية اليمنية، بين فرضيتين الأُولى التفكك وقيام دويلات .. والأُخرى التحول إلى النظام الاتحادي (الفيدرالية) الأقاليم. فرضيات يمكن قراءة المستقبل ووفقا للمعطيات القائمة في فرضيتين: إما غلبة التحديات على الدولة وتفككها وحروب بلا نهايات، أو التغلب على التحديات والمحافظة على وحدة الدولة ووجودها، والعامل الفاعل في الحالتين هي السلطة الانتقالية أما قوى التمرد فأهدافها معروفة ولا تحتاج إلى بيان. الفرضية الأولى التغلب على التحديات، وقيام الاتحاد. السلطة وحلفاؤها الفرص المتاحة أمام السلطة للمحافظة على وحدة الدولة الجمهورية اليمنية تبدو أكثر وقد تنجح في إنهاء التمرد والمحافظة على الدولة ووحدتها، وإن بتكاليف باهظة تدفعها اليمن أرضا وإنسانا، لكن المخاطر أيضا تزداد أيضا تحتاج السلطة إلى إعادة النظر في طرق إدارة الأزمة واعتماد طرق علمية ومهنية اكثر، هناك شتات في الإدارة وعجز عن ادارة المناطق المختلفة. المرجعيات تغلب التحديات إن عجز الأطراف المختلفة عن الحسم وإنهاء الحالة قد يدفع باتجاه التوصل إلى تسوية ما، تبقي على الحوثي قوة فاعلة ومن ثم عدم إنهاء الأزمة بل تجميد مؤقت لتستأنف بطرق أكثر شراسة وإغراق في حرب أهلية بين أطراف لن يكون أحدها شرعيا والآخر غير شرعي بل أطراف كلها لا شرعية لها، ومن ثم قيام كيانات في البلاد تعمل على التحول إلى دويلات، ولئن أخفقت هذه الطريقة في الصومال فإنه سيكون لها القابلية في اليمن فهناك حضرموت وعدن، وهناك شمال الشمال صنعاء وعمران وصعدة وجزء من حجة إضافة إلى ذمار وريمة وجنوب الشمال إب وتعز وشرقه البيضاء ومأرب والجوف معظم الغرب تهامة، وتعز والتي لن تقبل بالرضوخ للحوثي. أو إطالة أمد الحرب مع قلة كفاءة السلطة في إدارة الأزمة وشتاتها وإخفاقها في ادارة المناطق المختلفة خاصة عدن ومحيطها وحالة اللا نظام واللا فوضى في تعز قد تؤدي مع مرور الزمن وتراكم الإخفاق إلى الإنهيار للدولة برمتها في المناطق التي بحوزة السلطة، وفي صنعاء ومحيطها هناك أزمة عميقة، قد تؤدي مع طول الأمد إلى الانهيار. مع غياب قوة تملأ الفراغ. قيام مليشيات وكيانات مسلحة خارجة على القانون كالمجلس الانتقالي، وما يسمى بقوة طارق صالح كلها تكريس للتفتيت، والتفكيك الخشن، ذلك أن القوى المريدة للتفكيك، لا تثق في إمكانية التفكيك الناعم، من خلال نظام الأقاليم، لذلك لجأت إلى محاولات التفكيك الخشن عبر كيانات مسلحة ومليشيات طائفية ومناطقية. الفرضية الثانية: التغلب على التحديات تبدو فرص نجاح التمرد في صنعاء ضئيلة أو منعدمة لكنه يكلف البلد الكثير وعلى الرغم من سقوطه الأخلاقي والسياسي وغلبة طابع الفساد عليه والذي أشقى الناس وأتعسهم الا أنه فاعل في تكريس ثقافة قاتلة ممزقة فضلا عن دفع الأطفال والشباب للمحرقة وطاحونة الحرب، ونستطيع القول أن الحوثي احترق شعبيا. احتراقه شعبيا وهزيمته عسكريا يعد إسقاطا لأهم مصادر المخاطر المهددة للدولة اليمنية ونظامها الجمهوري والاتحادي لاحقا. تعد المرجعيات الثلاث من أهم العوامل المحافظة على وحدة الدولة اليمنية، ذلك أنها توفر أرضية قانونية صلبة، وتجعل كل سلوك مضر بوحدة الدولة، ومن الكيانات المليشاوية حالات غير قانونية، ومع المزاج العام الذي يفضل الاتحاد كصيغة أفضل لتوزيع السلطة والثروة، وعدم احتكار السلطة، ومفضلة على كيانات مليشاوية ودويلات