كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان، وما يحلى الكلام إلّا بذكر النبي العدنان، عليه أفضل الصلاة والسلام... كان هناك دولة موحدة يمنية، يوجد بها سلطة قضائية، تقاسم فيها قضاة الشمال والجنوب زمام السلطة، ولكن.. لم يكن للقضاة الجنوبيين دور يذكر.. فهل تم تهميش القضاة الجنوبيين؟ هل همَّشوا أنفسَهم؟ هل ارتضوا بالمستحقات والامتيازات ووو... مقابل سكوتهم وسبّحوا بحمد الملك؟ هل اجتمع كل ما ذكر أعلاه فيهم؟ المهم أن واقع الحال كان يشهد أن دورَهم سلبي ولا وجود يذكر له. عُقد المؤتمر القضائي الثالث في أغسطس 2013 م ووقفت فيه، ووقف فيه الكثير من القضاة الجنوبيين مدافعين عن مظلومية الجنوب القضائية، مذكِّرين أن الجنوبيين قدّموا- في سبيل الوحدة- الكثير والكثير، فقد قدّموا إقليماً، وقدّموا شعباً، وقدّموا عملة وقدّموا وقدّموا، باختصار فقد قدّموا دولة مكتملة الأركان، وكانت حُسن النية تملأ نفوسَهم التوَّاقة لوحدة الوطن، إلّا أنه وللأسف الشديد مع كل ذلك تمَ مجازاتهم بالجحود والظلم والتهمييش، ولذلك كانت مطالبتنا تنصبُّ حول وجوب تقرير مبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب في عضوية الهيئة الإدارية لنادي قضاة اليمن. وبعد صراع احتوته حكمة عميد القضاء اليمني ورئيس المؤتمر العام القضائي الثالث القاضي الشهيد/ عبدالجليل نعمان كان للقضاة الجنوبيين ما أرادوا وتم تقرير مبدأ المناصفة بين قضاة الشمال والجنوب بعضوية الهيئة الإدارية للنادي، فضلاً عن فوز قاضي من الجنوب برئاسة النادي. لذلك كانت حكمة قضاة اليمن هي أول من قررت رفع المظلومية عن الجنوب بتقرير مبدأ المناصفة في المؤتمر القضائي الثالث وفي ظرف ثلاثة أيام فقط.. وليس المتحاورون بمؤتمر الحوار الوطني الذين قرروا ذلك لاحقاً بعد مضي عشرة أشهر. قامت الحرب.. وأظلم الوطن، وانتهكت مؤسسات الدولة، وعادت الحبيبة عدن عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية، وبدورة عجلة الأيام وسد جُلّ الأمر في السلطة القضائية للقضاة الجنوبيين، وهنا كانت للقيادات الجنوبية القوة. .ولكن أي قوة؟.. قوة مكنتهم من الظلم، فقد تحوّل التهميش القضائي الشمالي للجنوبيين إلى إقصاء تامّ للشماليين، فعُولج الخطأ بخطأ، وعُولج الظلم بظلم أكبر. فماذا عملوا؟ عملوا على تشكيل كل الهيئات واللجان والصناديق من الجنوبيين فقط، قطعوا رواتب قضاة الشمال، ولم تعد إلّا بعد تضافر عدّة جهود مضنية، عملوا على حرمان قضاة الشمال من الترقية في مسلك تمييزي مشين ينتهك كل مبادئ الشرعية بل إنه يضرب شرعية الرئيس هادي في مقتل، ويقطع مبدأ الاستقلال القضائي إرباً. ظهرتْ في إحدى القنوات الفضائية رافضة للإضراب ومدافعة عن حق قضاة الشمال في التسويات والترقيات فلفقوا لي تهمة تدل على صفاقة أفّاكيها بأنني أسب وأشتم رئيس الجمهورية في القنوات الفضائية، وحُرمت من الترقية بمحضر موقع من أعضاء لجنة الترقيات والتسويات القضاة قاهر مصطفى، وصباح علواني، وجمال سالم، ومحمد مهدي العولقي. ورفض ذلك القاضي شفيق زوقري والقاضي فهيم عبدالله محسن. ظليت أتلمّس سمع أخبار حرماني من الترقية من الغير، ولم أظهر بالصورة، فلست بأفضل حال من زملائي الذين حرموا منها، وقلت في نفسي أدعهم في غيّهم يعمهون، فمهما طال الزمن أم قصر فإنه لن يصح إلّا الصحيح. وقيل بعد ذلك إن مجلس القضاء الأعلى قرر إدراجي بكشوفات الترقية الآثمة بترقية منتقصة، إذ امتنع المجلس عن مناقشة التظلم المقدم من قبلي منذُ قرابة سنة!. حُرم القاضي/ أحمد الذبحاني- عضو مجلس إدارة نادي قضاة اليمن- من الترقية وهو كليم النادي في المحافل الدولية دفاعا عن الشرعية الدستورية واستقلال القضاء، وقيل إن سبب ذلك أنه مُقيم في الخارج، بينما مُنحت الترقية للقاضي/ الجراح بلعيد رئيس النادي وهو مُقيم في الخارج أيضا ولا يمارس أيّ عمل !. ما دور القيادات القضائية الشمالية حيال كل ما تقدم؟ بالتأكيد دورهم سلبي.. فهل خافت القيادات القضائية الشمالية على كراسيهم وامتيازاتهم من الفقدان، فسكتوا وآثروا الصمت؟ هل من قارع منهم انصبّت عليه كل تواشيح التخوين وتراتيل التأثيم؟ هل حاولوا كسب الأطراف المضادّة تحيّناً منهم لفطرة دوران الزمن وردّ الصاع بمائة؟ هل اجتمع كل ذلك؟ المهم أن واقع الحال يشهد أن دورهم سلبي ولا وجود يذكر له. أخيراً.. أهمس في أذن القيادات القضائية الجنوبية وأقول لهم أمرين: أولهما بأنه إذا دارت عجلة الزمن وانقلب الحال عليكم، فسنكون حينها سيوفَكم المُشْهَرة في وجه كل ظلم تواجهونه، وسنكون أول من ينصركم وينتصر لكم. الأمر الثاني أود أن أذكِّركم بأن دوام الحال من المحال، ولو دامت لغيرك ما كانت وصلت لك، لذلك أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
القاضي.د/ رواء عبدالله مجاهد
للتاريخ القضائي..! 898