الحرب في اليمن لن يحسمها التصعيد العسكري الأحادي، وإنما وقبل ذلك، اتفاق شركاء السلطة الشرعية، على خوض معركة تحرير بعنوان واحد، وقوة واحدة، وغاية واحدة. فدون اتفاق سياسي واضح يرسم فيه ماهية اليمن ودولته ونظامه ومستقبله، تبقى كل هذه المعارك مجرد استنزاف للبشر، ومجرد محاولات عبثية منهكة ومكلفة للغاية.. فإذا كانت التسوية السياسية مع الجماعة الحوثية، باتت غير ممكنة، وبعيد أعوام نيفت الأربعة؛ فهل يعقل أن تظل جبهة السلطة الشرعية بهذا التفكك والتمزق والضعف؟. نعم، الجماعة الحوثية استولت على مقدرات الدولة العسكرية والاقتصادية، ضف لذلك أنها تحالفت مع رموز النظام القبلي العسكري المهيمن على البلاد طوال أربعة عقود، فضلاً عن دعم إعلامي ولوجيستي وتقني من إيران. فكل تلك الإمكانيات المادية والبشرية ربما منحتها نفوذاً وصيرورة، ومع كل ما قيل وسيقال، ما كان لجبهة الحوثيين الاستمرار لولا ضعف وتفكك جبهة الشرعية. أذكر أنني حذرت قبل عامين السلطة الشرعية وحلفاءها وتحديداً الإمارات والسعودية، من مغبة اللعب في المناطق الرمادية، وأياً كانت تلك المسميات أو الشعارات مغرية وجاذبة. ففي كافة الأحوال هناك حرب كارثية مازالت مستعرة ومدمرة، وعلى الشرعية والتحالف أن يكون فعلهما متناسقاً وموحداً غايته استعادة الدولة اليمنية، وتمكين السلطة الشرعية من مباشرة مهامها الاعتيادية، والشروع في تنفيذ خططها واجندتها الانتقالية. فدونما شراكة سياسية حقيقية، تبقي اليمن وشعبها مجرد مساحة وغى تتصدر عناوين الأخبار وتزف يومياً عشرات ومئات القرابين الهالكة بالقتل أو الجوع أو الوباء. ودونما اتفاق سياسي تحدد فيه مآلات وغايات اليمن وهويتها السياسية المستقبلية، لن تتحرر هذه البلاد، وستبقي العاصمة صنعاء وقُبلها وجوارها وإب وذمار وحجة والحديدة وسواها تحت قبضة الجماعة الحوثية وأتباعها. كما ولن تستطيع السلطة الشرعية بسط نفوذها ومزاولة نشاطها في محافظات تم تحريرها من قوى الانقلاب، وقبل ثلاثة أعوام كاملة وليس اليوم أو الأمس. المسألة لا تحتاج لأي ذكاء كي نكتشف الحقيقة المُرَّة، فقوة الحوثيين وأتباعهم كامنة في هشاشة وتفكك وضعف الجبهة الموازية، فما لم تتوحد جبهة الشرعية، قوة وأداة وغاية وقيادة، يستحيل حسم المعركة وإنهاء الحرب. وما لم تتخل كافة الأطراف المتعددة والمتنافرة المشكلة لجبهة الشرعية عن حساباتها السياسية الضيقة - الفئوية والحزبية والجهوية والمذهبية والشخصية -، وعن أهدافها المتصادمة المثبطة لحسم الحرب سلماً أو حرباً، فإنه يمكن القول إن حرب اليمن ستطول، وان معاناة السكان ستزيد. فالجماعة الحوثية ستظل مسيطرة ومهيمنة، ما بقيت السلطة الشرعية وحلفائها بهذا التنافر والوهن والتفكك القاتل، وما بقيت جبهات مأرب وتعز والحديدة والضالع والبيضاء وأبين وشبوة والجوف وصعدة غير موحدة أو متناغمة أو منسجمة مع بعضها البعض. فالواقع أن هذه الجبهات تحارب الميليشيات الحوثية، ولكن بمليشيات مقابلة، والخطر يزيد ويتضخم حين يكون لكل منها تبعية وولاء وغاية تحددها الجهة الممولة والموجهة لهؤلاء المقاتلين.
محمد علي محسن
الحرب والحقيقة المُرَّة !! 1306