متناحرة. لقطة قيام الجماهير في محافظة المهرة بإنزال علم التشطير للمجلس الانتقالي ورفع علم الجمهورية اليمنية، ومواقف الغالبية في سقطرى والمهرة وحضرموت كلها مؤشرات على أن الكيانات المليشاوية الانفصالية، لا مستقبل لها، بل أن الدول ووحدتها صارت مضمونة من الأمم المتحدة، وفي الحالة اليمنية كل قرارات مجلس الأمن الدولي، تؤكد التزام المجلس بوحدة وسيادة واستقلال الجمهورية اليمنية. كلمات دالّة //////////// قراءة في تاريخ الإمامة بلال الطيب بخروج المماليك من صنعاء أواخر العام «923هـ» دانت معظم مناطق «اليمن الأعلى» عدا صعدة للإمام شرف الدين، الذي بدوره استغل مساندة القبائل له، ووجه في العام التالي ولده «المطهر» ذا الـ «16» عاماً لمحاربة بقايا الطاهريين، نجح الأخير في السيطرة على «ذمار، ويريم، ورداع»، وأخرب عددا من الحصون والقلاع، ونهب مكتبة السلطان عامر العامرة بآلاف المُصنفات. في العام «934هـ» خرج أهالي «خولان» عن طاعة الإمام شرف الدين، فأحضر «المطهر» ثمانين طفلا من رهائنهم المُحتجزين لديه، وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وحين قام أحدهم بإحراق أحد الأبواب الخشبية لصنعاء، خرج إلى ذات القبيلة بجيش كبير، دمر المنازل، وقطع الأشجار، وقبض على «300» رجل، وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. بعد أكثر من «15» عاماً من الحروب والصراعات بينه وبين الأشراف «الحمزات» و«آل المؤيدي»، نجح الإمام شرف الدين في السيطرة على مناطق شمال الشمال، وتسنى له بداية العام «940هـ» دخول صعدة. غادر «الحمزات» صعدة، وجيشوا من «وائلة، ويام، ووداعة» أكثر من «15,000» مقاتل، ودارت بينهم وقوات «المطهر» معركة كبرى، عُرفت بواقعة «المخلاف»، هزموا فيها، وسقط منهم «1,000» قتيل. اشتهر «المطهر» بجبروته وقتله للأسرى بصورة مُريعة في أكثر من واقعة، وذكر المؤرخون أنه قام بعد تلك المعركة بحز رأس «600» أسير، وقد مدحه لذلك أحد الشعراء: ألف من القتلى ظلت خيلنا ترعى السنابك منهم اللمات موتاهم قد عاينوا مثواهم في النار والأحياء كالأموات فاجز المطهر يا إله الخلق عن دين حماه بأجزل الحسنات يا آل حمزة كم نرى غفلاتكم عن رشدكم ما أقبح الغفلات استغل الأمير الطاهري عامر بن داؤود الطامح حينها لاستعادة دولة آبائه، استغل توجه الإمام شرف الدين شمالاً، فأرسل جنوده للهجوم على الأطراف الجنوبية لـ «الدولة الزيدية»، مُستفيداً من انضمام الأمير يحيى السراجي إلى صفه؛ بل وصير الأخير قائداً لإحدى حملاته. سيطر «السراجي» على «رداع»، ثم «موكل»، وهناك باغته «المطهر» بجيش جرار «14 ربيع الآخر 941هـ»، هزمه شرَّ هزيمة، وقتل «300» جندي من أصحابه، واقتاده و«2,300» أسير إلى ساحة الإعدام. أمر «المطهر» جنوده بحزَّ رأس «1,000» من الأسرى، حتى اغتمرت حوافر بغلته بالدم، ثم أجبر من تبقى بحمل الرؤوس الدامية إلى صنعاء، ليأمر فور وصوله باحة قصر والده بإلحاقهم بزملائهم، وفي ذلك قال يحيى بن الحسين: «ولما وصلت الأسارى والرؤوس إلى المقام الإمامي المحروس، وجه الإمام ببعضها إلى صعدة.. فعظم شأن هذه القضية في النفوس، وإنفاذ النافر الشموس، وقيلت فيها الأشعار الرائعة، والمدائح الفائقة». وللشاعر المطهر الحمزي قصيدة طويلة في تلك الواقعة، جاء فيها: يا وطية وطى الإله بموكل أنحت على حزب الضلال بكلكل طحنتهم طحن