لا أبالغ إن قلت: كم هو صعب أن تستجمع قواك لتقرر أن تتناول ظاهرة الغش في المدارس مع بدء موسم امتحانات الثانوية العامة.. ليس لأن لا أحد يهتم بما تكتبه بعد أن أصبح المجتمع يقبل بظاهرة الغش ويؤيدها وبأفق قصير النظر. ولكن لأنك قد تثير حنق الأسر أو تحرج نفسك أمام هذا الكم الاجتماعي المنخرط في هذه العملية أو المؤيد لها. وقد يعتبرك البعض شخصاً مزايداً تريد أن تظهر كمصلح.. خاصة بعد أن أصحبت ظاهرة الغش في بلادنا واحدة من المسلمات أو السنن المجتمعية التي تجد اعترافاً اجتماعياً بممارستها في المدارس وخاصة في امتحانات الثانوية العامة.. فالأسر تشجع وتدعم أبناءها للقيام بالغش بل يذهب بعض الآباء أو الأمهات إلى المدارس أو يرسلون أبناءهم لمساعدة إخوانهم أو للتأكد من أن ابنهم أو بنتهم لم تعترضهم أية مشاكل في عملية الغش؛ ومدير المدرسة يريد- وإن لم يصرح علناً- أن يحتل طلابه أعلى النسب في نتائج الثانوية العامة.. ولهذا يسهّل لطلبته عملية الغش؛ ومدير عام المديرية يوجّه- وإن شفوياً- بترك الطلاب يغشون بدواعٍ ومبررات واهية "الحرب، نقص الإمكانيات في المدارس، الأجواء الطبيعية الحارة مع عدم توفر التكييف في المدارس". لكن هذا المبررات أو الحجج تتكرر سنوياً منذ عقود تقريبا أي أن الظاهرة متجذرة منذ فترة طويلة. لكن يدفعك ضميرك ومسؤوليتك الأخلاقية مع آخرين- رغم كل هذه المحاذير والإحباطات- أن تسلط بعض الأضواء بشأن استفحال هذه الظاهرة أو ما يمكن أن نطلق عليه- إن جاز التعبير- القانون الاجتماعي للغش في إمتحانات الثانوية العامة!. لكن المفارقة أن النسبة الكبيرة من المجتمع الذين يتكلمون وبقوة عن ظاهرة الفساد ويؤكدون على ضرورة محاربتها ويوجهون سهامهم وكتاباتهم نحو الدولة والأجهزة الحكومية ويطالبون بمحاسبة الفاسدين، فإنهم في هذا ربما لا يعلمون أن ظاهرة الغش- التي يدعمونها- تمثل أكبر وأخطر أنواع الفساد على الإطلاق لأن أثرها لا يتعلق في الحاضر وإنما يمتد إلى المستقبل. لأن هذا الجيل الذي نساعده بحب وحميمية في النجاح عبر عملية الغش هو من سيتولى إدارة المستقبل وفي هذا عن أي مستقبل لبلادنا نتحدث!.
د.يوسف سعيد أحمد
ظاهرة الغش في المدارس تشكل أكبر تهديد للمستقبل؟! 756