"من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب ينشغل عن المحبوب" مريد البرغوثى بتعميم من الشؤون الدينية التركية اليوم الجمعة تم تناول المأساة اليمنية من قبل 90 ألف خطيب جمعة وتم جمع التبرعات لليمن الحزين.. قال صديقي أنه شعر بالحزن وهم يجمعون التبرعات لليمن، لكن الحزن وحده لا يكفي ويجب تحويله من طاقة سلبية وانسحاب من الواقع إلى إجراءات واقعية تخدم القضية اليمنية. لست مهتماً أين ستذهب أو كيف ستوزع التبرعات التركية يهمني هذا الشعور بأن الآخرين يشفقون علينا، لقد أوصلنا الانقلاب إلى هذه الحالة المزرية، فما العمل؟ هل نحزن أم نخجل؟؟، أم نحاول الهروب؟ الحزن صار حالة مستدامة منذ الانقلاب، الحزن وحده لا يكفي لفعل شيء لكنه يمكنك أن تنسى...أن تتبلد..الحزن محفز للعمل لمن يريد خدمة بلده واللحاق بركب القلة الذين يحملون هَم القضية اليمنية. عن نفسي حزني دائم أشعر أن أقدامي لم تعد قادرة على حملي وحمل هذا الهم الطويل من تعز إلى الجحيم، ابتسم كاذباً فقد تعودت الكذب كما تعودتُ القول الحمد لله بعد السؤال عن الحال، ما يصبرني هو الإيمان باليمن الذي يملأ آفاق الدنيا التي أراها في خيالي، الحزن جرف التفاؤل الذي تصنعته دوماً على طريقه القسري، وكأنه يهزأ بي حين يقول لي ديستوفيسكي "المثير للدهشة أن تكون فلسفتك حزينة ووجهك بشوش.." ليست الدهشة بل القدرة على تقبل الوضع الجديد، ومحاولة إحداث حراك ما، لكنه حراك بطيء قلق، أُصبتُ بالتردد بعد حياة حافلة باللامبالاة، تذكرتُ كلمات كان يقولها لنا أحد العمال ونحن مسافرين من القرية إلى تعز المدينة التي كانت يومها تنشأ بعد عودة المغتربين من الخليج ذات حرب من حروب بسوس العروبة، كان يردد عبارة أثيرة : "يا سالي الدهر كله سهمك من الهم باقي" كنتُ أظنه هم الناس من بيت ومعيشة، لم أكن أدرك أنه هم أكبر من مقاس أقدامي الكبيرة ومن أحلامي العريضة، هم بلد يكاد يُمحى اسمها من الخارطة، وبعض بنيها يكذبون أمام الملأ أن اليمن ليست اسما لدولة وحضارة وشعب بل اتجاه أو جهة تقع يمين الكعبة، وهي رواية واهية ينسفها وجود اليمن قبل باني الكعبة ذاتها. اخترناك يا حزن لإكمال بقية الرحلة فأنت خير الرفاق، في زمن عزت فيه الرفقة، فالأشباه لا تصلح صحبتهم ولا صداقتهم، مجرد عابرين على الجروح يترك بعضهم الندبات التي قد يمحوها الزمن أو لا يمحوها، واخترنا من يشبهنا في المآلات، وفي الصمت والسرعة. الخجل أيضاً لا يمحي العار الذي لحق بكل أهل اليمن، الذين جاء الانقلاب وهم في غفلة ينظرون إلى مدنهم تسقط واحدة تلو الأخرى على أيدي تافهي الهاشمية السياسية دعاة الحق الإلهي، لكن الخجل واجب على الجميع وخاصة من دعموا الانقلاب ولو ببضعة أحرف أو كلمات تأييد، على من رقصوا فرحاً بسقوط عمران وصنعاء أن يخجلوا من تراب هذه الأرض من حليب أمهاتهم الذي لم يستحقوه البتة، الخجل أوجب في حق من يظنون أنهم يمثلون البلد وكل من تقلدوا مناصب ووظائف عُليا ومازالوا متقلدين لها، الخجل هو اعتراف ضمني بالتقصير، هو إحياء للضمائر التي غابت عن فعل ما يلزم فعله. وحده الهروب هو المتاح.. وهو السهل.. لكنه هو المحرم، يستطيع الجسد أن يهرب ويتوارى خلف آلاف الأميال، لكن الروح تظل تتأرجح بين موطن الطفولة وبين الحلم الذي لا يموت ولا يغيب ولا يُنسى. لسنا استثناء فكل من حملوا قضيتهم قاموا أولاً بفرز الواقع ومعرفته، واستقاموا على الهوية ومنها انطلقت رحلات النضال، ووصلوا إلى حقائق قيام كل منهم بعمله بحسب قدراتهم وبحسب الخبرات وكلفوا أنفسهم بصناعة كل ما يراه السطحيون مستحيل، لا يشبه نظافة أيديهم إلا نظافة قلوبهم وعقولهم، وقدرتهم على اللوك والإقناع وعدم الملل من التكرار والإصرار.. الله هو الحق المبين واليمن حق والقضية حق والدولة حق وكل الأوهام التي تحول بين الشعب وبين الحق باطلة.
فيصل علي
الحزن وحده لا يكفي 912