لازال الرئيس الأميركي ”ترامب” مستمراً في شن اتهاماته لإيران بوقوفها وراء تهريب الأسلحة للحوثيين، وإيضاح نوعية تلك الأسلحة، والطرق التي يتم اتباعها لإيصالها للحوثيين، وقد أكثر في ذلك حتى قال المراقبون إن ذلك من باب المناكفات السياسية بين واشنطن وطهران، وليس من باب إظهار الحقائق، وجدية التعامل مع هكذا خروقات إيرانية، ولو كان جادا حقيقة لتبنى قرارات تأديبية على إيران والحوثيين معا. وهو حقاً كذلك من باب المناكفات السياسية بين واشنطن وطهران، أما حقيقة الموقف الأميركي فهو الدعم المطلق لبقاء الحوثيين كشوكة في خاصرة دول الخليج ليتسنى لهم نهب ثرواتهم باسم الحوثي، ولذلك رأينا كيف كان الأميركيون يسارعون لإيقاف المعارك التي يكاد فيها الجيش الوطني أن يقضي على الحوثيين، ويمارسون ضغوطاتهم لإجبار الجيش الوطني والتحالف على العودة من حيث أتوا، إنقاذاً للحوثيين، وحبا في بقائهم كقوة يعتمد عليها مستقبلا في تخويف دول الخليج. بالتأكيد كان الأميركيون ولازالوا على إطلاع مسبق بعمليات التهريب، لكن تلك العمليات كانت توافق هوى لديهم، وغير بعيد أنهم كانوا يساهمون في تأمين وصول الأسلحة المهربة للحوثيين، غير أنه بعد الخلاف الأميركي الإيراني كثرت الاتهامات الأميركية لطهران، ومع ذلك لم يلتفت أحد لها. ولو سلمنا جدلا بأن الأميركيين يرغبون حقيقة في كشف تورط طهران في عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين، فإن العقل يقول إن على الأميركيين أن يكشفوا للرأي العام العالمي أولا الطرق التي يستخدمها الإيرانيون في تلك العمليات، والجهات التي تسهل لهم عمليات التهريب ثانيا، إذ ليس من المعقول أن نلوم الإيرانيين بقدر ما نلوم الجهات المسهلة لعمليات التهريب، وإحالتهم للتحقيق، سواء كانوا أفرادا أم جماعات، محليين أم دوليين، ومن غير المعقول كذلك أن الأميركيين لا يعرفون ذلك. ولو تتبعنا خطوط التهريب التي يمكن أن يسلكها مهربو الأسلحة الإيرانية، حتى وصولها إلى الحوثيين لوجدنا أن التقارير الأممية حددت طريقين: الأول بحري عبر البحر باتجاه الصومال ومنها إلى موانئ الحديدة، والثاني بري عبر موانئ المكلا وشبوة. فأما البحر الأحمر فيقع تحت المراقبة المباشرة للأمم المتحدة، وتجوبه السفن الحربية والطائرات العسكرية لدول التحالف على مدار الساعة، وأما الموانئ الجنوبية فإنها تقع تحت السيطرة المباشرة لدول التحالف؛ وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة وقواتها المتحكمة فيها. والسؤال كيف يتم تهريب الأسلحة للحوثيين عبر هذين الطريقين؟ وما الجهات التي تسهل التهريب؟ أما الجهة التي تسهل التهريب في البحر فقد اتهمت الشرعية والتحالف سابقا موظفي الأمم بتسهيل عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر سفن الإغاثة الإنسانية، كما أن تسريبات بعض المسئولين الحكوميين في الشرعية أشاروا في اتهامات صريحة أن التهريب يتم عبر ناقلات النفط التي تأخذ تصريحاتها من التحالف نفسه، فتشق طريقها من ميناء دبي إلى ميناء نشطون في المهرة الذي كانت القوات الإماراتية مشرفة عليه حتى العام 2018، ومنه إلى موانئ الحديدة، في كانت تلك الاتهامات واقعية فقد باتت الجهات العاملة في التهريب عبر البحر معروفة، وهي الأمم المتحدة والتحالف العربي. وأما طريق البر والذي تستخدم فيه الموانئ الجنوبية كطريق آمن لتهريب الأسلحة للحوثيين فمن السهولة بمكان معرفة الجهات المتورطة في التهريب. فقبل