الرحى بثقالها أو طحن طود هدَّ أرض من عل حتى أحان الله أعداء الهدى يحنون بين مجدل ومكبل توجه «المطهر» بعد ذلك صوب «اليمن الأسفل»، مُتذرعاً بملاحقة بقايا الطاهريين، مُبيحاً لجحافله نهب كل ما يصادفهم من أموالٍ ومواشٍ وزروع، مُسيطراً على إب وتعز «شعبان 941هـ»، محاولاً بـ «20,000» مقاتل السيطرة على زبيد «943هـ»، إلا أنه مني في أحراشها بهزيمة ماحقة، نكل المماليك به وبعساكره، وأصابوه إصابة بالغة، أختل بسببها قوامه، وأضحت الإمامة محرمة عليه. وفي مطلع العام «945هـ» قاد «والي مصر» الثمانيني سليمان باشا حملة عسكرية كبرى إلى الهند، عرج على عدن بأوامر من السلطان سليمان القانوني، وقتل غدراً الأمير «عامر»، وذكر «الموزعي» أنه قتله بوشاية من الإمام شرف الدين وولده «المطهر»، اللذين راسلاه واتهما ذات الأمير بالتحالف مع البرتغاليين. جعل سليمان باشا على عدن بهرام بيك، ثم أكمل مسيره، ليعود أدراجه منتصف العام التالي خائباً، مُتماً سيطرته على معظم الموانئ اليمنية، مُتذرعاً بحمايتها والأراضي المُقدسة من خطر البرتغاليين المتحالفين حينها مع «الدولة الصفوية» بإيران، مكملاً مسيره إلى «استانبول»، ليخلفه على اليمن أويس باشا. امتدت سيطرة الإمام شرف الدين إلى «جازان، وأبي عريش»، قسم ما تحت يديه بين أولاده «948هـ»، مُوجهاً بذكر أسمائهم في الخطبة بعد اسمه، وما هي إلا أشهرا معدودة حتى استعر الخلاف بينهم، إنحاز «الأب» لصالح ولده الأصغر شمس الدين علي، مُتحمساً لتوليته الإمامة، كون ولده الأكبر «المطهر» غير مستوفٍ شروطها. أعلن «المطهر» تمرده، وراسل أويس باشا في زبيد طالباً المساندة، وكتب في ليلة واحدة «80» كتاباً إلى قبائل اليمن حثهم فيها على المخالفة، ثم وجه جنوده إلى «الجراف» لمحاصرة والده «953هـ»، خلعه عن الإمامة، وفرغه للعبادة، وأصبح الحاكم الفعلي، تلقب بـ «الناصر»، وصك العملة باسمه، وصار «الإمام الأعرج» في سابقة لم تشهدها الإمامة الزيدية من قبل. في نهاية ذات العام، وفي صبيحة يوم عيد الأضحى دخل أُوَيس باشا مدينة تعز، متجاوزاً التحصينات التي سبق لـ «المطهر» أن استحدثها، أرفد ذات الوالي قواته بعسكر محليين فكانت نهايته نهاية العام التالي على أيديهم، وهو في طريقه إلى صنعاء، وقيل أن قاتله من بني جلدته، ويدعى «بهلوان»، وقد خلفه على ولاية اليمن أزدمر باشا. استغل الأتراك تجدد الخلاف بين «المطهر» وأخيه شمس الدين وتوغلوا شمالاً، ليدخلوا صنعاء منتصف العام «955هـ»، بقيادة أزدمر باشا، وبطلب ومعاونة من الأمير المتمرد، الذي استمر بدعم من أبيه مسيطراً على بعض الحصون، موالياً للأتراك. انسحب «المطهر» إلى «ثُلا»، وفيها تحصن، ثم وقَّع مع «أزدمر» معاهدة صلح، لم تستمر طويلاً، تجددت الحرب، واستمرت سجالاً، وقيل أنها وصلت لحدود «40» واقعة، حتى جيء بـ مصطفى باشا المعروف بـ «النشار» والياً على اليمن «958هـ». في ذات العام، أعلن من «الطويلة» صلاح بن أحمد تمرده، ثم ما لبث أن آثر هو وأصحابه الاستسلام، وكان جزاؤه أن ضرب «المطهر» عنقه، وأمر بأن تبقى جثته في العراء، أما أصحابه فقد ربطت أرجلهم على الجمال، وسحلوا على وجوههم، حتى تمزقت أجسادهم، وتناثرت أشلاؤهم في الطرقات. بدأ «النشار» عهده بمراسلة «المطهر»، حثه على الموالاة، وحين أبى أرسل إليه بجيش كبير بقيادة أزدمر باشا، حاصره الأخير في «ثلا» مدة، ثم