رفضت إيران مؤخراً التوجه الأميركي لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين، تنظيماً إرهابياً حيث أكد وزير الخارجية الإيراني/ محمد جواد ظريف، رفض طهران لهذا التوجه الأميركي وقال ظريف للصحفيين على هامش فعاليات منتدى التعاون الآسيوي في الدوحة اليوم الأربعاء الماضي 1 مايو أيار 2019 أن " الولايات المتحدة ليست في وضع يمكّنها من تسمية الآخرين منظمات إرهابية، ونرفض أي محاولة من جانب الولايات المتحدة في هذا الصدد". وبرأي الكثير من المتابعين فإن الخارجية الإيرانية أرادت من خلال هذه التصريحات إيصال رسائل عديدة على النحو التالي: 1 - رسالة مجاملة لدولة قطر التي استضافت وزير الخارجية الإيراني/ محمد جواد ظريف وأعطت لإيران منبراً هاماً في "فعاليات منتدى التعاون الآسيوي" المنعقد بالدوحة وهذه الرسالة مفادها بأن إيران تتفق مع قطر في الرؤى والتوجهات في المنطقة إذ من المعروف أن دولة قطر تدعم جماعة الإخوان وتعارض تصنيف واشنطن لهم كمنظمة إرهابية وأن العلاقات الثنائية بين ايران وقطر والتي تعززت منذ حصار قطر من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين تفرض مثل هذا التوجه من قبل إيران وظريف بهذا التصريح يريد مزيدا من تعزيز العلاقات وإظهار التوافق في الرؤى بين إيران وقطر حول قضايا المنطقة وقواها السياسية. 2- الرفض الإيراني لتصنيف واشنطن للإخوان كمنظمة إرهابية هو أيضا رسالة مغازلة ومجاملة إيرانية لتركيا في وقت تعززت فيه علاقات إيران بتركيا وتجاوز البلدان صراعات الماضي وخلافات الحاضر إلى تعاون استراتيجي في مجالات عدة، أبرزها المجال الاقتصادي والسياسي والأمني وصارت تركيا تستورد 40% من حاجياتها من الغاز من إيران وأكثر من 14% من حاجاتها من النفط من ايران كذلك، كما تنامى مستوى التجارة البينية بين البلدين ووجدت طهران وأنقرة أن التعاون والتنسيق بينهما، فضلاً عن كونه سيحقق المصالح المشتركة للبلدين هو ضرورة لتجاوز العقوبات الاقتصادية الأميركية التي لم تسلم منها أنقرة- أيضاً- كما أن موقف تركيا المعارض للعقوبات الأميركية ضد طهران يقتضي رد جميل من هذا النوع إضافة إلى أن تركيا ترفض توجهات واشنطن التي تدرس تصنيف جماعة الإخوان المسلمين بصفتها جماعة إرهابية وتحتفظ بعلاقة جيدة مع الجماعة وتستضيف الكثير من قياداتها، إذن فهذا الموقف الإيراني يريد إظهار التوافق مع تركيا في هذه القضية، خاصة وأن إيران في أمس الحاجة إلى وقوف تركيا معها خلال الفترة القادمة، حيث تسعى لدفعها لتحدي العقوبات الأميركية ومواصلة استيراد الغاز والنفط الإيراني، بما يسهم في كسر الحصار الأميركي المفروض على إيران. 3- تريد إيران من خلال هذا الموقف إرسال رسالة إيجابية لقيادات وقواعد جماعة الإخوان في العالم العربي والإسلامي بأن الجميع مستهدف من قبل الأميركان سواء بالعقوبات والحصار الاقتصادي أو بالتصنيف في قوائم الإرهاب وبأن على الجميع الوقوف مع إيران سياسياً وإعلامياً وتجاوز الخلاف المذهبي وحشد الرأي العام العربي والإسلامي معها وهو نجاح كبير لإيران في حال تحققه إذ من المعروف أن للإخوان نفوذا وتمثيلا سياسيا في الكثير من الدول العربية، حيث يشاركون بفعالية في الحكم في المغرب وتونس، إضافة إلى امتلاكهم منابر إعلامية فاعلة ولديهم قدرة على حشد الرأي العام والتأثير في الشارع العربي والإسلامي ونجاح ايران في كسبهم إلى صفها أو على الأقل تحييدهم هو انتصار كبير لإيران. 