لا تحتاج عدن منكم غير أن تستوعبوا أنها مدينة مسالمة، ومدنية الوعي والثقافة، ساحة مثلى لتنافس الأفكار والرؤى والمشاريع بالتي هي أحسن، يعكر صفوها العنف والسلاح، فلا تعكروها. يدخلونها سياسيين، وعندما تفشل حججهم ويعجزون ثقافياً وفكرياً مع الآخر، يعسكرونها، وحقنها بالعنف والعنف المضاد.. تلك هي العقلية المتعصبة القروية، التي تفتقد للرؤية والوعي القادرين أن يلملما الشمل لا يمزقانه، يوحدا الأمة لا يشتتها، يقنع الآخر لا يفرض عليه ما لا يريد، ويمكن أن يصنعوا مبرراتهم الغبية لذلك العنف، ويتوقعون أن نتقبلها بغباء العقلية التي تخاطب عدن الثقافة والفكر والتاريخ كمرجعية نضالية، عدن النقابات والمجلس التشريعي والاتحادات.. لماذا تعسكر عدن بتلك التشكيلات العسكرية المتنوعة الولاء والتي لا وضوح لعقيدتها الانضباطية؟ من يمونها؟, وما الهدف من تشكيلها؟ وما هو الدور المناط بها؟.. يأتي الجواب الصادم لحمايتكم، ولتشكيل جيش يستعيد الدولة. وهل تحمى المدن بتشكيلات مناطقية ومذهبية العقيدة، وهل تفتقر عدن للرجال والشباب الممكن أن يشكلا حماية أفضل لها, وعدن تملك المؤهلات وتحتوي كل الأطياف والأعراق والمشارب الفكرية.. عدن المتنوعة يمكن أن تفرز تشكيلات بعقيدة مشتركة وطنية صرفة، ممن تربوا وترعرعوا في كنف هذه المدينة ثقافياً وفكرياً وسلوكياً، سيحمونها الحب بعيداً عن الأطماع ونوازع الانتقام والكراهية، سيجمعهم حب عدن، والحب وحده القادر على التسامح، الذي سيحمي المجتمع من التشظي والتفكك والانقسام، يصون القيم والمبادئ الإنسانية من الفساد وانحطاط مجتمع، وأهم ما في الأمر أن يسقط فكرة صناعة الأصنام البشرية والزعامات المزيفة والنوازع المدمرة. لسنا دولة وليدة اللحظة، من عدن عرفنا الدولة والمؤسسات منذ وقت مبكر جداً, ولازالت عدن غنية بالملكات والكوادر والمؤهلات والمهنيين والمبدعين في كل المجالات ومنها العسكرية، يوجد جيش، لا يحتاج سوى لعقل ومنطق ومصداقية ليعاد تفعيل أركانه، جيش وطني جنوبي أقصي ولازال مقصياً لأنه تكنوقراط، ولاؤهم للوطن والأرض والإنسان، والتكنقراط حر وعصي على التبعية والوصاية، عسكريون برتب عالية ومؤهلات أكاديمية، محاضرون في كليات عسكرية، وتاريخهم مشرّف، قادرون على المساهمة في عملية البناء، وكيف يمكن أن يساهم هؤلاء والواقع الرديء لا يرغب بوجودهم في تشكيلات بمعايير لا تتوافق وقناعاتهم، معايير لا تتوافق والعلوم العسكرية والمهنية، مجرد كتائب يتربع سدتها مناطقيون ومذهبيون، وقلك جيش..؟ وكأن الجيش مجرد تشكيلات عسكرية فقط.. الجيش عقيدة ومؤسسة وعلم ومهنية لها مواصفاتها ومعاييرها وانضباطها، لكن ما يراد هو مليشيا للتبعية والوصاية تؤدي دوراً مناطاً لا علاقة له بحماية الوطن والجيش الوطني. عن أي حماية يتحدث هؤلاء، ويتبجح بالقوة العسكرية التي يملكونها، والبلد تعيش انفلاتاً أمنياً وغياباً واضحاً للنظام والقانون، وانتهاكات معظمها من تلك التشكيلات، البسط والسطو والاغتيالات والاستحواذ والاستئثار بالسلطة والإيرادات. ليعلم هؤلاء المتطفلون في السياسة، أن الناس كفرت بالوحدة اليمنية لأن منظومتها السياسية فشلت في ترسيخ الكرامة للإنسان والحرية والعدالة الاجتماعية، وأي مشاريع لا تحقق ذلك، مصيرها الفشل، الناس تريد مواطنة وكرامة وحرية وعدالة اجتماعية وهذا يحتاج عقلاً واعياً قادراً على أن يكون في مستوى تلك القيم، لا يحتاج لعضلات وغضنفر وعنتر بن شداد وعنفاً وعنفاً مضاداً. الرعب- الذي تعيشه عدن اليوم- هو تلك التشكيلات المتناحرة يدها على الزناد، رعب انفجار فتيل حرب أهلية، والتصعيد والتهديد والوعيد، ونحن وعدن الضحايا، فقد خبرناهم سيفرون ويحتمون بمناطقهم. انظر لعدن كنموذج لعنفهم، الذي جعلوها ساحة تصفية الحسابات والخصوم واجتثاث الآخر، وفتاوى الإرهاب الفكري والثقافي والروحي، والبندقية تجول الشوارع وتصطاد أخيار عدن، وتفرض عليك الصمت عن المطالبة بمحاكمة القتلة والمجرمين والمنتهكين وإغلاق السجون الغير نظامية. وهل لديكم الشجاعة لتقديم من قتل أمجد عبدالرحمن وباطويل ورافت دنبع وياسر مصائب، وعمار سلطان... القائمة أكبر.. اخترنا لكم من قتلوا على أيادي ميلشياتكم بشهود ودلائل يتداولها الناس إن كنتم قادرين على ضبطهم وإنصاف الضحايا يا من تدعون حماية عدن.. لله في خلقه شؤون.
أحمد ناصر حميدان
عسكرة عدن 1220