آل الأمر إلى الصلح، عاد «النشار» إلى «الاستانة»، وعاد «أزدمر» لإكمال مهامه، دخل صعدة سلما «960هـ»، ودانت له اليمن حتى جازان. في ذات العام، أعلن الحسن بن حمزة نفسه إماماً، تلقب بـ «المهدي»، وكان كأسلافه «الحمزات» ضعيفاً قليل الأنصار، استقر بـ «الأهنوم» مدة، استأمنهم على زكاته، وخرج لبعض المشاغل، ليجدهم بعد عودته قد استهلكوا أمواله، وتنكروا لعشرته، فعاش فقيراً معوزاً لا يأكل إلا أوراق الشجر، وزاد من مصيبته مطاردة «المطهر» له، وتدميره منزله، ليصطلحا بعد ذلك، أعمر له الأخير منزلاً، وأجرى له كفايته حتى وفاته «961هـ». في أواخر ذات العام، تم عزل أزدمر باشا، وجيء بـ «النشار» مرة أخرى، توفى الأخير بعد وصوله اليمن بعدة أشهر، فجيء بالوالي العادل مصطفى عزت، أمر الأخير بحذف «حي على خير العمل» من الأذان، ولم يحصل بينه و«المطهر» أية حروب. بالعودة إلى الإمام شرف الدين، فقد استقر بعد عزله في «الظفير»، وفيها توفي «965هـ»، عن «88» عاماً، ودفن بجوار جده «المهدي»، أصابه أواخر عمره العمى، وشاهد أفول دولته، وعاش بعد أن تخلى أقرب الناس عنه على الصدقات. عُزل مصطفى عزت «967هـ»، فحل محمود باشا محله، ويعد الأخير من أسوأ الولاة وأكثرهم فساداً، استمرت ولايته لأربع سنوات، جيء بـ رضوان بن مصطفى عزت بدلاً عنه، تجددت في عهد الأخير الحرب، ثم آل الأمر إلى الصلح، وبموجبه ضم «المطهر» إلى حكمه عدة مناطق، الأمر الذي أنعش مطامعه للتمدد أكثر، وقد جاءت الرياح بالفعل بما تشتهي سفنه. اتسم التواجد التركي في تلك الفترة بعدم الاستقرار، بسبب كثرة الولاة، وخلافات القادة، وتمرد العسكر، الأمر الذي جعل الدولة تبدو بمظهر الضعف، زالت هيبتها، وزادت التمردات القبلية عليها، حاول «الباب العالي» إصلاح الوضع مقسماً اليمن بداية العام «974هـ» إلى إقليمين: «تهامة» وعاصمته زبيد، بقيادة مراد باشا، و«المناطق الجبلية» وعاصمته صنعاء بقيادة رضوان باشا، أما عدن وتعز فقد كانتا تابعتين للإقليم الأخير. استعر الخلاف بين «مراد» و«رضوان»، وعُزل الأخير، فانسحب نهاية ذات العام بقواته من صنعاء إلى «الاستانة»، فيما توجه الأول بجيش كبير شمالاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مني في ذمار بهزيمة ماحقة، انسحب على إثرها إلى «بعدان»، وهناك تعرض لكمين، حزَّ أنصار «المطهر» رأسه، وأرسلوه هدية لإمامهم المُحاصر لصنعاء. أرسل «المطهر» بالرأس الدامي إلى الأتراك المُحاصرين، فما كان منهم إلا أن رفعوا مطلع العام التالي راية الاستسلام، سقطت صنعاء، وصارت باقي البلاد سهلة المنال. وجه الإمام قواته «جنوباً، وغرباً، وشمالاً»، سقطت «تعز، ثم عدن، ثم جيزان»، فيما انحصرت سلطة الأتراك في زبيد وما حولها من مناطق تهامة، وأرسل «الباب العالي» بـ حسن باشا والياً، ثم أتبعه بـ عثمان بن أزدمر باشا. حاول علي بن الشويع عامل «المطهر» على تعز السيطرة على زبيد بداية العام «976هـ»، إلا أنه مني بهزيمة نكراء، خسر فيها «300» من عساكره، الأمر الذي حفز أهالي الحجرية على التمرد بقيادة أحمد بن عبدالوهاب الحجري، ليستعيد الأتراك مدينة تعز في «شعبان» من ذات العام، فيما تحصن من تبقى من عساكر «المطهر» في قلعة القاهرة، وتكريماً للأهالي الذين تعاونوا معه، جعل عثمان باشا مدينتهم بيتا من بيوت السلطنة، وليس عليهم «بدعة، ولا مضرة، ولا