مقتل الرئيس السابق “صالح” كان التحالف يتهم القوات الشمالية المرابطة في المنطقة الأولى والمقربة من صالح بتهريب الأسلحة للحوثيين عبر الموانئ الجنوبية في المكلا وشبوة، وهو ما حمل القوات الإماراتية على الإصرار في طرد تلك القوات الشمالية وتسليم الموانئ للأحزمة الأمنية وقوات النخبة التابعة مباشرة للقوات الإماراتية، وحتى مع تسلم هذه القوات استمرت عمليات التهريب عبر هذه المنافذ على أشدها، ما يعني وجود علاقة مباشرة بين التهريب وتلك القوات، وفي تقديري لن تجرؤ تلك القوات على اقتراف هكذا جرائم ما لم تكن على تنسيق مسبق مع القوات الإماراتية، ورضا مطلق من دولة الإمارات نفسها. وعندما قلت أنه من غير المعقول أن تكون واشنطن لا تعرف الجهات التي تهرب الأسلحة للحوثيين، فإن المطالبة المتكررة من الكونغرس بوقف بيع الأسلحة الأميركية للسعودية والإمارات، أعظم دليل على ذلك، ولو تتبعنا التقارير الأميركية والدولية لعرفنا لماذا الكونجرس يطالب بمنع بيع الأسلحة لهاتين الدولتين. ففي آخر تقرير نشرته شبكة CNN، كشف أن الأسلحة التي قدمتها واشنطن للسعودية والإمارات لدعمهما في حرب اليمن انتهى بها المطاف إلى يد تنظيم “القاعدة” وجماعة الحوثيين المدعومة من إيران. وفي تقرير ألماني أفادت فيه الحكومة الألمانية بأن لديها معلومات عن سوء استخدام السعودية والإمارات للأسلحة الألمانية في اليمن، وأن البلدين لا يلتزمان بالوجهة النهائية للأسلحة الألمانية بعد تسلمها، حيث أظهر فريق استقصائي ألماني فيديوهات وصورا التقطتها الأقمار الصناعية حددت جغرافيا أماكن وجود عدد من أنظمة التسليح ألمانية الصنع في اليمن، وهو ما يؤكد تورط السعودية والإمارات بتهريب الأسلحة للحوثيين. قد ربما لا توجد أدلة تدين الإمارات مباشرة بالقيام بعمليات التهريب، لكن المؤكد؛ والذي لا تستطيع الإمارات إنكاره؛ أن العلاقة بين المجلس الانتقالي المدعوم بقوة من الإمارات والحوثيين وطيدة جدا، وعلى أعلى المستويات، وبإشراف مباشر من طهران وحزب الله، وتحت مرأى ومسمع القوات الإماراتية، ومن المؤكد أيضا أن المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات هو من يقوم بتسهيل عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر الموانئ الجنوبية في المكلا وشبوة وعدن، ويستحيل على قيادات الانتقالي القيام بهكذا عمليات دون علم أو رضا الإمارات، ما يشي بوجود دور خفي للإماراتيين في عمليات التهريب. ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء إلى العام 2017 عندما ظهر رئيس اللجنة الثورة العليا للحوثيين محمد علي الحوثي وهو يعتلي مركبة عسكرية أميركية الصنع في ميدان السبعين بصنعاء، لعرفنا معنى إصرار القوات الإماراتية على سيطرة قوات النخبة والأحزمة الأمنية على الموانئ الجنوبية، فقد قيل حينها أن الحوثيين اشتروها من قوات الانتقالي التابعة للإمارات في الضالع بمليوني ريال، ولم تكن تلك المركبة هي الأخيرة فقد ظهر الحوثيون في عدة جبهات وهم يتنقلون بمثل هذه العربات، وهو ما يحمل دلالات عن الجهة التي قدمت لهم مثل هذه المركبات. وبناء على ذلك فإنني أجزم بأن الأزمة اليمنية لن تنتهي قريبا، وأن عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين لن تتوقف، طالما وأن الأطماع الإماراتية السعودية والمصالح الأميركية الغربية مرتبطة باستمرار الحرب في اليمن.
زيد اللحجي
دور الإمارات في تهريب الأسلحة للحوثيين 784