كم ياناس تعبوا من الفقر والفاقة والجوع ولا حد يحس بهم، وكم يا ناس تعبوا لأنهم كبرت بطونهم وانتفخ ريشهم من كثرة الفلوس وهم ولا بحسهم ما يكابده هؤلاء المساكين ويعانوه. وياما ناس كانوا يتقلبوا في الغنى والبطر، واقتلبوا فقراء أعزكم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكم من ناس كانوا فقراء وحالتهم حالة فتبدل حالهم، وأغناهم الله من فضله فصاروا يتقلبوا في النعيم والراحة. فهل اعتبر من اغتنى بعد فقر، وتذكر أيام فقره وعوزه لما يشوف من عاده يرزح في الفقر فيشكر الله تعالى بنظرة رحيمة لإخوانه المساكين؟ وهل تاب من افتقر بعد غنى، واستغفر الله تعالى؟ وفي فرق بين فقير وفقير، وغني وغني! يوجد فقراء لا نعرفهم ولا يعرفهم أحد، يحسبهم الجاهلون أنهم أغنياء لأنهم لا يمدوا أيديهم بالسؤال لأحد، وهناك فقراء أضطرتهم الحاجة للسؤال حتى يطعموا من يعولوا، من أهاليهم الجوعى المحاصرين في البيوت دون طعام. وأغنياء متكبرون ممسكون لا ينفقون ولا يعطوا لله، وأغنياء منفقون وهم متفاوتون في العطاء والبذل. واللي يتأمل في حال كثير من الناس بيشوف العجب العجاب. بيشوف ناس تعيش لدنياها وبس، ولا كأن الآخرة والجنة والنار موجودة، ولا في بالهم، ناسين أو متناسين بأنهم شموتوا في يوم من الأيام، وشلاقوا الله تعالى اللي شحاسبهم على كل حاجة ومنها فلوسهم ايش عملوا بها. ياناس ما أحد منا شيخذ معه للقبر حاجة غير الخرقة البيضاء والعمل الصالح. ولا شنفعنا أحد بعد الموت غير الدعوة الصالحة والصدقة الجارية أو ما قدمناه من خير في حياتنا. "خير الناس أنفعهم للناس!" الإنسان ما يقدرش يعيش لوحده في هذي الدنيا، ولو حاول مهما حاول أن يعتمد على نفسه ما شقدرش يستغني عن طلب مساعدة الآخرين في أشياء كثيرة بحياته. فالناس تحتاج لبعضها، ويوم لك ويوم عليك فالزمن قلب. والشخص الذي يرفض مساعدة الآخرين يعتبر شخص أناني ولئيم، ولا يستحق أن يدرج في صنف البشر: وما للمرء خير في حياة *** إذا ماعد من سقط المتاع! ساعدوا إخوانكم، مدوا لهم يد العون بقضاء ديونهم والصبر على قضائه، مدوهم بما يحتاجون! ارحموا عزيز قوم ذل! ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء! الراحمون يرحمهم الرحمن! مساعدة الآخرين من أعظم أبواب الخير، بل هي نوع من الإحسان، وقد قال تعالى: "وأَحسنوا إن الله يحب المحسنين". "إِن رحمة الله قريب من المحسنين" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة". وما ثبت عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر". وما ثبت عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي له ديناً، أو تطعمه خبزا". شكر الله تعالى مش كلمات تقولها "الحمد لله رب العالمين"، وإنما صدقات تخرجها وخدمات تقدمها، ومساعدات تمنحها لمن يستحقوها. فاشكروا الله يشكركم وهو خير الشاكرين: "لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد!" "وقليل من عبادي الشكور!".
أ. محمد الدبعي
الناس للناس ياناس! 1056