4 - رسالة للقوى الإقليمية والدولية بأن إيران سوف تتحالف مع كل الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية في العالم العربي والإسلامي الشيعية والسنية لتشكل تحالف ضد التوجهات الأميركية في المنطقة، بما يسهم في كسر الحصار الأميركي المفروض ضدها وبما يسحب البساط من تحت أقدام السعودية والإمارات ويؤجج الحملات الإعلامية ضدها ويعمق من خلافاتها مع قطر وتركيا فتزداد علاقاتها بإيران قوة ومتانة كتحالف ضرورة ومصالح لابد منه. * حملة إعلامية ضد ايران وقطر وتركيا والإخوان وعقب بث تصريحات ظريف انطلقت حملة إعلامية سعودية إماراتية مصرية تشيطن الإخوان وايران وتصفهم مع تركيا وقطر بـ"شياطين الشر" و"تحالف الإرهاب"، وغيرها من المصطلحات والتهم كما نبشت هذه الوسائل الإعلامية المقربة من حكام هذه الدول في تأريخ العلاقة بين الإخوان وايران وزيارة القيادي الإيراني/ نواب صفوي، في الخمسينات لمصر ولقائه بشخصيات من الإخوان وترحيب الجماعة بثورة الخميني وكيف أن المرشد الإيراني/ علي خامنئي قام بترجمة كتب لـ"سيد قطب"، وهي المجلدان الأول والثاني لتفسير "فی ظلال القرآن" و"المستقبل لهذا الدين" و"الإسلام ومشكلات الحضارة" من العربية إلى الفارسية ولقاءات حدثت في أوقات متفرقة بين شخصيات إيرانية وشخصيات من الإخوان أو من المحسوبين عليهم وبعضها في فعاليات حول القضية الفلسطينية وواقع الأمة وقضايا مشتركة لا خلاف عليها...الخ. وبرأي الكثيرين فإن تصريحات ظريف هي لتوجيه الرسائل الإيجابية لقطر وتركيا وجماعة الإخوان والقوى الإقليمية والدولية كما أوضحنا سابقا إذ لا تعدو كونها تصريحات تكتيكية آنية فرضتها ظروف ومستجدات اللحظة الراهنة ولا تعبر عن توجه استراتيجي إيراني نحو الإخوان إذ أن ايران تربط مواقفها مع سائر القوى في المنطقة بمدى ولائها لإيران وخدمتها لمصالحها وتتعامل مع القوى السياسية في كل دولة عربية بحسب قربها أو بعدها من حلفاء ايران فيها وتقاطعها مع مصالح طهران وتوجهاتها ومن يدرس واقع الإخوان في الدول العربية التي لإيران نفوذ فيها كالعراق وسوريا ولبنان واليمن يجد الجواب والصورة الواضحة لتوجه إيران نحو الإخوان. الخلاصة: الخطاب السياسي الإيراني يظهر دوماً مرونة وانفتاح على مختلف القوى السياسية العربية والإسلامية ويتجاوز الاختلاف المذهبي والسياسي في تطور لافت وفي سعي لما يحقق مصالح إيران وتوجهاتها بل ويرسل هذا الخطاب رسائل ايجابية لهذه القوى السياسية وللرأي العام العربي والإسلامي على عكس الخطاب السعودي الإماراتي الذي يشيطن الجماعات الإسلامية التي تربى الكثير منها في بلدانه وبين أحضانه ويسعى لدفع واشنطن لتصنيفها في قوائم الإرهاب وهو توجه غير حصيف وخطاب عدمي فحين دعمت إيران كل الفضائل والجماعات الشيعية في المنطقة بكل السبل والوسائل كما دعمت كل الحركات السنية التي يمكن أن تحقق لها خدمات ومصالح ولو إعلامية كحماس والجهاد وغيرها على العكس حاربت السعودية والإمارات كل الجماعات السنية وبكل السبل والوسائل وقدمت لواشنطن تقارير سوداء عنها وطلبت من واشنطن والدول الأوربية تصنيفها في قوائم الإرهاب اذ لا تجيد سوى صناعة الأعداء وخسارة الحلفاء وإطلاق الرصاص على قدميها وإشعال النيران حولها!! * باحث متخصص في الشأن الإيراني
محمد مصطفى العمراني
لماذا رفضت إيران تصنيف واشنطن للإخوان كمنظمة إرهابية؟ 1335