لطفي جعفر أمان- الشاعر الجنوبي الموهوب الذي يعد القامة الجنوبية الكبرى والذي لم يحصل على الاحتفاء بقدر ما حصل الفضول أو المقالح أو حتى مثل البردوني الذي احتفاء به في كتابه الخالد رحلة في الشعر اليمني والذي أعاد الاعتبار لأبرز قامة ثقافية جنوبية لم تحظ بما حظي به شعراء الشمال، ما كتب عنه البردوني يهم كل مثقف، فحينما يكتب العظيم عن العظيم فلا مجال إلا للولوج في القراءة، أن ما كتبه البردوني عن لطفي.. يكفي عن ألف مهرجان تكريمي، لطفي جعفر أمان خالد فقد عرفته الأجيال من المقرر المدرسي ومن الدراسات الأدبية التي كتبها نقاد في مجلات أدبية وكم تغنيننا بقصيدته بلادي حرة التي مطلعها: على أرضنا بعد طول الكفاح تجلى الصباح لأول مرة وطار الفضاء طليقا رحيبا .... يقول البردوني إن الشاعر جعل مدرسته وجهه عامة لا تمنعه من الالتفاف إلى هنا أو هناك، ويبدأ البردوني من قصيدة غزو الفضاء لاعتزاز الشاعر بها فهو شاعر إيحائي يستخدم الرمز للتعبير والواقعية ومدرسة أبولو أبعد من ذلك أنه أجاد الهضم فأضاف جديداً ولشده هضمه ابتلع المحاسن والعيوب فقد تجده هوة هنا ونشاز هناك كما سوف نرى ففي قصيدة غزو الفضاء يقول: أنا هذا الإنسان أسطورة.. يشدوبها الدهر من فجر الضياء أنا أسطورة وأعجب منها إنني في حقيقة الأشياء الخرفات من خيالي ولكن معجزات الوجود من أنشائي المقطع بعجزة وصدرة تحول الحياة حتى في نفوس العجائز عاشقات المألوف، فالتكرار للأسطورة في صدر البيت الأول والثاني هذا التوكيد هو برهان على أسطرة الإنسان والأسطورة واقع وخيال، ليس من عصرة بل من عصر الإنسان الأول أنسان.. العصر القديم والخرافات، التي تحكى للأطفال حتى عصرنا هذا، وإن كان هذا الرأي مخالف لنقد البردوني أن الانسان ليس أسطورة والأساطير من تصوراته بل من كتابته فلا تسمى الأسطورة أسطورة إلا اذا سطرت بيد الإنسان.. البيت الثاني التي تؤكد ذلك فحينما يصنع الشاعر الخرافات تكون معجزات الوجود من إنشائه. أمي أنا هذي التي انحدرت من الشرق القديم.. كانت تمد على طفولة خاطري الظل الرؤوم وأمومة القلب الرحيم وتلم من حولي الرفاق تلقى حكايتها علينا من خيالات رقاق عن ذلك الفرس المجنح وهو منطلق يطير وزواجه في زفة البلدان من بنت الأمير حتى اذا مات الأمير وليس يخلفه أمير عرضوا على الفرس المجنح أن يكون هو الأمير فأحيل إنسانا كأجمل ما يكون به الأمير وأنا ومن حولي الرفاق نصغي ونحتك التصاق ونكاد نأكل ثوبها الضافي على طرف السرير نصغي لصوت الشرق سحري الأساطير العجيبة فتسلسل الإلهام يعبق بالحكايات الغريبة أمي أجل هذي التي انحدرت من الشرق القديم اليوم تصرخ في الشبيبة حين جار على الديار المجرمون اللاحقون بأرضنا الموت، الدمار أمي تزمزم كالرياح العار لو وطني يباح وتهيب بي قتلوا أباك أسروا أخاك الثأر يا إبني أفق، الثأر ليس له سواك يقول البردوني في نقد هذه القصيدة (هذا هو الشعر من معطيات الأرض الخالدة، تدفق من خاطر لطفي تدفق النهر كفن عمودي متطور، والتدفق لا يعدم الحفر والحصي