قبل فترة قصيرة، وصف رجل الإمارات في اليمن عيدروس الزبيدي الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن بأنه شراكة، مشيداً بدوره في تقدم الجنوب وتحضره في مجالات عدة. مع أن الجميع يعرف، أن الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، يعد ثاني أطول فترات الاحتلال الغربي للبلاد العربية، بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر، وحتى الزبيدي يعرف ذلك، ويعرف أيضا أنه يكذب في توصيفه للاحتلال بالشراكة، ولكنه الغباء عندما يتحول في نظر صاحبه إلى "ذكاء دبلوماسي". لقد عانى اليمنيون في جنوب الوطن، من بطش وهمجية الاحتلال البريطاني على مدار 128 عاما، ذاقوا خلالها الويلات، وما تحفل به بعض الصور الأرشيفية النادرة، تظهر مدى الإذلال والإهانة الذي مارسه جنود الاحتلال البريطاني بحق المواطنين، لكن الزبيدي لا يلتفت للتاريخ الأسود لبريطانيا، بقدر ما يبدي امتنانه لها كونها فقط، أنشأت الكيان المسمى إمارات الجنوب العربي، الذي يناضل الزبيدي لتطبيقه على أرض الواقع بعد أن فشلت بريطانيا في ذلك قبل ستين عاما. وإذا كان الزبيدي ومن على شاكلته في المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، ينظرون إلى الاحتلال البريطاني على أنه شراكة أدت إلى نهوض جنوب الوطن في مجالات القانون والتعليم والإدارة، فلن يكون مستغربا أن يتحول السلوك الاحتلالي للإمارات والسعودية وعبثهما في الأرض اليمنية، إلى شراكة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السلطة الشرعية، تشارك المجلس الانتقالي في توصيف هذا السلوك الاحتلالي بالشراكة. إن الحديث عن الشراكة يستوجب وجود علاقة ندية بين طرفين أو أكثر تؤدي إلى تحقيق المصالح المشتركة، ومراعاة أي ضرر قد يصيب مصالح أيا من الطرفين، لكن ما فعلته بريطانيا لم يكن شراكة وإنما احتلال، وما تفعله الإمارات والسعودية من ممارسات توسعية تندرج ضمن الاحتلال والوصاية لا التحالف والشراكة. هل من الإنصاف والمنطق أن نسمي السيطرة الإماراتية على الجزر والموانئ اليمنية وبناء القواعد العسكرية والسجون السرية التي يتعرض اليمني فيها لسوء العذاب، هل من العدل أن نسمي ذلك تحالفاً وشراكة؟ وهل من المنطق، أن نسمي التآمر الإماراتي على وحدة اليمنيين وتطلعاتهم، وعلى مدنهم كـ تعز ومأرب وعدن بالتحالف والشراكة؟ إن ما تمارسه الإمارات اليوم من عبث في المناطق المحررة، لا يختلف عما كانت تمارسه بريطانيا في الماضي في ذات المناطق، مع فارق أن تدخل الإمارات كان بموافقة السلطة الشرعية، وهي الموافقة التي منحت الإمارات غطاء لاحتلالها وتوسع نفوذها من حضرموت شرقا وحتى الحديدة غرباً، ومكنتها من ممارسة دور الآمر الناهي في كثير من مناطق هذه المساحة الممتدة على طول الشريط الساحلي. ما تمارسه الإمارات من سلوك احتلالي، تمارسه السعودية- أيضاً- في محافظة المهرة، من خلال محاولتها إنشاء قوة عسكرية موالية لها، بعد إنشائها قاعدة عسكرية، ضمن خطة مرسومة سلفا، حتى تتمكن من تمرير أنبوبها النفطي إلى بحر العرب عبر المهرة، وهو ما أفشله الأهالي حتى اللحظة من خلال رفضهم المستمر لهذا السلوك الاحتلالي والعبثي، بينما غابت السلطة أو غيّبت عن اتخاذ أي موقف حازم. خلال شهر فبراير الماضي، تحدث وزير الداخلية اليمني/ أحمد الميسري، عن ضرورة تصويب الخلل الذي أصاب العلاقة مع "التحالف العربي" وتحدث عن منازعة الإمارات دون أن يسمها، للسلطة الشرعية في عدن، خاصة في الملف الأمني الذي يديره أشخاص يتبعون أبو ظبي، وفي حين حاول الوزير استخدام لفظ الخلل لرفع الحرج عن منصبه، إلا أن التوصيف الحقيقي لهذا الخلل هو السلوك الاحتلالي الذي تمارسه الإمارات والسعودية، ومصادرتهما للقرار السياسي والعسكري اليمني. لقد أضحى الخلط بين الاحتلال والشراكة في المرحلة الراهنة ولو من باب النفاق والمجاملة، أمر يحتاج إلى مراجعة من الجهات ذات الصلة، لأن الواقع على الأرض لم يعد يتسع لمزيد من المجاملات على حساب الأرض وساكنيها، ومن العار تسمية الأشياء بمسميات نقيضة.
منذر فؤاد
شراكة أم احتلال؟ 855