يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما!" الغوغائية والهمجية أقوى ما يميز القبيلة.. فهي تتكون من أناس غوغائيين ضعفاء رأي، مسلوبي الإرادة ومخنوقين بعرف القبيلة. فأفرادها منصهرون في بوتقة رأي الشيخ، وتكافل أفرادها فيما بينهم ليس سوى عادات ومناسبات للأكل والشراب من لحوم الأنعام المسلوبة في مظهر تبذيري استهلاكي من التباهي لا يليق إلا بالشياطين (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين!). مجتمع القبيلة لا يزال على عادات أعراب الجاهلية وبدوها، يقودهم الأميون وأنصاف المتعلمين وأعداء القانون والرأي الحر.. لا يمكن للقبيلة في يوم ما أن تتحضر، وتلتحق بركب المجتمع المدني والسبب هو أن الجهل متشرب في عظامهم، ومسيطر على العقول والنفوس، ولأنهم لا يزالون يفكرون بطريقة عرب الجاهلية قبل الإسلام، حيث أن ثقافة السطوة والفيد هي مقياسهم بالنسبة لبقية أفراد المجتمع خارج القبيلة، منطقهم التحشيد الجمعي غير المنضبط فكرياً، مستمدا قوته ومواقفه من الانتماء العصبي والحمية الجاهلية. القبيلة طريقة للنهب والتكسب، ولذلك فهم يقدسون العيش خارج القانون حتى يستطيعون الحفاظ على مجدهم الزائف وسطوتهم الخبيثة على المجتمع، فكل قبيلة تشكل كياناً خاصاً بها أشبه بوطن منفصل ذي فكر بدائي منعزل داخل الوطن الواحد، ولقد كانت القبيلة وستظل عبئا لا يستطيع الوطن تحمل دفع ثمنه مستقبلا. يحدثونك عن القبيلي والقبيلة وصفاتها وقيمها الحميدة، وهي في حقيقتها لا تملك أي إرث قيمي خاص بها، لأن الصفات النبيلة الأصيلة كالكرم والنخوة والشجاعة والشهامة والصدق والأمانة والفزعة والرفدة لأجل إنصاف المظلوم أو المكلوم هي قيم حضارية تتبناها كل الحضارات والأديان والفلسفات الإنسانية بداية، ناهيك عن الإسلام الحنيف وما يحمله من قيم خيرة وتوجيهات نيرة للأخلاق العظيمة، وكيف لا ونبي الإسلام (ص) كان كما قال عنه ربه جل وعلا "وإنك لعلى خلق عظيم". فالإسلام أقر فضائل الأخلاق التي كانت في الجاهلية وشذبها وزاد عليها كأن قال نبي الرحمة (ص) مثلا: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقالوا مظلوما عرفناه. فكيف ننصره ظالما؟. قال: بأن ترده عن ظلمه!". بينما تجد القبيلة تفعل عكس ذلك مثل إيواء القاتل، والدفاع عن الظالم، وإهدار حقوق الناس ونهب أموالهم بالباطل، والبذخ المظهري، والتعالي على الناس، والتفاخر بالأنساب، وتقديس دم القبيلة، وامتهان العمل، وتعظيم الطغاة، والارتهان للخارج والإرتزاق منه… الخ القيم الإسلامية الحضارية هي ما تجعل من الإنسان رمزا مقدسا للحرية والكرامة، وهدفا يجب أن يصان لا تمس حياته ولا تنتقص حقوقه، ويخضع الجميع للنظام والقانون: "الناس سواسية كأسنان المشط!". لكن للأسف الشديد فإن همجية القبيلة هي المتسلطة على المجتمعات، ما أدى إلى انهيار في منظومة القيم والأخلاق، وهذا بدوره يؤدي إلى التعارض التام مع مؤسسات المجتمع المدني. فلابد إذا من عمل شيء، لا اقول تهيئة، بل التخلص من