باهتمام بالغ، طالعنا البيان الصادر عن الاجتماع المشترك لجمعية البنوك والصرافين تاريخ ١٧ مايو ٢٠١٩ بشأن طبيعة الصعوبات والتحديات التي تواجه البنوك وشركات الصرافة وفيما يتصل بالمستجدات.. وبالنظر إلى اهتماماتنا العلمية بالدراسات والتطورات في هذا الحقل المالي والمصرفي العام ومتابعتنا المستمرة للتطورات، فقد هدفنا القراءة الموضوعية للبيان وإبداء وجهة نظرنا بشأن ما ورد في هذا البيان الهام. وللحق فقد وجدنا أنفسنا لا نتفق مع الكثير من الرؤى والاستنتاجات التي وردت في البيان المشترك لجمعيتي البنوك والصرافين المشار إليه، ربما لعدم موضوعيتها، وفيما يلي نبين الأسباب: أولا: رأينا فيما يتصل بدور البنك المركزي: لقد تركت البيئة السياسية والاقتصادية آثاراً سلبية كبيرة على عمل الجهاز المصرفي اليمني، لكن نعتقد جازمين أن البنك المركزي اليمني ومن موقعه في العاصمة المؤقتة عدن، قد مارس مهامه بمهنية عالية من خلال متابعتنا للدور الذي يقوم بت، الذي ينطلق من الوظائف والأهداف التي حددت له في قانون البنك المركزي للقيام بعملياته وتنفيذ سياساته النقدية المتاحة والممكنة وهو ما يجسد حرصه الشديد على توفير البيئة المالية والمصرفية الملائمة والمتاحة في سعيه لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمساهمة- إلى جانب الجهد الإنساني الدولي- في منع انزلاق اليمن إلى مجاعة واسعة النطاق. وقد جاءت آلية الاعتمادات المستندية المصممة لاستيراد السلع الغذائية الأساسية عبر نظام الاستعاضة ومن خلال استخدام الوديعة السعودية الـ" اثنين مليار دولار" والتي استغل منها حتى الآن أكثر(٨٥٠) مليون دولار بهدف أن تنعكس إيجابياً على أسعار السلع الغذائية الأساسية في كل مناطق اليمن، دون استثناء وهي الآلية التي تصب في هذا الاتجاه. ومن ناحية أخرى فإن اشتراط البنك المركزي أن فتح الاعتمادات لا يتم إلا عبر البنوك التجارية والإسلامية إلى جانب منح السيولة النقدية للبنوك، كان الهدف منه إعادة الدورة النقدية للبنوك وهي الدورة التي كانت قد تعطلت بعد أن حل الصرافون محل البنوك وانتقلت مهام البنوك وكذلك السيولة وبكثافة- تأثراً بالحرب- من النظام البنكي الرسمي إلى النظام غير الرسمي. كما نعتقد أن حرص حكومة الشرعية والبنك المركزي، على حضور اجتماع الأردن في اللقاء مع مندوب المبعوث الدولي إلى اليمن، الذي اختتم أول من أمس- كان هدفه ضمان أن تورد عوائد ميناء الحديدة وكل الموانئ التابعة لها لتصب إلى حسابات الحكومة في البنك المركزي عدن، لضمان صرفها كرواتب لموظفي الدولة في محافظة الحديدة وغيرها من المحافظات في مناطق سيطرة الحوثيين التي حرم موظفوها من استلام رواتبهم، فلو أن هذه الموارد وجهت لهذا الغرض لما كانت الأوضاع الإنسانية وصلت إلى هذا المستوى المتردي، لكن- كما هو معروف- فإن هذه الموارد جرى توجيهها إلى أوعية أخرى لخدمة المجهود الحربي.. نقول هذا بدون مواربة. ثانيا: في تفنيد البيان المشترك: في البدء عليّ أن أشير إلى أن الوسيلة المثلى والعقلانية لحل القضايا ذات الصلة بعمل البنوك التجارية والإسلامية ونشاط الصرافة لا تتم إلا من خلال الجلوس والمناقشة لمجمل القضايا المثيرة والمسائل والتحديات والمستجدات وليس عبر إصدار البيانات غير الموضوعية.. ومع ذلك لا ألوم ممثلي البنوك والصرافين فرأيهم محل تقدير. ومع ذلك نعتقد أن البنك المركزي سيرحب للقاء المعنيين في جمعية البنوك وجمعية الصرافين في مقر البنك المركزي عدن، في أقرب فرصة ممكنة، لأنهم طلبوا ذلك للاستماع إلى كل ملاحظاتهم والخروج برؤية مشتركة لمعالجة أية صعوبات تستدعي المعالجة من قبل البنك المركزي وبما يحسن من نشاط البنوك وشركات ومحلات الصرافة. في البيان المشترك هناك نقاط لابد من تفنيدها أهمها: 1- ذكر البيان أن المنافسة بين البنك المركزي عدن والبنك المركزي صنعاء، تسبب في إلحاق الضرر بالبنوك وانعكست سلباً على أنشطتها وهذا الكلام صحيح في ظروف البيئة السياسية، لكن ما يحصل للبنوك والصرافين ورجال الأعمال ليس نتاج منافسة بين البنكين، لكن هذا الانطباع الذهني والواقعي وجد في ضوء إصرار الحوثيين على بقاء بنك مركزي في صنعاء بعد قرار الرئيس هادي بنقل مقر وإدارة وعمليات البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد أن تأكد لحكومة الشرعية أن البنك المركزي فقد حياديته. وانطلاقا من ذلك فإن البنك المركزي من المفترض أن لا يتنافس مع فرعه في صنعاء، لكن ماهو حاصل أن الإجراءات الإدارية