بدأت أصوات الكبار تتعالي لوقف الحرب في اليمن. طيلة السنوات السابقة لم يهتف أحد، ولم تجذب المأساة الإنسانية عين كبير ولا حنجرته، فيما كانت قوائم الضحايا مجرد أرقام وإحصائيات وقصص توثقها المنظمات الحقوقية وترميها في الأدراج للتاريخ، يحدث ذلك بعد توزيع بيان على وسائل الإعلام. احتاج العالم إلى جريمة بشعة كي يكتحل بدم اليمني، المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث، أفصح عن ذلك مُصرحًا: مقتل جمال خاشقجي لعب دورًا في الدعوة إلى السلام باليمن. وعليه فإن أعين الكبار على السعودية، ولم يرموا اليمنيين بالنظرات الشفوقة والوادعة على حالهم المتدهور. العالم يعرف، أن جماعة الحوثي شنت الحرب على اليمنيين، اجتاحت المحافظات، استولت على أسلحة دولة، خربت ودمرت كل شيء، عطلت الدستور، الغريب أنها مازالت حتى اللحظة تبرع في صنوف تعذيب اليمني، وانتهاك حقوقه وسحله.كان الخطأ الفادح للتحالف العربي، أنْ حاد عن الطريق، وتضاربت أجنداته ومطامعه تحت يافطة إنقاذ الإنسان اليمني، وبدلًا من التشاور في حلول على الأرض تعزز من نفوذ الشرعية، تقيدت الشرعية وارتاحت على نمارق الغربة المريحة، وكانت النتيجة: سجون سرية، اغتيالات، تموين النعرة الانفصالية لتمزيق البلاد، استمرار في تجميد الموارد التي كان من الممكن أن تشكل رافدًا اقتصاديًا للحكومة، طيران التحالف يرتكب أخطاء ضد مدنيين... إلخ. فرح الحوثيون بهذه العوامل واستغلوها متوسلين أنظار العالم..مليشيا الحوثي هي العدو الأول للإنسان في اليمن، حتى الجماعة نفسها تؤمن بذلك، لكن لسان حالهم يقول: نحن مليشيا، انظروا لمن يقول عن نفسه تحالفًا يمثل دولًا مثل السعودية والإمارات. وهكذا كلما طالت الحرب، تضاعفت المأساة واستفادت المليشيا منها، المليشيا التي امتلكت سلاح دولة أمام تحالف دولي تاه في لجة الغرور، وهذا النوع من الحروب، بتعبير تولستوي أديب الحرب والسلام، "يفسد الناس في عام واحد أكثر مما تفسدهم ملايين جرائم النهب والقتل التي يرتكبها الأفراد في ملايين السنين". الإطالة فساد، الحسم هو الحد الفاصل للفساد، القيادات تفسد والمنظمات تفسد، رؤوس المتحالفين تفسدها الأوهام والأطماع، المليشيا تغرق في الفساد وهي تصنع بحرًا من الدم والدموع، وفي لحظة ما ينتبه العالم لهذا الفساد فيلقي بالمسؤولية على الطرف القوي العاقل المؤطر تحت مؤسسة رسمية اسمها الدولة..على خلاف ما استبشر اليمنيون عندما هبت عاصفة الحزم، طالت الحرب. كان العالم لا يرى، أما وقد قتل خاشقجي بتلك الطريقة الوحشية، فقد نبتت أعين جديدة في وجه العالم. الآن يضغط على السعودية لسببين: شفقة على حقوق الإنسان، وابتزاز مغطى تحت هذه الشفقة! ولا يوجد ما يجمع بين السببين مثل اللعب بورقة اليمن كما هو واضح..ترافق دعوات وقف الحرب في اليمن، دعوات لإلغاء صفقات سلاح مع السعودية.. الجانب الأوروبي يناقش بجدية وألمانيا توقف تصدير صفقة سلاح حتى جلاء الحقيقة كاملًا، والشريك الأميركي الأقوى مذبذب بين الإنسان والمال، لذا سلم الوغد ترمت حيرته للكونجرس. السعودية في الوقت الراهن، لاحتاج سلاح بعيد المدى، هي تحارب المليشيا الحوثية في اليمن، وتحت المتغيرات الدولية كل ما تحتاجه إلى حسم سريع، العالم سيتفرغ لتداول المأساة الإنسانية في اليمن وما يدور في فلكها من فضائح، وإطالة الحرب توغل في المآسي الفاضحة. السعودية تملك ما يكفي من السلاح والإمارات أيضًا، السعودية تؤمن أن جماعة الحوثي خطرًا عليها، وخروجها دون طأطأة المليشيا معناه الهزيمة وانفضاح هشاشتها العسكرية وضعف بنية السلطة التي تفتح شهية المترصدين في الداخل والخارج. سيخرج الحوثي متبجحًا بنصر مزعوم على أثرى دولتين وأقواهن خليجيًا: السعودية والإمارات، وسيضيف إليهن 17 دولة أخرى، وهي المليشيا التي هزمتها الفرقة الأولى مدرع، الفصيل الأقل خبرة للتكتيكات العسكرية والتدريبات في الجيش اليمني، هزمتها ست مرات، العميد ثابت جواس لم يرد على المكالمة الأخيرة من علي صالح عندما وقع مؤسس الجماعة، حسين الحوثي، تحت حصار سريته العسكرية كي لا ينجو المؤسس من حرب كان يوقفها الرئيس عند مشارف النهاية. تقوية الشرعية على الأرض وتسلمها مقاليد إدارة المعركة قد يسرع من وتيرة الحسم، خلال اليومين السابقين بدأت التداولات الرسمية لمناقشة الحكومة خطة استئناف تصدير المشتقات النفطية، القنوات المباشرة لدول التحالف مثل قناة العربية بدأت تركز في تغطيتها على "الشرعية" والتشديد عليها والتغاضي عن التحالف العربي، وجبهات حرب متوقفة مثل جبهة الحديدة بدأت بالتحرك، خطوات متأخرة تقريبًا، لكنها من الناحية العسكرية، وأمام أعين العالم، عمل ذكي، خاصة إذا امتد التحرك إلى جبهات أخرى، الطامة إن كان هذا التحرك ـ كالعادة ـ مغلف بالأطماع المرتهنة للمواقف الدولية. انتهاء الحرب أمنية كبرى، كيفما كانت وبأي طريقة..وإذا ما اعتبرنا بأن كل المواقف والدعوات والأصوات المرتفعة المنادية لوقف الحرب، إذا ما اعتبرنا ذلك للاستهلاك الإعلامي فقط، فإن هذا ما يحتاجه التحالف: حسم المعركة سريعًا..أما الحوثي فيحتاج لما هو أقل من ذلك لتفادي التوقعات كلها: سحب مقاتليه من الجبهات، والإعلان الفوري لبدء السلام في اليمن..أما اليمني البسيط فيحتاج أن يشهد الله وبس.
سلمان الحميدي
أعين جديدة نبتت في وجه العالم! 1020