مصطلح القبيلة وعقليتها المظلمة لتتماهى مع مبدأ المواطنة المكفولة للجميع. على الدولة أن تفرض هيبتها على المارقين من القبائل، وتطوعهم للقانون، ولتحقيق ذلك لابد من كسر شوكتهم المؤذية، وإلا فستظل سمومهم تنفث في جسد الدولة والمجتمع. ومن أعظم منجزات ثورة فبراير هي أنها زعزعت الأرض من تحت اقدام القبيلة والطائفيين الهاشميين، حيث أنها أنتجت مؤتمر الحوار الوطني، الذي بدوره صاغ عقدا اجتماعيا ارتضاه الجميع ليكون خارطة الطريق لبناء اليمن الاتحادي الجديد. هل أيدت القبيلة ثورة شباب فبراير؟ ظهرت القبيلة في ثوب المؤيد والمناصر للثورة الشبابية في فبراير 2011 بحضورها القوي في ساحات وميادين الثورة، وصوتها المطالب بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة كان أعلى الأصوات. فهل كان فعلا كذلك؟؟ قالوا حينذاك إن القبيلة نصرت الشباب ولبت دعوات الثوار ووقفت في صفهم بالمال والرجال، ولولاهم لكان عفاش قد أباد الثوار في الساحات في مجازر لم يعرفها العالم من قبل. قد يكون هذا صحيحاً أنهم حموا ثورة الشباب من بطش الطاغية عفاش، لكن الصحيح هو أنهم لم يفعلوا ذلك لأجل سواد عيون الثوار، ولا لأنهم آمنوا بالحرية والدولة اليمنية الديمقراطية! لا أبداً ليس لأجل ذلك، وإنما لأن اهداف الثورة تقاطعت مع أهدافهم ومآربهم. ومن ضمن أهداف القبيلة المشاركة في الثورة: ١- الصراع الدائر بين آل الأحمر وعائلة عفاش. ٢- الكيد لعفاش وزلزلة ملكه نكاية به كما نكل بهم من قبل. ٣- المحافظة على مكتسباتهم ومكانتهم في المجتمع باسم القبيلة، حيث أنهم كانوا يبرزون القبيلة بحامية الوطن والجمهورية. وحتى لا تنزلق الأمور من أيديهم اضطروا للنزول إلى الميادين للسيطرة بأموالهم المكدسة من مهنة الارتزاق على الثورة والثوار، ليبقوا في دائرة الضوء والقرار، أو ليبق الحكم في أيديهم، وأقصد هنا قبائل طوق صنعاء بكل أطيافها، حتى الإصلاحيين منهم. وبعد إزاحة الطاغية عفاش وقفوا حجر عثرة أمام تحقيق مخرجات الحوار الوطني، ولا يزالون يقاومونه إلى يومنا هذا. المنطق الذي يقول بأهمية وجود القبيلة للمجتمع والدولة منطق مغلوط مرفوض جملة وتفصيلا، لأننا عشنا ورأينا مجتمعات تعيش من غير مسميات القبيلة، وهي شعوب متقدمة ومتحضرة بعكس شعوب مجتمع القبيلة. التخلف والهمجية والتمايز الطبقي والحروب والاقتتال أمور ملازمة لوجود مجتمع القبيلة. هل سمعتم بحدوث حروب ببلدان ليس فيها مجتمع قبلي كمصر مثلا؟؟؟ بالتأكيد لا، لأن هذا خاص بمجتمع القبيلة. وإذا سلمنا جدلا بوجود فوائد تعود على المجتمع والدولة من وجود المجتمع القبلي، نقول إن الله تعالى قد قال أن في الخمر والميسر فوائد للناس كما في الآية أعلاه، ومع ذلك نهى عنهما: "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون!". فالقبيلة وإن كانت لها بعض الإيجابيات، إلا أن سلبياتها أكثر وأطغى، بل ربما رجس من عمل الشيطان. فمن باب أولى نبذها وبناء مجتمع مدني متحضر بدلا عنها.
أ. محمد الدبعي
هزة قلم! 927