لا شيء يشبه إصرار جماعة الحوثيين على نشر ثقافتها العنصرية الطائفية في كل مفاصل الحياة، إلا غياب الشرعية وتقاعسها عن أداء دورها بأدنى المستويات. في الوقت الذي يكرس فيه الحوثيون كل المنابر لنشر ثقافة (الولاية) وأفضلية السلالة الهاشمية على اليمنيين، فإنهم يمنعون مجرد الحديث عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب في الإذاعة المدرسية. قد لا تكون مهمة اليمنيين في الوقت الراهن الدفاع عن الصحابة أو الدخول في صراعات ماضوية عقيمة، لكن إصرار الحوثيين على ذات الفعل بما يخدم فكرهم وطائفيتهم، يجعل الأمر مسألة بالغة الأهمية للحفاظ على الهوية الدينية لليمنيين دون تشويه. طلب الحوثيون من طلاب المدارس إعداد إذاعة مدرسية عن الزكاة، في إطار تعزيز الموارد المالية للجماعة، وضمن حملة تكريس أحقية الهاشميين بصرف جزء من الزكاة "الخُمس"، ونتيجة ذلك أعد طلاب ثانوية عبدالناصر للمتفوقين بصنعاء إذاعة مدرسية عن الزكاة تضمنت دور الخليفة أبوبكر الصديق في فرضها كواجب ديني، فما كان من إدارة المدرسة إلا إيقاف الإذاعة المدرسية، وإجبار الطلاب عن إعداد موادٍ إذاعية أخرى لا تتضمن الإشارة إلى الخليفة الصديق. قبلها بأيام كان الطلاب في نفس المدرسة قد أعدوا إذاعة تناولت الخليفة عمر بن الخطاب، فوقف مدير المدرسة أمام الطلاب وطالبهم بعدم الحديث عن الماضي في الإذاعة، وأن يركزوا على الحاضر الذي تمر به اليمن، بينما استمرت الاحتفالات بالمولد النبوي وحديث الولاية وآل البيت ويوم الشهيد على مدار العام ليس في الإذاعة المدرسية فقط بل وفي محاضرات على مستوى الفصول والنشاط المكتبي. قال أحد الطلاب، كما يحق لهم الحديث عن علي بن أبي طالب وأولاده، فلنا الحق في الحديث عن باقي الصحابة، لأننا نعتبرهم جميعاً بدرجة واحدة، أما أن ينشروا ثقافتهم كما يريدون فهذا ظلم وطائفية، ونحن نقبل بالخليفة الرابع كما نقبل بباقي الخلفاء، على عكس الحوثيين بإدارة المدرسة الذين لا يؤمنون إلا بعلي ويرفضون عمر وأبوبكر وعثمان. في أوقات الراحة المدرسية ألزم الحوثيون إدارات المدارس بالأمانة وغيرها بفتح زوامل الجماعة بمكبرات الصوت، بينما كانت الأناشيد الوطنية هي من يملأ هذه المساحة الزمنية منذ عقود. في كلية الهندسة بجامعة صنعاء، قام الحوثيون ويقومون باستمرار بقطع المحاضرات العلمية للطلاب وأساتذتهم، وتخصيص وقتها لدعاة ورجال دين من الجماعة على رأسهم المطري إمام جامع الصالح، الذي يخصص وقته لإقناع الطلاب بالتمسك بـ"المسيرة القرآنية"، حسب وصفه. إلى جانب المطري هناك رجلان مجهولان يقولان إنهما من عدن، وأن الإمارات قامت بسجنهما واتهامهما بأنهما "دواعش"، ولذلك فقد فضلا الحوثيين على الإمارات وجاءا إلى صنعاء. من العجيب أن تهمة الدعشنة لليمنيين خاصية تتميز بها جماعة الحوثي أكثر من سواها، ولها وحدها يعود الاتهام الجماعي لليمنيين المخالفين لها بأنهم دواعش، وكيف لها بعد هذا أن تأوي وتستعين وتوظف متهمين بالدعشنة للترويج لفكرها؟! أليست الفكرة التي تقوم عليها الجماعة من نفس جذور فكر داعش وأخواتها؟ في ذات الكلية تقوم لجنة النظام التي شكلها الحوثيون بالقبض على أي طالب يقف للحديث مع إحدى زميلاته، ويقومون بالاتصال بولي أمر الطالبة وتوقيف الطالب باعتبار ذلك اختلاطاً غير مسموح. أليست هذه هي داعش في أبهى تجلياتها؟ هذه التفاصيل تتراكم لتتحول إلى ثقافة، ولو نجح الحوثيون فقط باستقطاب وإقناع طالب واحد من كل عشرة طلاب بفكرها وطائفيتها وعنصريتها، لكونت قاعدة صلبة لفكرها الطائفي من مئات الآلاف من الشباب والشابات، وهذه العقول مستقبلاً أشد خطراً على البلد من مئات الآلاف من الألغام التي زرعتها الجماعة في جغرافيا اليمن شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. هل هناك عامل قوة للحوثيين أكبر من فشل الشرعية في ممارسة واجباتها ومسؤولياتها الدستورية؟! على هذه العصابة فقط، شغل الفراغ الذي تتركه شرعية هادي، وهذا كفيل بتفخيخ اليمن لعقود قادمة.
فارس جميل
حرب الحوثي في المدارس والجامعات 754