المتخذة ضد المراكز الرئيسية للبنوك وشركات الصرافة والتجار استغلت ميزة تواجد قيادة الأنشطة المصرفية المالية والتجارية في صنعاء وفرض العقوبات بهدف منعهم من التعامل مع البنك المركزي اليمني.. والذي تدركون أنه تعامل مع الجميع دون تمييز وأنه أصبح يملك مجمل المزايا المرتبطة بنشاط البنك المركزي وعملياته الداخلية والخارجية التي كان يتمتع بها البنك المركزي في صنعاء قبل قرار النقل وتعززت قدراته- أيضاً- بعد انتقال العديد من الكوادر الشابة والمجربة إليه من تلك التي كانت تعمل في البنك المركزي اليمني بصنعاء. ٢- أشار بيان جمعيتي البنوك والصرافين إلى أن البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، أوقف السيولة النقدية التي كانت تصرف للبنوك لمواجهة مصاريفها الإدارية والفوائد الخاصة بالمودعين وأن هذا الإجراء وضع البنوك في عجز.. وهذه الإشارة من جانبهم تبيّن حجم الجهود التي قام بها البنك المركزي اليمني، انطلاقاً من مسؤوليته لإعادة تنشيط دور البنوك ودعم سيولتها ومؤكد سيستمر في ذلك مع تأكد البنك المركزي أن تسهيلات السيولة تذهب للأهداف المحددة. وفي هذا دعونا أن نكون صريحين لنتساءل من سعى ويسعى إلى تحجيم دور البنوك والمؤسسات المالية الأخرى هل البنك المركزي عدن أو أولئك الذين منعوا البنوك والصرافين من إجراء عمليات التحويل المالي بين عدن وصنعاء ومنعهم من تداول الطبعات الجديدة من العملة ومصادرة أصول البنوك والصرافين والتجار المتعاملين بالطبعة الجديدة وإلزام البنوك والصرافين بتداول الأوراق النقدية التي لم تعد صالحة للتداول..؟. ومع ذلك عندما يصب بعض ممثلي القطاع المصرفي وبعض الصرافين، جام غضبهم على البنك المركزي عدن ولا يذكرون طبيعة الممارسات التي تتم بحقهم، نتفهم الأسباب في ضوء ما يتعرضون له من إجراءات ومصادرة.. ٤- ذكر البيان أن الشروط والمتطلبات المرتبطة بالاستعاضة فيما يخص استخدام الوديعة السعودية لا تعكس أي أثر إيجابي.. وهذا الطرح مجافي للحقيقة وغير صحيح ولا دقيق في المطلق. وما يتم هو عملية طبيعية إجرائية تحدث في أي تعاملات مالية عدا أن آلية الاعتمادات المستندية جرى التوافق بشأنها مع جزء معتبر من ممثلي القطاع الخاص وتتوفر فيها درجة عالية من المرونة والملاءمة والتوافق التي تراعي ظروف المستوردين في كل مراحل العملية منذ فتح الاعتماد وحتى ميناء الوصول ومع ذلك لا يسعنا إلا أن نحترم وجهة نظرهم. ٤- فيما يتصل بضعف جهود البنك المركزي بهدف إزالة القيود الخارجية التي تقف حجر عثرة أمام تمكن البنوك من إجراء العمليات الخارجية واستغلال أصولها في الخارج ولدى البنوك المراسلة.. يعلم الجميع مدى الجهد الذي بذله البنك المركزي لتحسين صورة البنوك خارجياً. لكن الأمر مرتبط بدرجة ومستوى تطبيق البنوك والمؤسسات المالية لمبادئ الالتزام/ الإمتثال الدولي في نشاطاتهم ومن بين ذلك، مستوى الانضباط في محاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وسعيا لتحقيق هذا الهدف، فقد وقّع محافظ البنك المركزي الأستاذ/ حافظ معياد، اتفاقاً مع وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن، عشية الملتقى الربيعي للصندوق والبنك الدوليين لتعزيز البناء المؤسسي للبنك المركزي، فيما يتصل بغسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب كما قامت الحكومة بإعادة تفعيل عمل لجنة محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب برئاسة الأستاذ/ أحمد أحمد غالب، والذي يرأس هذا الجهاز منذ سنوات.. ونعتقد أن إعادة تفعيل هذه المنظومة سينعكس إيجابيا على الجهاز المصرفي وسيفضي إلى إعادة عمليات وعلاقات البنوك اليمنية مع الخارج وقريبا. ٥- القضية التي أشار إليها البيان ولكن ضمنياً، ذات صلة بقيام البنك المركزي بسحب السوفيت من الإدارة الرئيسية لـ"كاك بنك" في صنعاء وهو- بالمناسبة- بنك حكومي ولا يندرج ضمن البنوك الخاصة، فقد سبق أن أوضحت اللجنة الاقتصادية- في بيانها المنشور مؤخراً- بهذا الأمر.. وأن الإجراء قانوني ويدخل ضمن نطاق مسؤولية البنك المركزي ولا يشكّل خنقا لعمليات المصارف التجارية الخارجية أبداً لا من قريب أو بعيد، إلا إذا افترضنا أن بنك التسليف التعاوني الزراعي كان يقوم بدور بنك مركزي.. ومع ذلك ندرك- في سياق متصل- أن البنك المركزي اليمني على استعداد لتسهيل عمليات البنوك التجارية الخارجية لتتم عبره وبدون أية صعوبات.
د. يوسف سعيد احمد
قراءة للبيان المشترك لجمعيتي البنوك والصرافين اليمنية. 775