تتجلى المصيبة الكبرى فيما حدث ويحدث في ليبيا بعد الثورة على القذافي وحكمه الفردي وما أعقب ذلك من فوضى واقتتال في أن كثيرين ممن أعرفهم صاروا يرون في حكم ذلك الفرد حلماً بعيد المنال، فقد حفظ لهذا القطر العربي وحدته وحماه من التدخلات الأجنبية، وكان رغم كل عيوبه أرحم بليبيا وأبنائها من هذا الوضع المخيف. وما يقال عن ليبيا يمكن أن يقال مثله عن أقطار عربية أخرى لم تشهد من التغيير سوى المزيد من الدمار والخراب والاقتتال الداخلي والتدخلات الخارجية إقليمية وأجنبية. إنها مصيبة كبرى أن تكون المتغيرات المطلوبة والمحلوم بها باباً إلى التمزق الوطني ومدخلاً إلى سنوات من الفوضى والمنازعات وعدم الاستقرار. لقد مضى على العراق ما يقارب العقد والنصف من الزمن منذ تم اسقاط نظام صدام حسين، ومع ذلك فما زالت هموم هذا القطر العربي في تكاثر، وما يزال لا يخرج من مشكلة إلاَّ لكي يقع فيما هو أسوأ منها، سواء على مستوى الاستقرار أو في المحافظة على الوحدة الوطنية ووحدة الوطن من التفسخ الطائفي والمذهبي، فضلاً عن التدخلات الاقليمية والأجنبية التي تتحكم في حياة الناس وفي اقتصاد البلد وثروته، وفي هذا وغيره مما يحدث هنا وهناك ما يبرر تلك الأقوال التي تذهب إلى تأكيد حقيقة أن الأنظمة الفردية كانت أرحم بالوطن والمواطنين من الفوضى والتخبط الذي جاء بعدها، والذي ساعد على إجهاض أحلام المواطن العربي وتدمير كل تصوراته في مستقل كريم و في تنمية وطنية قابلة للتطور. ولا أخفي أن الحظ أسعدني بالتعرف خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي على عدد من المثقفين الليبيين الهاربين من حكم القذافي وممن عرفوا معتقلاته. وكانوا يرون في الثورة عليه وتغيير حكمه انتصاراً وإعادة الحق إلى نصابه، لكن ما يؤسف له أن بعض هؤلاء، إن لم يكونوا جميعهم، قد عادوا إلى المنافي مرة أخرى رافضين أن يكونوا مادة للحريق الذي يتصاعد ولا يكاد يعرف الانطفاء. وهو ما يدل على أن مأساة هذا القطر العربي ستطول، وأن هناك ما يشبه التكافؤ بين من يريدون إطفاء النيران المشتعلة ومن يريدون مضاعفتها ومدها بمزيد من وسائل الاشتعال لكي تظل ملتهبة لا تعرف الانطفاء. أخيراً، تجدر الإشارة إلى الدور الفاشل لكل من جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة في ايجاد حل للمشكلة الليبية، والبحث عن وسيلة لجمع الفرقاء المتنازعين للوقوف في وجه التدخلات الأجنبية من ناحية، والتصدي لأعمال العنف التي باتت تهدد حياة المواطنين، وتدمر أمنهم، وتشل كل محاولة جادة لتحسين أوضاع الاقتصاد، وايجاد الحد الأدنى من الاستقرار.
د. عبدالعزيز المقالح
ليبيا إلى أين؟ 879