لا يخفى على الكثير أن الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها قوات الحزام الأمني في اليمن الموالية للإمارات تتعاظم يوما بعد آخر لتصل إلى مضايقة المسافرين وإرهابهم وأخذ ما بحوزتهم بالقوة والسطو القهري والمستفز، دون مراعاة للنساء المسافرات، في انتهاك صارخ للعادات والتقاليد والقيم التي يتحلى بها مجتمعنا وخروقات واضحة لتعاليم ديننا الحنيف في التعامل مع النساء أيضاً. كما تُتَهم هذه القوات بالضلوع في عمليات قتل واحتجاز وتعديات خارج القانون، واستهداف ممنهج ومتواصل للمسافرين وخصوصاً المسافرين على خط "تعز - لحج - عدن - أبين - شبوة – مأرب" وكذا إدارة سجون سرية تابعة للإمارات في جنوبي اليمن وغيرها من الانتهاكات التي لا تتسع هذه الصفحة لكتابة شيء بسيط فيها. قوات &الحزام الأمني& هي عبارة عن قوة أمنية وعسكرية تنشط في جنوب اليمن، تأسست عام 2016 بدعم إماراتي، وتضم في صفوفها خليطا متنوعا من الضباط والعسكريين الجنوبيين ونشطاء الحراك الجنوبي وبعض المحسوبين على التيار السلفي، وتعرف بولائها المطلق لدولة الإمارات وخدمة أجندتها ومشروعها الخارج عن أهداف التحالف في اليمن. لا يخفى على أحد أن الحزام الأمني ارتكب انتهاكات جسيمة منذ تأسيسه في العام 2016، حيث شن حملات مداهمات لمنازل ومحلات واعتقال، ورحّل مئات من المواطنين الذين ينتمون للمحافظات الشمالية إلى خارج محافظة عدن. ولا يخفى على الجميع أن الحزام الأمني يتعامل مع المسافرين بطريقة وحشية واستفزازية لإرهابهم والسطو على ممتلكاتهم الخاصة كالمال والبضائع وحتى الملابس لم تسلم منهم. قبل يومين سافرتُ من محافظة مأرب إلى محافظة عدن في عمل خاص، كانت رحلة شاقة ومتعبة ومصحوبة بالرعب والخوف الذي كان يمتلك المسافرين بجواري. قبيل الانطلاق شدد سائق الباص على جميع المسافرين أن تكون كلمة الجميع في نقاط التفتيش هي العمل، أي أن ينفوا أي صلة لهم في الجيش أو الأمن، وأن يقولوا إنهم عبارة عن عمال، وكذلك طلاب وغير ذلك، سألت الجميع لمَ كل هذا الفزع؟ هل عادت خلايا تنظيم القاعدة إلى النشاط مجددا في الجنوب؟ رد عليَّ أحدهم: سلام الله على القاعدة، قد معنا الحزام الأمني يتمهرنا من قبل ثلاث سنوات، أين أنت ضايع؟ قلت في نفسي: هل وصلت الإمارات إلى هذا المستوى الوحشي في تسيير الحزام الأمني لإرهاب المسافرين؟ وما الحاجة من ذلك؟ اتفق الجميع وشددوا عليَّ بعدم ذكر مهنتي كإعلامي أو صحفي او ذو صلة بالجيش، وتكون إجابتي أننى طالب في الجامعة فقط، قلت لهم لا بأس عليكم، لن ينالني شيء منهم وهم عبارة عن جنود مثلكم تماماً، قالوا ليسوا مثلنا ولا هم يحزنون، هؤلاء لديهم سجون سرية ومعتقلات تحت الأرض وكذلك أي أحد يقاومهم أو يدخل بعراك معهم يقتلونه بدم بارد، وشددوا على بعضهم بأن يرسلوا ما في حوزتهم من أموال إلى أهاليهم خوفا من أن يأخذها الحزام الأمني وكذا أن يتركوا كل شيء يربطهم بالسلك العسكري أو الأمني. هذه المخاوف ولّدت لدي شعور بالفضول لمعرفة ما يحصل في المحافظات الجنوبية وبالأخص في خط طريق المسافرين، فوافقتهم على ما طلبوه منّي ومن ثم انطلقنا، ولا أخفيكم أن الجميع كانوا من تعز. تعدينا كل النقاط الأمنية التي في مأرب وصولاً إلى أول نقطة تفتيش تابعة للنخبة الشبوانية في شبوة التابعة للإمارات وهي تعتبر حزاماً أمنياً شبيهاً بالحزام الأمني لعدن بل يعتبر أحد فروعه لتبدأ رحلة المعاناة من هناك. استوقفنا الجندي سائلاً: من أين أنتم قادمون؟ أجبناه: من مأرب. قال: أنتم عسكر، صح؟ أنتم عسكر تبع الإخوان؟ تبع علي محسن؟ ارتبك الجميع وقالوا لا، نحن عمال، وآخرون يقولون إنهم مقاوتة وغير ذلك، ثم أخذ البطائق وأخذ يحدّق النظر فيهن وهمس في أذن السائق قائلاً: خارجني أخارجك، وأنا أراقبه بكل فضول لمعرفة ما يدور، فأعطاه السائق مبلغا لايستحق الذكر 250ريالاً لا غير وأخذ البطائق واستأنفنا السفر مجدداً، وكانت هذه المعاملة سارية على بقية النقاط من شبوة وصولاً لنقطة ( العَلَم) في مدخل محافظة عدن وهي النقطة التي يرتعب منها كل الركاب. وبنفس الطريقة سألنا الجندي من أين أنتم قادمون؟ أجبناه: من مأرب، فقال للسائق: تنحّى جانباً، ثم أتى وأنزل كل من في الباص مع العوائل (النساء) وأخذ وبعض الجنود في تفتيشنا وكل ما كان بحوزتنا، ثم قال: أنتم كلكم جنود تبع علي محسن وتبغون تدخلوا تدمّروا عدن، أجابه الركاب: لا لا ولا نحن جنود ولا نعرف العسكرة، فصاح بصوت مرتفع: أنتم عسكر ومن يريد أن يخارج نفسه يدفع خمسة آلاف ريال والذي لن يدفع ينزل، هنا انتابتني الحمية واستفزني ذلك الأسلوب الخاص باللصوص وقطاع الطرق، وقلت بصوت مرتفع: مقابل ماذا تريد منا هذا المبلغ؟ قال ذلك الجندي: من هذا اللقن، تعال تعال هنا، ذهبت وكلّي شجاعة وثقة أنه ليس بمقدوره فعل شيء، والجميع خائفون ينصحونني بالرضوخ ودفع المبلغ، نكاية بهم تحت رحمة قطّاع الطرق هؤلاء، وأخذ يسحبني الجندي بطريقة عنجهية من معطفي ويقول با تدفع وأنت مدعوس، فقلت- وبصوت مرتفع- أيضاً: أدفع مقابل ماذا؟ وسحبت يده من معطفي بقوة لتستفزه مجابهتي له بهذه الطريقة وأخذ يضربني هو وأحد زملائه الجنود بأعقاب البنادق ضربتين في ظهري ليأتي أحد زملائه الآخرين بنفس اللحظة وينقذني منهم وبقية الركاب مرعوبين يتفرجون للموقف، مكتوفي الأيدي لا حول لهم ولا قوة، فنزل السائق وقال: خلاص خلاص أنا سأدفع عنه خمسة آلاف ريال ونحسم المشكلة، وهم يريدون مع إصرارهم الشديد أخذي إلى سجن القلعة- كما كانوا يهددون ويصيحون بأصوات مرتفعة- ليوافق الجميع على هذا المقترح، فدفع السائق المال الذي فرضوه عليَّ نكاية بالبقية ليسمحوا لنا بعد ذلك بمواصلة السير مهددين الجميع- في الوقت نفسه- بعدم الدخول إلى مدينة عدن وإلا سيكون العقاب صارماً إن خالفنا. واصلنا السفر لنصل لمفترق طرق تصل منه إلى عدن وآخر إلى تعز، فوقف السائق ونزلتُ أنا هناك وأعطيته المبلغ الذي قدمه عنّي في النقطة ومضيتُ وأنا في قلبي جهنم بحد ذاتها تشتعل غيضاً وحزناً على ما وصلنا إليه من معاملة قاسية بكل المقاييس ولا تمت للشرعية بأي صلة، بل وتجذر العلاقة الوطيدة بين الإمارات الخارجة عن أهدف التحالف في مساندة الشرعية لاستعادة البلاد من الانقلابيين، وبين الحزام الأمني وبقية الفصائل التي تنشئها كأجندة لتنفيذ أهدافها الخاصة في اليمن. 2019/4/10م
رفيق العربي
الحزام الأمني، هل لتأمين المواطنين أم لإرهابهم؟ 912