والغثاء، ونحن نحتك التصاق، احتكاك اللحم باللحم اكثر من التصاق مستشهد: ونكاد نأكل ثوبها الضافي على طرف السرير.. يضيف البردوني متسائلا لماذا لا يأكلون صوتها فهو أصدق على استحلاء الحديث فالتلهف إليه لا إلى القماش، فلا أظن أن طفلاً تمنّى أكل قميص أمه مهما أحب. جهاد خمسة أعوام لابني جهاد خمس شموع في دمي في أتقاد.. تيجانها الحمراء لا تنطفي.. منابع النور لديها ارتياد. سقيتها حبي وأفرغته. وكلما أفرغت حبي زاد فتيلها يخفق في أضلعي .. سيقانها مغروسة في النور لديها ارتياد استعذب لطفي كلمة ابني بهمزة القطع، حتى لو أمكن إبدالها بألطف منها فيخل بالموسيقى أو الأبوة: خمسة أعوام لطفلي جهاد.. خمس شموع في دمي في اتقاد خير ما قاله الآباء الشعراء في أعياد ميلاد أبنائهم لكن الطفل في السنة الخامسة لم يعد محمولا على أرجوحة كجهاد، يقول البردوني في تحليله لهذه الأبيات التي تجعل الشاعر أكثر رهافة تجاه ولده أما التيجان الحمراء للشموع المضاءة، فجميل لكنها تنطفي لأن كل احتراق إلى انطفاء حتى النجوم عند المعري إلا أن هذه شموع خاصة من الأعوام، ولماذا لا يكون نور الشموع من ذاتها كما في الواقع.. في اختتم المقطع سمفونيا: فتيلها يسحق في أضلعي \سيقانها مغروسة في الفؤاد ## ذنب نزار في: ما أكثر الرجال يا سيدي ما روضة إلا لها طائر يقول لطفي: اضحك وباه الورد بين الرفاق \ واقطف كروم الفرحة الدانية غدا ترى الدنيا وتلقى الصحاب/ تطحنهم معركة دامية لو لحظة يغفل كل الورى/ في حلم الطفولة اللاهية نزاعهم ينهار في لحظة / وحبهم يعود في ثانية في المقطع الكلمات التالية الرفاق، الفرحة الصحاب، الطفولة.. هذه الكلمات المقتطفة التي تندفع إلى السمو بالحب وبالطفولة وبالصحوبية الحقة.. يقول البردوني إن الكسر في شعر نزار التي أوردت مسبقاً أو مقطع لطفي نشاز على الشعر لا هو خليلي البحر ولا تفعيلي، حد الب ردوني، لكنه يتدفق في مجرى طويل وإنما هو من العمودي المتطور الذي شاع في الخمسينات وتطور إلى أسوأ والى أفضل كتطور مجتمعاتنا مع أن المحافظة على الموسيقى العامة في الشعر المرسل والمقيد ببحر وقافية يفضحان بوضوحهما وجه النبرة الناشزة فهل يجتنب هذا لطفي أم يعتبر هذا من الإغراق في الحداثة. سأزرع في ضفة المستحيل/سعادات جيل وآمال جيل هو تحليق فالسعادة في الواقع الملموس وليست في المستحيل كما يقول البردوني، مستشهدا بقول فيلسوف صيني. السعادة: لين يوثاج فيلسوف صيني برهان (رجعت إلى بيتي ومعي ضيف فقلت لامرأتي هل لدينا من المال ما يكفينا ثلاثة أيام مع ضيفنا فقالت: خذ هذا المشبك الذهبي وبعه سوف يكفينا ثمنه لأكثر من ثلاثة أيام، أليست هذه هي السعادة ? هكذا اقتصر البردوني الشاعر اليمني العظيم أن يبرز الشاعر لطفي أمان في كتابة رحلة في الشعر اليمني وهذا يعد مقياسا أو مرآة للطفي الشاعر والقائمة الثقافية الكبرى وكما ارتأينا العنوان.. لطفي جعفر أمان في مرآة المبصر عبد الله البردوني.
فتاح المقطري
لطفي جعفر أمان في مرآة المبصر عبد الله البردوني 1497