في البدء عليّ أن أشير- قبل أن أبيّن وجهة نظري بشأن العوامل والعلاقات السبية المسؤولة عن هذا الاتجاه الصعودي المستمر لسعر صرف الدولار في مبادلته بالريال اليمني- إلى أن ندرك مدى تأثير البيئة السياسية والاقتصادية على سعر الصرف الأجنبي.. هذه المتلازمة بين واقع البيئة السياسية والاقتصادية ومتغير سعر الصرف لا يجب إهمالها خاصة عندما تتزامن أيضا مع توجه يستهدف العبث في سعر الصرف وبرغبة في إلحاق الضرر بالاقتصاد. كنت- في مقال سابق أواخر أبريل الماضي- قد توقعت أن تستقر أسعار الصرف.. وفعلا استقرت الأسعار نسبياً في الأسبوعين التي تلت ذلك وربما تراجعت نتيجة لإجراءات البنك المركزي عدن عدا أن مسؤوليتي الأخلاقية والأدبية أن أساهم- مع غيري من الدارسين- في تطمين السوق، لا زيادة قلقه ومخاوفه. لكن يلاحظ أنه خلال الأسبوع الماضي والأسبوع الفائت من شهر مايو الحالي ٢٠١٩ شهد السوق اتجاهاً صعودياً وسريعاً لأسعار الصرف مع ارتفاع الطلب على الدولار.. تراجعت معه القوة الشرائية للعملة وهو اتجاه مقلق بلا شك، فما هي العوامل التي لعبت وتلعب دوراً في الدفع بزيادة تدهور الأوضاع المعيشية التي ستنتج على تراجع قيمة العملة الوطنية مقابل ارتفاع قيمة الدولار وارتفاع أسعار السلع والخدمات هناك عوامل وهناك أسباب. أولاً في العوامل: العوامل يمكن إبراز الأهم منها وهي على النحو التالي: 1-تعقد البيئة السياسية محلياً وإقليميا والتي تضررت بشكل أكبر من جراء تطور المواجهات العسكرية ولأن الاقتصاد اليمني يعتمد ويتأثر وبمستوى كبير على الاقتصاد السعودي، فقد ساهمت الهجمة الحوثية- عبر الطائرات المسيرة التي ضربت أحد أنابيب النفط في المملكة وما تلاه من زيادة مستوى القلق وارتفاع مستوى الشكوك لدى مالكي الأصول والتجار- حيث أرسل رسالة سلبية قوية لكل المتعاملين في سوق الصرف، خاصة أنه تزامن مع وضع عالمي وإقليمي مشحون وبدا وكأنه جزء منه مع احتمالات المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران. لذلك علينا أن نأخذ هذه التطورات السياسية والعسكري شديدة الخطورة- والتي لاتزال قائمة- بعين الاعتبار عندما نقرأ أسباب التدهور الحاصل في أسعار الصرف وخاصة في النصف الأخير من شهر مايو الحالي. 2- فشل محادثات الأردن غير المباشرة بشأن الاتفاق على الآلية التي سيتم من خلالها توريد عوائد موانئ الحديدة إلى فرع البنك المركزي وتحت إشراف البنك المركزي اليمني، بهدف استغلال هذه الموارد لدفع رواتب موظفي الدولة، أولئك الذين حرموا من الحصول على رواتبهم منذ ثلاثة أعوام تقريباً.. هذا الفشل يعتبر أيضاً من بين العوامل التي ولدت إحباطا جديداً لدى أصحاب عوامل الإنتاج هذا الاتجاه الصعودي، حيث تم قراءتها بأن الانسداد السياسي تعاظم وأن الانفراج أصبح أكثر بعيد المنال وهذا عامل مؤثر. 3- ولا ننسى تأثير تطور المواجهات العسكرية في الضالع والتي تشترك فيها قوات عسكرية ضخمة بدأها الحوثيين وبهذا الجحم الكبير من المقاتلين وبهذه الشراسة، ربما تحدث لأول مرة على هذا المستوى منذ بدء الحرب، في هذا ما يهمني هنا هو الشق الاقتصادي فالملاحظ أن هذه المواجهات تجري في منطقة تحتضن طريق رئيسي يعتبر من بين أهم الطرق في اليمن، حيث يمثل شرياناً مهماً يربط بين عدن وصنعاء ومحافظات أخرى وتمر عبره نحو 60% من البضائع القادمة عبر ميناء عدن المتجهة إلى المناطق كثيفة السكان والعكس هذه الحرب لازالت قائمة فكيف لا تتأثر أسعار السلع والخدمات ويستتبع ذلك أسعار الصرف. السبب الجوهري: السبب الجوهري بين كل هذه العوامل هذه والتي كان المتعاملون بسوق الصرف الأجنبي يحاولون التكيف معها إلى حد ما على رغم تأثير ها- أيضا- وبنسب محددة إذا استثنينا العامل الثالث الذي نسبة تأثيره السلبي كبير نسبياً.. لكن ربما السبب الجوهري والأساسي لما يحصل في سوق الصرف الأجنبي يأتي في نطاق الحرب الاقتصادية واستخدام سعر الصرف كأداة في ذلك، ربما من منطق "عليّ وعلى أعدائي " ولكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار الأثر المترتب على تداعياته وانعكاساته السلبية على السواد الأعظم من الناس. بمعنى آخر هناك وجهة نظر تعتقد أن ما يجري على صعيد سعر الصرف، ناتج عن سلوك جهات تعبث بأسعار الصرف، حيث تقوم بشراء الدولار من السوق والمضاربة فيه وبكميات كبيرة بدوافع متعددة عبر وكلاء وهو الأمر الذي يؤدي إلى رفع الطلب على الدولار وتفاقم ندرته في سوق الصرف الأجنبي وبالتالي أدى إلى هذا التصاعد. هذه الجهات ربما هدفها الضمني البنك المركزي اليمني عدن، حيث تهدف أو هكذا تعتقد أن فروقات الأسعار ستنعكس سلباً عليه وستعرضه للخسائر أخذا باعتبار الفروقات بين سعر الصرف الثابت المعتمد لاستيراد الغذاء 440 ريالا/ دولار وأسعار الصرف في السوق الموازية والذي يتسق مع حملة تستهدف الترويج لفكرة أن التدهور الحالي في سعر الصرف هو نتاج لسياسة البنك المركزي عدن خلق شعور لدى العامة من الناس أن المسؤولية في ذلك سببها حكومة الشرعية والبنك المركزي وبالتالي إبعاد الناس عن فهم الأسباب الحقيقية للتدهور الجاري في القوة الشرائية للريال ومسؤوليتهم فيه. ومع ذلك حتى العامة أصبحوا ببديهتهم المعهودة يستطيعون التخمين وقراءة الأحداث، وأن تغير سعر الصرف وفق كل هذه العوامل تنعكس على تآكل مداخيلهم وعلى وجه الخصوص على أصحاب الدخول الثابتة. أخيراً وعلى رغم هذا التدهور في سوق الصرف اجد نفسي متفائل أن هذا الاتجاه السلبي التصاعدي قد لا يستمر طويلاً.
د. يوسف سعيد احمد
تحليل في العوامل والأسباب التي ولّدت الاتجاه الصعودي الحالي لسعر صرف الدول. 1047