ضيفة، ولا سخرة». ما أن سقطت مدينة تعز حتى استشعر «المطهر» بالخطر؛ حشد الحشود، وأرسل المدد تلو المدد إسناداً لابن أخيه محمد بن شمس الدين المرابط حينها في «الجندية العليا»، وفي ذلك قال صاحب «روح الروح»: «ولما علم المطهر بهذه الحادثة العظيمة، والكادحة الجسيمة، شنَّ الغارات من جميع الجهات، واستصرخ العرب، وانتخب للقتال كلّ بيهس أغلب، وضمهم إلى محمد بن شمس الدين ومن لديه». تصدى عثمان باشا ببسالة لتلك الزحوفات، بمساندة مائزة من قبل أهالي جبل «صبر»، فكانت هزيمة عساكر «المطهر»، وفي ذلك قال ذات المؤرخ: «فجمع عثمان عسكره وخيله، واشتد بحبله وحوله، فما شعر محمد بن شمس الدين إلا بهزيمة من في الحصن ـ قلعة القاهرة ـ من عساكر الزيدية، بعد أن قتل منهم عدة في تلك العزمة، وأول الصدمة، وخالف عليه أهل جبل صبر، ورمي بيوم نحس مُستمر». في تلك الأثناء، جهز الأتراك حملة عسكرية كبرى بقيادة الوزير الأعظم سنان باشا «والي مصر»، وقد استطاع الأخير خلال فترة وجيزة من استرداد أغلب المناطق اليمنية حتى صنعاء، وفي عدن سبق لـ قاسم بن الشويع عامل «المطهر» عليها أن تحالف مع البرتغاليين لصد الأتراك، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وكان مصيره الموت. بعد أن يئس من الفتك به، صالح سنان باشا «المطهر»، واعترف به حاكما عل بعض المناطق الشمالية، كما عمل على إصلاح ما أفسده أسلافه، كسب ولاء اليمنيين، وأبرز صورة مشرفة لـ «الدولة العثمانية»، وبُنيت خلال تلك الفترة المساجد والمدارس، وجعلت الوقفيات الكثيرة عليها، وصرفت المعاشات للفقهاء ورجالات العلم. توزعت الإنجازات «العثمانية» لتشمل أغلب مناطق اليمن، وكان اهتمامهم بتعز أكثر من غيرها، فهي -حد وصفهم- «بستان الصالحين»، والموروث الصوفي حافل بالإشادة والتقديس لذلك التواجد، يقول أحد الشعراء: وما يمن إلا ممالك تبع وناهيك من ملك قديم ومن فخر تملكها من آل عثمان إذ مضت بنو طاهر أهل الشآمة والذكر فهل يطمع الزيدي في ملك تبع ويأخذه من آل عثمان بالمَكر بعد مضي عامين من تواجده في اليمن، توجه سنان باشا إلى تونس فاتحاً ونصيراً لأهلها ضد زحوفات الأسبان، وقد سبق مغادرته إرسال «الباب العالي» بـ بهرام باشا بدلاً عنه، كان الأخير بطاشاً عنيفاً، وقد استمرت ولايته لثلاث سنوات. لم يسلم من ظلم الطاغية «المطهر» حتى أقرب الناس إليه؛ عزل أباه، وحارب إخوته، وحبس بنيه، وفيه قال الشاعر حسن بن إدريس: ماذا نظن بمن الوى بوالده حتى أقر له بالطوع والقود وحاز إخوته قهراً فأوردهم ببطشه مورد الأحزان والنكد نعم وأولاده في السجن خلدهم لما طوى قلبه القاسي على الجلد وكل أملاك هذا القطر دمرهم وصال في الكل منهم صولة الأسد انتهت بوفاة «المطهر» منتصف العام «980هـ» إمامة أسرة «شرف الدين»، ولم يستطيعوا النهوض من جديد رغم عدة محاولات يائسة. سيطر أبناؤه على عدد من الحصون، لطف الله «حصن ذي مرمر»، وغوث الدين «حصن غفار»، وعبدالرحيم «حصن مبين»، أما حصنا «ثلا» و«كحلان»، فقد كانا تحت سيطرة علي بن يحيى بن المطهر، والحسن بن شرف الدين. دارت بين الإخوة الأعداء حروب وخطوب، كان الناصر بن المطهر أحد ضحاياها، وقد عبر عن ذلك أحد الشعراء: وتفرقوا شعباً فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر //////////////

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد